
أصلا اصلا واحتفالها به اليوم ليس شيئا جديدا..
منذ أن تفتحت اعيننا على سماء “الكباجاب” الصافية وجدنا الناس “المرتاحة” تذهب للاحتفال في النوادي المنتشرة في مدينة الخرطوم ،السوري، الالماني، الارمني الخ..فيحجز رب الأسرة ترابيزة او ترابيزتين مع العشاء الفاخر وتقضي الاسرة ليلتها في انس وبهجة ، اما نحن، غمار الناس، فكنا نحتفل في السينمات والمسارح في ليالي ساهرة يحييها كبار الفنانين وقتها وردي او زيدان او عثمان حسين الخ الخ وحين نخرج في آخر الليل كنا نغشى أبو العباس في الخرطوم او احمد سعد في ام درمان ونلتهم ساندوتشات الفول بسعادة..ثم أتى على الناس حين من الدهر سطا على بلادهم أناس غلاظ القلوب بلحى طويلة وعلامات صلاة يصكونها على جباههم في سوق ام درمان ، وكان أن أدخلت هذه الشرزمة كل الشعب الى الجامع بينما دخلت هي الى السوق وقضت ثلاثين عاما حسوما وهي تسرق وتنهب..وحدث أن جاءت ثورة ديسمبر حيث اكتشف السودانيون فجأة انهم يحبون بعضهم بعضا..حدث هذا الاكتشاف المذهل للمحبة في ميدان القيادة العامة ، كان المسيحيون يحرسون المسلمين حين يؤدون صلواتهم ويقدمون لهم الطعام والشراب بعد يوم طويل من الصيام في نهارات رمضان وكانت الكنائس تفتح ابوابها لتأوي الثوار الهاربين من بطش الجلاوزة في المواكب الرهيبة..اكتشف السودانيون المحبة وبعدها مباشرة طردوا تجار الدين من الاسواق وادخلوهم الى كوبر وسجن الهدى وشالا وبورتسودان واغلقوا عليهم ابواب السجون وأحكموا اغلاقها.
اليوم يحتفل الشعب بالكريسماس ، ليس فقط ردا لجميل طوق به أقباط السودان اعناق كل الشعب السوداني ابان ثورة ديسمبر واعتصامها المهيب انما أيضا استعادة لجزء أصيل من حياته سرقه منه -في غفلة من الزمن – أشخاص لا يعرف حتى الآن من أين أتوا.
**الكباجاب حي من أحياء امدرمان القديمة
محمود ميسرة سراج