وثيقة الفجر ..بين الرفض والتكفير ,,

لا اعتقد ان هناك وثيقة شغلت الراي العام السوداني بمثلما شغلت به وثيقة الفجر الجديد والتي احدثت حراكا علي الصعيدين الاعلامي والسياسي جعل جزء من المعارضة يتبناها وآخرين يعتبرونها من بنات أفكارهم الا ان النصوص (الدخيلة) جعلتهم يعزفون عنها مع حق الاحتفاظ ببراءة الاختراع السياسي ..وآخرين وجدوا في الوثيقة مبتغاهم فشدوا الرحال (حاجين) للتوقيع عليها وحملة النظام الاعلامية تري في التوقيع علي الوثيقة كفر صريح يقتضي العقاب والمساءلة ..
وثائق عدة مشابة تبنتها المعارضة في السابق حملت في طياتها نصوص صريحة بإسقاط النظام والدعوة العلنية لفصل الدين عن الدولة فقد اشارت اتفاقية اسمرا للتجمع الوطني الموقعة بين الحركة الشعبية ساعتها والتجمع الوطني الذي يرأسه الميرغني آنذاك الي نص صريح قضي بقومية العاصمة فسر ساعتها علي انه فصل للدين عن الدولة والآلة الاعلامية جعلت من الموقعين علي الوثيقة في خانة الخارجين علي الملة ولكن تغير الظروف السياسية جعلهم في خانة ابناء الوطن البررة فأصبح قرنق بفضل السلام ملهما وزعيما ..وآب الميرغني الي حيرانه مرشدا ووليا من الصالحين ..
والوثيقة الحالية تحمل في طياتا نصوصا صريحة لايكتنفها الغموض ربما تجعل من الإطلاع عليها دافعا للرفض العميق وحتي المعارضة الداخلية رفعت يدها عنها دلالة علي ان نصوصها قد تسقط بهم في جب الواقع سبعين خريفا ..وقد يكون لتشابه الظروف والنصوص وماحوته وثائق سابقة اخري كازعماء المعارضة شهودا عليها إستحالة تطبيقها في واقع شبيه لواقعنا ينظر لبعض النصوص بشئ من التسليم المطلق والعقيدة الراسخة التي لاتقبل الفصل ولا الحديث عنها والتطرق الصريح لها كمدخل للأصلاح السياسي يترتب عليه الحكم اللحظي بالسقوط والرفض ..
علي اني اجد في التكرار فرصة للتأكيد فوثائق اخري قد حملت في طياتها بنودا تصلح للإصلاح السياسي وتحمل صبغة واقعية لأساس الحكم ولكن تمترس واقعنا بمعتقداته أجهض الجهود ونسفها فالتكتل الشعبي الذي يستمد طاقته من الإعلام المضاد وتوظيفه بصبغة الدين جعل كل صاحب مبادرة وساعي للإصلاح يدمغ بأوصاف ونعوتا شتي قد يكون أيسرها العمالة واعظمها الكفر البواح ..
والآن يتكرر الماضي ولكن بشئ من التحديث العصري فلم تعد التعبئة الإعلامية تكفي في المناهضة فقد توسع ماعون الإعلام أضف الي ذلك الظروف المحيطة بواقعنا والتي اضحت لاعبا أساسيا يجعل من الرفض الحكومي للوثيقة ضعيفا أمام المجتمع الدولي في ظل توحد المعارضة خلف مطالبها ..ولكن إنقسام المعارضة بشأنها ورفض الأحزاب الكبري لها بالتبرؤ والخذلان قد يعطي الحكومة دافعا في فرض المساءلة والعقاب ..
بعض الموقعين في ظل رفض الكبار ربما يسعي لتسجيل موقف أو العودة الظافرة بأتفاقية ومنصب وغنيمة ..فأحداث واقعنا المتكررة جعلتنا نرجم بغيب سياستنا العرجاء .. يقيني أن الحكومة قد جعلتها الوثيقة أكثر قوة وثباتا خصوصا وان المعارضة الداخلية قد أضحت في مركب واحد معها ..مهما أختلفت الظروف والدوافع ..فالتبرؤ الصريح من جانب المعارضة لتلك الوثيقة جعل من المعارضة تزهد في ذلك الخيار الي البحث عن دوافع أخري بديلة لإسقاط النظام تضع في أعتبارها رضا الشعب أولا والحفاظ علي المرتكزات الثابتة له والتي تجعل فرصه في حلبة المنافسة السياسية قائمة بعيدا عن تأييد الوثيقة والبصم عليها ….