ماذا بعد سقوط رئيس جمهورية سيمبابوي روبرت موغابي وإعتلاء السياسي المخضرم منناقوا لسدة الحكم

شهدت جمهورية سيمبابوي أثناء شهر نوفمبر الماضي حركة إحتجاج جماهيرية واسعة متصاعدة مطالبة بإنهاء حكم الرئيس روبرت موغابي الذي دام أكثر من 39 عاما عجافاً إتسمت بالظلم والإستبداد وحرمان الشعب من حقه الطبيعي في المشاركة في إدارة شئون حكم البلاد والتحكم في ثرواتها ومواردها وتوجيهها لخدمة مصالحه وتسيير حياته الإقتصادية والإجتماعية وبناء المؤسسات التي تدير وتشرف على شئون الدولة الجديدة الحديثة.
بدأ الأمل والتفاؤل يدبان في قلوب وعقول المواطنين يوم إعلان الإستقلال في العام 1880 وتم نقل السلطة من يد المستعمر البريطاني ووضعت في يد السلطة الجديدة ممثلة في الإئتلاف الوطني المكون من حزب سانو بييف والحركة السياسية الديمقراطية. لم تدم الفرحة طويلاً وسرعان ما اكتشف المواطنون وفي المقدمة السياسيين أن معارك الإستقلال الحقيقية ما زالت قادمة والتي تكمن في تحرير الإقتصاد والموارد والثروة الطبيعية التي تهيمن وتسيطر عليها الأقلية البيضاء التي لم تعرف موطناً آخر لها غير سيمبابوي التي عاشت وتكاثرت فيها طيلة فترة الإستعمار البريطاني.
المعضلة الكبرى في هذا الجانب تكمن في أن الإقتصاد السيمبابوي إرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإقتصاد البريطاني، وعلية فإن ذلك الإرتباط بين الطرفين كان من الممكن حله إذا ما اتفق طرفا الإئتلاف في الحكم على برنامج يعنى بقضايا مرحلة ما بعد الإستقلال وفي مقدمتها المسألة الزراعية التي يسيطر عليها البيض.
هذا لم يحدث وبدلاً من ذلك إنقسم الطرفان حول قضايا كثيرة متفرغة أهدرت طاقات الحزبين دون طائل، واخيراً إنفض الإئتلاف واتسعت هوة الخلاف بين الطرفين والصراع المفتوح على كل المستويات بما في ذلك أجهزة السلطة.
الرئيس موغابي يملك من طموح جموح وسيطرة وهيمنة فردية وجد الفرصة سانحة لتحقيق ما يصبو إليه. أقدم على تغيير الدستور وسن القوانين وإعلان نظام الحزب الواحد الحاكم المهيمن والمسيطر على كل مناحي الحياة، أعلن ما اسماه بالثروة الزراعية لإستعادة الأراضي والمزارع التي يمتلكها السكان البيض وقاد شوفينية ضدهم بصورة فوضوية خارجة عن الأعراف والقوانين المحلية والدولية المعروفة التي استخدمت لمثل حل تلك الاشكالات ولكي لا نذهب بعيداً ونغوص في التجارب التاريخية لمثل هذه الحالات أكتفي بالإشارة الحديثة العظيمة التي حدثت في جنوب أفريقيا بعد تصفية نظام الفصل العنصري وتكوين محكمة العدالة الناجزة التي ترأسها القس دوزمان توتو والتي أفضت إلى الوقوف إلى جانب المظلومين وإعادة الحقوق لأصحابها الحقيقيين.
تلك التجربة بالتأكيد لم تكن غائبة عن ذهب الرئيس المخلوع روبرت موغابي إلا انه كان يخشى أن يمتد أثرها إلى سيمبابوي ويجد نفسه في قفص الإتهام ويحاكم أمام الشعب على الجرائم التي إرتكبها والتي من بينها القمع الوحشي والتصفية التي تعرض لها الثوار الذين شاركوا في إنتفاضة الجنوب بواسطة القوات المسلحة ومجموعة من الكتيبة الأمنية التابعة مباشرة لحرس الرئيس والمسئول عن امنه، وموغابي كان يعلم تمام العلم بأن العد التنازلي لحكمه قد بدأ وعليه أن يسابق الزمن ويعد العدة ويضع الترتيبات اللازمة التي تضمن بقائه في السلطة في اطار دائرة نفوذه وتأثيره طالما هو على قيد الحياه، البديل الذي كان يفكر فيه ويعمل على تحقيقه كان ظاهراً للعيان على المستوى الرسمي والشعبي، وهو النشاط والحركة التي تقوم بها قبيلته ذات الأصل النامبي (إي من ناميبيا) والتي يراودها حلم الزعامة والوصول إلى دفة الرئاسة بعد إقناع الرئيس في التنازل عن الحكم.
طبعاً كان من حقها أن تحكم وتعد نفسها للتغيير القادم والذي بدأت بوادره تتكشف لكل من يتابع الوضع السياسي والتململ داخل مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة والحزب الحاكم على مستوى الحركة الشعبية التي كانت أولى المبادرين لإشعال فتيل الغضب والخروج للشارع مطالبة بالتغيير وإنهاء حكم الرئيس موغابي.
التململ والحركة داخل القوات المسلحة ،كان واضحاً للمراقبين إلى الوضع السياسي والذين وصفوا الأمر ببداية إنقلاب عسكري لم تكتمل حلقاته بعد داخل الحزب الحاكم وكانت تدور المناقشات حول الأزمة والحراك الشعبي الذي لم يعد يضع إعتباراً لدور الحزب والاهتمام بسياساته التي لم تعد تلبي طموحات وتطلعات الشعب واخيراً وصل الأمر للإعداد وتقديم سحب صوت الثقة في الرئيس ومطالبته بالتنحي عن رئاسة الحزب وكرسي الحكم.
الرئيس موغابي شعر أن الأرض بدأت تميد تحت أقدامه وقرر تقديم إستقالته من داخل الحزب، وقد كان الرؤساء الأفارقة يتابعون بقلق شديد ما يجري في سيمبابوي وقرر البعض منهم وبعد التشاور التدخل لإنقاذ الرئيس موغابي من السقوط وتعزيز مكانته في الداخل والخارج.
تم إتصال بين رئيس جمهورية جنوب أفريقيا جاكوب زوما ورئيس أنقولا دوسانو واتفقا على التدخل والاتصال المباشر بموغابي كما قيل، لكن سبق السيف العذل. تحرك أيضاً السياسيون الذين اجبروا على الهجرة من سيمبابوي والإقامة في جنوب أفريقيا وفي مقدمتهم السياسي المخضرم ننسون ماننقوا الذي كان يحتل مركز نائب رئيس الحزب الحاكم وتم عزله بواسطة موغابي كذلك الحال بالنسبة للسياسي البارز شنقراي. لم يتأخر نينسون منقوا لحظة واحدة وسارع عائداً إلى هراري ووجد نفسه في قلب ومقدمة التظاهرة الجماهيرية الحاسمة في ميدان الرياضة الرئيسي حيث استقبلته الجماهير بحماس لم يسبق له مثيل من قبل وكان كل شئ معداً لإستقباله وتنصيبه رئيساً لجمهورية سيمبابوي بعد مضي 39 عاماً من حكم الدكتاتور موغابي.
السؤال الذي يطرح نفسه هو :ماذا بعد سقوط الرئيس موغابي وما هو المصير والمستقبل الذي ينتظر شعب سيمبابوي بعد الخراب والدمار المادي والمعنوي الذي تسبب فيه الرئيس موغابي وطاقمه في الحكم سوى من بين السياسيين أو غيرهم الذين جعلوا من سيمبابوي ضيعة وبقرة حلوب تلبي رغباتهم وتطلعاتهم المادية والمعنوية والتي لا علاقة لها بما يريده الشعب المتطلع لمستقبل زاهر وحياة حرة كريمة.
حسب علمي ومتابعتي لسير الأحداث لم يطرح خلال الحراك الشعبي والتظاهرات بما فيها التظاهرة الكبرى في ميدان الرياضة بالعاصمة والتي تم خلالها تنصيب مونانقوا رئيساً للجمهورية لم يطرح إي شعار ولم يرتفع صوت يطالب بتقديم موغابي للعدالة نتيجة للجرائم والمظالم التي تسبب فيها وارتكبها اثناء فترة حكمه.
ظاهرة إفلات الرؤساء الأفارقة وأعوانهم وسدنتهم وهروبهم من العقاب على ما إرتكبوه من تجاوزات وجرائم ليست بجديدة في أفريقيا. تجربة الحكم في جمهورية سيمبابوي قديمة خرجت من رحم تلك الأنظمة وتربت وكبرت في حضنها والحكام الأفارقة وأعدائهم في الداخل والخارج تمرسوا وتفننوا في الطرق والأساليب التي تتم بواستطها إطالة عمر الرئيس في الحكم بعد الفترة الزمنية المحددة دستورياً وقانونياً. عملية تغيير الدستور وصياغة القوانين الجديدة وتنظيم عملية الإستفتاء على الدستور أصبحت من أسهل العمليات التي تتم في الأنظمة الأفريقية والرئيس يبقى في الحكم حتى ولو كان غير قادراً صحياً على ممارسة مهامه التي حددها الدستور كما هو حادث اليوم في الجزائر بعد أصبح بوتفليقه غير قادر على قضاء الحاجة لوحده.
النهب والسرقة والفساد الأخلاقي والإداري أصبحت ظاهرة موجودة في معظم أقطار أفريقيا، جاكوب زوما رئيس جمهورية جنوب أفريقيا متزوج من 6نساء بنى لهن قصراً جمعهن فيه وله علاقات مالية وتجارية مشبوهة من اسرة قبتا ذات الاصول الهندية المستوطنة منذ سنين طويلة في جنوب أفريقيا، بناء على ذلك أصبح الرئيس زوما متهماً بالتصرف في أموال الدولة خارج الصلاحيات المنصوص عنها في الدستور والقوانين الخاصة برئيس الدولة وهو بوصفه رئيساً للجمهورية وكأحد المناضلين من قادة المؤتمر الوطني الافريقي أساء إلى سمعة الحزب الحاكم كما أساء إلى سمعته وتاريخه كمناضل، والإساءة الكبرى لحقت بالدولة التي يتولى رئاستها.
الرئيس اوبا سانقو الذي تولى قيادة الجيش ورئاسة جمهورية نيجريا سابقاً البي بي سي أجرت معه مقابلة ذكر خلالها انه يعول اسرة مكونة من 22 ابناً وبنتاً نال جميعهم تعليماً معتبراً إلا انه يرفض ذكر عدد زوجاته. والسؤال الذي يتبارد إلى الذهن هو من أين اتى بالمال اللازم لتلبية إحتياجات وتطلعات تلك الاسرة الكبيرة المميزة والتي نالت قدراً من التعليم العالي، يحدث ذلك في بلد يعاني اهله شظف العيش وعدم الإستقرار الإقتصادي والامني والسياسي والهجرة في الداخل والخارج بحثاً عن العمل وما يسد الرمق ويحفظ كرام الإنسان، تحدث اوبا سانقو في تلك المقابلة عن الإنجازات التي تحققت أثناء فترة حكمه وتوليه رئاسة الجمهورية إلا انه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الوضع المزري الذي يعيشه شعب نيجريا اليوم.
تكفي الإشارة إلى العبث والفوضى وغياب الامن وعدم الإستقرار الذي تحدثه جماعات بوكو حرام المتأسلمة والتي سيطرت على أجزاء كبيرة من نيجريا في الوقت نفسه عجزت القوات المسلحة والشرطة واجهزة الامن أن تضع حداً للجرائم التي ارتكبتها جماعة بوكو حرام التي أصبحت دوله داخل الدولة المركزية. الجنرالات المتقاعدين في معظم الدول الأفريقية لا هم لهم سوى المحافظة على ما تحصلوا عليه من أموال أثناء فترة العمل والخلود بعد ذلك إلى حياة الدعة والنعيم والرفاهية والبعض منهم إكتفى بما حصل عليه من ثروة والبعض الآخر ركب موجة الإنقلابات العسكرية بوصفها أسهل طرق للإستيلاء على السلطة والثروة والبعض منهم غامر ولقى حتفه واخرين لا زالوا سادرين في غيهم وحلمهم غير عابثين بالمصير الاسود الذي ينتظرهم.
الرئيس عمر البشير هو الآخر استولى على السلطة بواسطة إنقلاب عسكري دبرته الجبهة الإسلامية القومية التي تقودها جماعة الأخوان المسلمين والتي تزعمها حسن الترابي والذي غيبه الموت وحرمه من مشاهدة نهاية الفصل الأخير لحكم الإسلاميين في السودان والذي ما زال ممسكاً بدفة الحكم على مدى 28 عاماً اذاق خلالها الامرين من الذل والهوان وشظف العيش والأمراض الفتاكة والإنهيارات في كل مناحي الحياة، عاث هو واعوانه وسدنته فساداً في أرض السودان، سرقوا ونهبوا خيراتها وثرواتها وكلهم لم يكتفوا بما نالت ايديهم بل فرطوا في وحدة البلاد وقسموها كما قال الترابي إلى ساحات حرب وسلام. إنفصل الجنوب وبنى دولة مستقلة، والحرب في دارفور وكردفان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ما زالت أوارها مشتعلة، والبشير هو أحد القادة الأفارقة الذين ما زالوا على قيد الحياة والذين يحبون المال حباً جماً ويأكلون التراث لماً لما. الإعلامي البارز في قناة العربية تركي الدخيل أجرى حواراً في الخرطوم مع الرئيس البشير تناول فيه بعض القضايا المتعلقة بالنظام وإشكاليات الحكم في السودان، شمل الحوار كذلك الجانب الرسمي والشخصي والإجتماعي في حياة الرئيس. المعلوم أن البشير متزوج من امرأتين ولم ينجب أطفالاً وبالتالي لا يتحمل أعباء اسرة كبيرة كما هو حادث بالنسبة للرؤساء الأفارقة الذين ذكرت اسمائهم وتطرقنا إلى الأعباء التي يتحملونها، والدخيل وجه سؤالاً للبشير يتعلق بمصدر دخله المالي وأجاب الرئيس أن دخله الأساسي يأتي من المرتب المخصص له كرئيس للجمهورية وأضاف إلى ذلك انه يمتلك مزرعة تدر عليه دخلاً يومياً، وعلى القارئ أن يتخيل كمية الأموال التي تراكمت في حسابات البشير داخلياً وخارجياً ودونما إنقطاع طوال فترة حكمه.
فيما يتعلق بالتطور في جمهورية سيمبابوي أنها تعتبر جزء لا يتجزأ من عملية الحركة والتطور في بقية أنظمة الحكم للبلدان الأفريقية والتي ظلت طيلة تاريخها الطويل بعد إعلان الإستقلال بداية من العام 1960 عندما نالت معظم البلدان الأفريقية الإستقلال السياسي ووصف العام 1960 بعام أفريقيا ومنذ ذلك التاريخ ظلت تلك البلدان بما فيها سيمبابوي تدور في إطار الحلقة الشريرة المفرغة تحت عنوان الأنتخابات الدورية العامة المرتكزة على الديمقراطية المستوردة من الأنظمة الرأسمالية الغربية المهتمة والمسيطرة على عملية التطور في العالم والسؤال الذي طرح نفسه بإلحاح أمام كل أنظمة الحكم في بلدان العالم الثالث هو: ما هو السبيل للخروج من هذه الأزمة الخانقة التي عطلت عملية التطور في تلك البلدان وأوصلتها إلى طريق مسدود ولا أحد يعلم نهايته.
في اليوم الأول لشهر نوفمبر اعلن عن تكوين الحكومة الجديدة تحت رئاسة منناقوا والتي ضمت وزيرين من جنرلات الجيش أحدهما وزيراً للخارجية والثاني للزراعة وبقية الوزراء تم إختيارهم من الأعضاء المتنفذين في الحزب الحاكم (سانو بييف) جاءت ردود الفعل مخيبة لآمال وتطلعات الشعب الذي وصف النتيجة بالخيانة. والنتيجة حسب تقديري نزلت برداً وسلاماً على قلب الرئيس موغابي والذي يعتبر أكثر الرابحين بعد أن اعطى بصورة رسمية الضمانات والحصانة الكافية الخاصة بممتلكاته ومكانته الرفيعة في المجتمع وقد وصفت الكلمة التي القاها الرئيس الجديد و الذي أطفى حالة من التقدير والإحترام لشخص الرئيس السابق روبرت موغابي.
د.محمد مراد
براغ

تعليق واحد

  1. هلا وغلا يادكتور
    لاتوجد دولة في افريقيا اسمها سيمبابوي بل اسمها زيمبابوي
    والرئيس الحالي إيمرسون وليس سبسون
    ولعمك زيمبابوي بلد تملك بنية تحتية جيدة وثروة هائلة وشعب متعلم وقارئ جيد
    انها اجمل بلدان افريقيا ظعشت فيها وجمالها لازال في خاطري يوميا

  2. اول مرة اسمع انها اسمها سيمبابوي .. ولا غلطة مطبعية لا ادري.. بس في عنوان المقال وداخل المقال مكتوبة سيمبابوي

    Zimbabwe، دولة إفريقية، كانت تعرف باسم روديسيا الجنوبية

    مقال جميل

  3. هلا وغلا يادكتور
    لاتوجد دولة في افريقيا اسمها سيمبابوي بل اسمها زيمبابوي
    والرئيس الحالي إيمرسون وليس سبسون
    ولعمك زيمبابوي بلد تملك بنية تحتية جيدة وثروة هائلة وشعب متعلم وقارئ جيد
    انها اجمل بلدان افريقيا ظعشت فيها وجمالها لازال في خاطري يوميا

  4. اول مرة اسمع انها اسمها سيمبابوي .. ولا غلطة مطبعية لا ادري.. بس في عنوان المقال وداخل المقال مكتوبة سيمبابوي

    Zimbabwe، دولة إفريقية، كانت تعرف باسم روديسيا الجنوبية

    مقال جميل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..