الإرهاب بين الحقيقة و الوهم

الإرهاب بين الحقيقة و الوهم

رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]

إنتهت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي و الغربي, في بداية التسعينات الماضية , علي إثر إنهيار المعسكر الشرقي و نهاية عصر الأيديولوجيا الماركسية . في نفس الوقت حدثت صحوة إسلامية علي مستوي العالم الإسلامي, بل العالم أجمع. سببت هذه الصحوة إزعاج للغرب, و من ثم عمل هذا الغرب علي ملء الفراغ الآيديولوجي الذي نشأ عن إنهيار الشيوعية, وذلك عن طريق إبتداع ما سموه إرهاباً. و عمل الغرب علي تسخير آلته الإعلامية الضخمة, لمواجهة هذه الظاهرة التي إدعوها. لم تكتف الآلة الإعلامية الغربية بالتنبيه غلي خطورة هذه الظاهرة, بل عملت علي دمغ الشعوب الإسلامية بأنها, شعوب وحشية تتلذذ بالقتل و سفك الدماء. هكذا خيل لهم. منذ ستة سنين خلت, ذهبت إلي شركة أمريكية لمتابعة شأن ما. رآني ذلك الشاب الأمريكي, و كان جالساً في مكتبه و يطبع علي الكمبيوتر. إنتفض قائماً و قال لي ما معناه, هل أنت منزعج يا سيدي Worried ? . إبتسمت في وجهه و حييته و أفدته أني قدمت لمتابعة شأن ما و كفي. كان ذلك أيام حدوث المواجهات التي وقعت في الرياض. هذا نموذج لهذه العقلية التي لا تفهم و لا تعرف عن الإسلام و المسلمين شئي, بل تنظر إليهم و كأنهم أناس متخلفون و مصاصي دماء. هكذا قيل لهم! لكن كيف نرد علي هذه التهمة؟ هل نقول لهم الحقيقة و أن الإسلام, دين عدل و رحمة و سلام؟ أم نقول لهم أن هناك قلة من المسلمين, جانبت الصواب و ركبت رأسها و أعلنت الجهاد في وجه الكفر؟ أم نقف متفرجين علي ما يحدث, حتي تتمدد هذه الظاهرة و تتفاقم بحيث ينقسم العالم إلي دار السلم و دار الحرب و ندخل في مواجهة لا قبل لنا بها , كما حدث في أفغانستان و في العراق؟
منذ أيام, إستمعت إلي برنامج في قناة الجزيرة, يتحدث عن الإرهاب. جاء في تعريف الإرهاب, أن كل من يحمل سلاحاً, هو إرهابي , حتي و إن حمل عصا. ضحكت و قلت ماذا عن من يحمل عصا ليتوكأ عليها؟ هل يتعين عليه أن يحمل شهادة طبية تؤكد عجزه عن المشي و حاجته لحمل عصا , أم سيعاجله الآخر بطلق ناري ليزيد عجزه ؟ هذا غباء ما بعده غباء, أن يلجأ هؤلاء القوم إلي تحميل الأمر أكثر مما يحتمل.
أعلم أن للدعاية أثرها في تشكيل الرأي العام حول المسائل التي تهم الجمهور هنا و هناك. و حين تقترن هذه الدعاية بدعوي الإرهاب و سفك الدماء, فإن أثرها يكون أوقع في النفس, و خاصة لدي هؤلاء القوم الذين لا يعرفون ما هو الإسلام و ما هو المسلم. هذا يعيدنا إلي زمان مضي, حين وصف الأوربيون , شعوب المشرق التي إستعمروها بعد حين, بأنها شعوب تأكل لحوم البشر. كتبت الروايات و القصص عن أكلة لحوم البشر Man eaterو لكن إتضح لهم كذبها بعد حين . و في هذه الحياة لا يصح إلا الصحيح.
إن الإرهاب وهم إدعاه الغرب, و أخذ يتاجر به, مثلما تاجر بالخطر الشيوعي لنصف قرن من الزمان, حتي إنهارت الشيوعية و زال هذا الخطر المزعوم. و تحضرنا هنا الحملة التي قادها السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي و التي سميت بالمكارثية McCarthyism و التي إنتظمت الولايات المتحدة و ألهبت الرأي العام الأمريكي من أجل مواجهة الخطر الشيوعي. و غداة إنهيار الشيوعية, إحتفل الأمريكان بما سموه نصراً للفكر الليبرالي في مواجهة الفكر الماركسي. إذن لم يكن ذلك الصراع أكثر من صراع مصالح. بالتالي يتعين علينا أن نفهم الأمر في إطاره و لنسأل أنفسنا : هل سيعمل الغربيون علي محاربة المسلمين و الإسلام في ضوء مصالحهم الذاتية, متذرعين بهذه الدعاوي حتي ينتصروا علي عدوهم المزعوم؟ أن الله متم نوره و لو كره المشركون.
سيعمل الغربيون علي المتاجرة بما سموه إرهاباً و سيتخذون منه ذريعة للتدخل في شئون الآخرين و محاربتهم في أرزاقهم, مثلما هو حادث في بلادنا و في بلاد أخري, تم وصمها بأنها دول تدعم الإرهاب.
كيف نرد عليهم ليعلموا أننا خلاف ما يدعونه؟

الرياض / السعودية

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..