«باب الحارة» و«الحصرم الشامي» و«النمس» حينما يكتب تاريخ دمشق? «العربية» تنعى «شهداء» المدينة وقتلى بغداد

مالك العثامنة
لا أخفي انجذابي بالأداء المسلي، خفيف الدم للممثل السوري مصطفى الخاني في «ثمانية» مسلسل «باب الحارة» القابلة للتصاعد إلى ما شاء الله. وهذا الأداء الكوميدي الهزلي اللطيف يجعلني أتابع المسلسل، الذي اختفت ملامحه الأساسية، التي تأسس عليها لينتهي كما أرى إلى أسس جديدة قوامها «النمس» و»أبو بدر»، ويصبح المسلسل المفترض أنه تاريخي عن الشام، إلى كوميديا خفيفة وهزلية يتخللها بعض دراما فانتازية، حتى أن أبوعصام نفسه صار مثيرا للضحك إلى حد كبير وهو لا يكاد يجلس ليرتاح في بيته إلا ومصيبة جديدة تحط على أكتافه، فصارت كشرته وهرولته نحو كل مصيبة جديدة مثارا للضحك.
تضحكني أكثر تلك التعليقات والقراءات الساذجة للمسلسل، والتي تسقط عليه أكثر مما يحتمل هذا الإنتاج الهزيل، ومحاولات البعض خندقة المسلسل الهزلي بإنتاجه ومحتواه في ثنايا الصراع والأزمة السورية.
لا يمكن بأي حال ولا بأي مشهد الأخذ بمهزلة «باب الحارة» على أنها عمل يوثق الشام وتاريخها الإجتماعي، ناهيك عن التوثيق السياسي.
لكن، هذا لا يعني قصور الدراما عن محاولات التوثيق الجادة للتاريخ، بالعكس، فهناك محاولات حقيقية تمت قبل سنوات، لكنها لم تأخذ نصيبها من الترويج اللائق بحقها ومستواها.
عام 2008 مثلا، تم العرض الأول والمغلق لمسلسل «الحصرم الشامي»، وكنت تابعته حينها بحكم اشتراكي بقنوات «أوربت»، التي احتكرت بثه لسنوات.
العمل ضخم، ومنطلقه كله مأخوذ عن كتاب البديري الحلاق «حوادث دمشق اليومية» وبإشراف نخبة من أساتذة التاريخ، الذين حققوا في السيناريو، الذي كتبه «فؤاد حميرة»? ويتحدث العمل عن الحياة اليومية الإجتماعية لأهل الشام في الفترة بين 1715 ـ 1750 من خلال عائلات شامية عدة ومجريات حياتها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية في تلك الفترة، ويتضمن أحداثاً تجري في القرن الثامن عشر «في فترة سليمان باشا العظم، ثم أسعد باشا»، وقد رصدها المؤلف بكل دقة واتقان، وروى الأحداث السلبية من قتل ونهب واغتصاب وفقر وظلم، كما تحدث عن الوقائع البطولية، مثل الشهامة والنضال من أجل حياة كريمة عز وجودها في ذلك الزمان. وهذا منطق درامي مفقود برأيي في الدراما العربية ذات البيئة الشامية.
المسلسل مهم في أجزائه الثلاثة، التي يفصل بين كل جزء والآخر منها مائة عام!
أهمية العمل أن متابعته واستيعابه يعطيان مفاتيح لفهم الشام وسوريا، التي واجهت تاريخيا عنفا دمويا يتجاوز حتى ما نراه اليوم في أزمتها الراهنة، والمفارقة المدهشة تكمن في تشابه بعض الوقائع باختلاف الواقع طبعا.
لكن، وفي خضم أزمة «الجمهور عاوز كده» ورغبة «أم بي سي» السعودية أن تبني قلاع الحكايا من رمال الربع الخالي على حساب بناء تاريخي حقيقي موجود ضاع الإنتاج الفاعل وجاء «النمس» ليكتب تاريخ دمشق.
القدس العربي