أخبار السودان

مواطنون: لا نهتم بمراجعة فترة الصلاحية لثقتنا في الصيادلة .. مواطن: تعرضت لحالة إغماء بسبب دواء منتهي الصلاحية

اقتصادي: يجب اتخاذ إجراءات صارمة في جرائم الغش انتصاراً للمستهلك

قانوني يلفت الانتباه إلى خطورة الوضع ويحذِّر

د.المنصوري: إعطاء دواء منتهي الصلاحية يشكل خطرًا على حياة الإنسان

مصادر طبية: صيادلة يروجون أدوية ومستحضرات منتهية الصلاحية

تحقيق: إنتصار فضل الله

عزيزي القارئ.. هل حدث أن تناولت دواء منتهي الصلاحية، وقمت بشرائه بحر مالك، وكاد أن يودي بحياتك.. إذا لم تكن قد خضت التجربة سأروي لك هذه الواقعة.. في يوم الأربعاء الموافق الرابع من الشهر الماضي.. قصدت مبنى صيدلية كبيرة جداً ومشهورة تقع بالسوق العربي، وكانت برفقتي إحدى الزميلات في المجال، وقمت بشراء دواء حبوب اسمها (فيروتارد اس ار 150 ملجم) بقيمة (23)جنيهاً، يحتوي الصندوق على ثلاثة شرائط كل شريط يحوي عشر (حبات)، وهي عبارة عن وصفة كتبها لي الطبيب لعلاج انخفاض الدم الذي أصابني، على أن أتناول ثلاث حبات في اليوم (صباح ـ ظهر ـ مساء)، لفت انتباهي أن سعر الدواء منخفض خاصة وأني سبق واشتريته بقيمة (35) جنيهاً للصندوق، فسألت الصيدلي هل أسعار الدواء انخفضت؟ لكنه لم يرد عليّ (ولا بحرف واحد) فاستغربت السعر وأخذت العلاج وخرجت .

تسمم دوائي

فور وصولي المنزل تناولت حبة واحدة، وكانت الساعة تشير إلى الرابعة عصراً، وبعد مضي نصف ساعة شعرت بحمى وازداد الصداع الذي كنت أعاني منه، وفي المساء انتابتني تقلصات بـ(البطن) فظننت أن الأعراض ناتجة من تأثير الدواء وقوة فاعليته، وقبل النوم تناولت الحبة الثانية فشعرت بدوار شديد لدرجة أني فقدت التوازن، ولاستقرار الحالة تناولت عصير ليمون وخلدت للنوم، في اليوم الثاني انتابتني حالة غريبة وكأن هناك سماً يسري في دمي، فأوقفت العلاج وبدأت في تناول العصائر والمشروبات الساخنة و(البليلة العدسية)، وفي المساء قررت مراجعة تاريخ صلاحية الدواء، وكانت المفاجأة بأنه منتهي الصلاحية منذ الثلاثين من أغسطس الماضي، فأدركت أن سبب حالتي كانت الدواء الفاسد الذي كاد أن يؤدي بحياتي .

خطوة أولى

بعد التدقيق في العبوة والتأكد من تاريخ الإنتاج والانتهاء.. حملتها وتوجهت بها إلى أقرب صيدلية بالحي الذي أسكنه بأبو سعد بأمدرمان، فأكد لي بأن الدواء فاسد، عندها اتصلت بدكتور( ياسر ميرغني) مدير إدارة الأدوية بالجمعية السودانية لحماية المستهلك لكنه لم يرد على الاتصال، فأجريت اتصالاً آخر بـ(د. المنصوري عز الدين منصور) مدير الإدارة القانونية بالجمعية، وعندما أجاب سألته عن مراجعتهم للصيدليات الواقعة بالخرطوم والآلية المتبعة للتأكد من صلاحية الأدوية، ثم أخبرته بالقصة كاملة فطلب مني إعادة الاتصال بدكتور (ياسر) للتأكد من أن الدواء منتهي الصلاحية فعلاً، وأخبرني بأن ذلك سيتم من خلال خبراء في الصيدلة والأدوية والسموم ، اتصلت على د. ياسر مرة أخرى وكان الهاتف مغلقاً، الهدف من الرجوع إلى الجمعية لاتخاذ التدابير اللازمة التي تحمي المواطن من الغش التجاري في الدواء وتلاعب الصيادلة بالأرواح، واتضح لي من خلال تجربتي أن عدداً كبيراً من المواطنين اشتروا الموت بحر مالهم حتى وإن كان سعره زهيداً.

خطوة ثانية

وفقاً لذلك قررت إجراء تحقيق عن الأدوية منتهية الصلاحية، بداية التقيت عدداً من المواطنين أمام صيدليات مختلفة وهي (كمبال ـ الواحة) بالخرطوم، وصيدلية (محمد سعيد ـ وعيش الريف) بأبوسعد، وصيدلية (المودة) بسوق أمدرمان كنماذج فقط، هذه الصيدليات تم اختيارها بشكل عشوائي بحكم موقعها المميز والقريب من مكان عملي وأخرى من مكان سكني، فأكد بعضهم بأنهم لا يدققون في فترة تاريخ الصلاحية والانتهاء، وإنما يأخذون الأدوية ويذهبون لثقتهم في الصيادلة الذين يقفون على بيع الأدوية والذين بالتأكيد يعملون وفقاً لإنسانيتهم والقوانين التي تحكمهم.

غير أن المواطن (أحمد حماد) يقوم بمراجعة التواريخ ودولة المنشأ، لمعرفة مدى فاعلية الدواء في علاج المرض، كما أنه يتأكد حتى من صلاحية مستحضرات التجميل التي تباع بالصيدليات، ووصف الدواء منتهي الصلاحية بـ(المغشوش) واعتبره جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون بالإعدام .

عدم اهتمام

ومن أمام مدخل صيدلية (كمبال) وقف العم (طارق سيد الأمين ) يراجع مجموعة العلاجات التي اشتراها من الصيدلية، ثم جلس على (عتبة) الفرندة التي تقع فيها مباني الصيدلية، وبدأ يحسب المبلغ الذي تبقى له، فاتجهت إليه وسالته عن نوعية الأدوية التي يحملها فأخبرني بانها (حبوب) لعلاج التهاب (المعدة) والصداع النصفي، وطرحت عليه سؤالاً متعلقاً بمدى اهتمامه بمراجعة فترة صلاحية الدواء، فقال فترة الصلاحية من انتهائها لا تعني له شيئاً طالما أن الدواء يعالج المرض الذي أصابه، وأشار إلى أن ابنته في المنزل وهي طالبة مختبرات طبية بجامعة الخرطوم تهتم بذلك ودائماً ما تراجع له أدويته، فيما أكدت المواطنة (انتصار يوسف) مشرفة تربوية بمحلية أمدرمان أنها تقوم بشراء الدواء من الصيدليات التي تثق في فاعلية أدويتها، وأبدت استغرابها لوجود أدوية في الأرفف فاسدة وتباع بكل هدوء للمرضى والمواطن العادي.

المراجعة ضرورية

في السياق حكى لي المواطن (سالم أمين) وهو أستاذ جامعي، كيف تعرض لحالة إغماء قبل عام تقريباً، إثر تناوله أدوية (ضغط دم) منتهية الصلاحية قام بشرائها من صيدلية معروفة وتقع في قلب أم درمان، وأنه عندما راجعهم أنكروا وجود الدواء في صيدليتهم ووصفوه بـ(الكذاب) كما قاموا بتهديده، وأضاف أنه كاد أن يقاضيهم لكن ابنه منعه عن القيام بذلك و(الحمد لله) على أنه ما زال على قيد الحياة، يقول: (الطب عندنا أصبح تجارياً) أكثر من أنه إنساني، وفي الوقت الذي ازداد فيه عدد المتلاعبين في الدواء، وأصبح السوق يستقبل الأدوية المهربة وغيرها دون رادع، فإن الجهات المختصة تغط في نوم عميق وتظهر بين فترة وأخرى في وسائل الإعلام المختلفة لتعلن عن خطط وأشياء وصفها بـ(الوهمية) ولا تصب في جانب حماية المستهلك ، ودعا لضرورة مراجعة الصيدليات كافة والتأكد من نوعية الدواء الذي يباع فيها.

ترويج مقنن

الاعتقاد بأن أرفف الصيدليات خالية من العلاجات الفاسدة تهزمه الحقائق، فقد أفادت بعض المصادر العاملة في الحقل الطبي بأن(60%) من العاملين في قطاع الصيدلة وشركات الدواء يروجون من وقت لآخر أدوية ومستحضرات تجميل منتهية الصلاحية، وفي بعض الأحيان تكاد فترة صلاحيتها تنتهي بعد خمسة عشر يوماً، فيسعون جاهدين للتخلص منها مستغلين عدم اهتمام المرضى والمواطن العادي بالتدقيق لمعرفة تاريخ الإنتاج والانتهاء، وتأكيداً لما ذكر، كانت قد نفذت مباحث حماية المستهلك وإدارة الصيدلة والسموم بولاية الخرطوم، حملات سابقة أسفرت عن ضبط (5) أطنان من الأدوية ومستحضرات التجميل المخالفة لقانون الصيدلة والسموم، بجانب أدوية في منشأة صيدلانية تم العثور عليها أثناء تفقد الصيدليات غير المرخصة، بالإضافة لـ(5) أطنان أخرى من مستحضرات التجميل غير مستوفية الشروط والمواصفات، كما تم الكشف عن ثلاث صيدليات بمنطقة أمدرمان المهندسين وأبو سعد والثورة غير مرخصة ومصدق بها من قبل السلطات المختصة وتم اتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتهم.

تحفظ إلى حين

وكان الأمين العام للصندوق القومي للإمدادات الطبية د.(جمال خلف الله) قد أقر في تصريحات صحفية مؤخراً، بوجود أدوية منتهية الصلاحية بعدد من مخازن الصندوق، وقال إن المهم في الأمر ألا يصرف دواء منتهي الصلاحية لمؤسسة أو لفرد، ووصف وجود أدوية منتهية الصلاحية في صيدلية أو مخزن بالأمر الطبيعي، لأن للأدوية تاريخ صلاحية، وإذا تجاوزته تحفظ لحين التخلص منها، وفقاً لضوابط وإجراءات معروفة صادرة من منظمة الصحة العالمية.

وذهبت تأكيدات عدد من الصيادلة الذين التقيتهم في ذات الاتجاه حيث أنهم انتقدوا عملية التخلص من الدواء المنتهي الصلاحية عن طريق صرفه للمواطن العادي والبسيط، وتوقعوا ارتفاع نسبة حالات الوفاة وأمراض الفشل الكلوي طالما أن هناك صيادلة يتاجرون بأرواح الناس، وطالبوا بضرورة وضع ضوابط أكثر فاعلية، وأن تنفذ الجهات المختصة حملاتها بشفافية دون محاباة، فيما أشار أصحاب شركات الأدوية إلى وجود فوضى في السوق تقودها مافيا من تجار وبعض الأفراد لا علاقة لهم بالطب وصناعة الدواء، وإنما وجدوا السوق مفتوحاً فدخلوه من أوسع الأبواب .

مردود سيئ

ويرى بعض من العاملين في الصيدليات ان الأدوية منتهية الصلاحية لا تؤذي الصحة لأن هناك فترة سماح معروفة ـ فيما يفيد البعض الآخر بأن الأدوية المنتهية الصلاحية تحدث بها تفاعلات كيميائية وعضوية من الممكن أن تحولها إلى سموم قاتلة في الحال، أو سموم تقتل ببطء مع كل جرعة دوائية، وبحسب د. صيدلي (خالد محمد علي) أن فاعلية أي دواء تنتهي بانتهاء فترة صلاحيته، وهي نهاية آخر يوم مكتوب في العبوة، بالتالي لا يجوز صرفه لأي مريض، مشير إلى أن الدواء لا يخضع لوجود فترة سماح بشكل نهائي، وبالتالي فإن هناك ادوية تسبب آثاراً جانبية مثل الحساسية في حال انتهاء مدتها، مما يستدعي الحذر من مافيا الدواء المغشوش، وانطلاقاً من مفردة الغش التي ذكرها د.(خالد)، اعتبر د. (كمال جابر) الخبير الاقتصادي أن الغش في الدواء من أخطر الجرائم التي تعرض صحة الإنسان وروحه للخطر، وينعكس أثره سلباً بصورة مباشرة على قدرة المريض على العمل بعد ذلك، مما يلقي بظلاله السيئة على الاقتصاد القومي ويستوجب اتخاذ إجراءات صارمة في جرائم غش الدواء تحقيقاً للعدالة وانتصاراً للمستهلك.

وحول مخاطر تناول دواء منتهي الصلاحية يقول د.(سليمان عبد العزيز) إنه يتسبب في مضاعفة المرض الذي تتم معالجته بسبب انعدام المادة الفعالة، وينتهي بالإصابة بالسرطانات والفشل الكلوي، خاصة وأن التخلص من نواتج تفاعلات الأدوية يتم عبر الكلى.

حملات مستمرة

بعد الانتهاء من الجولة الميدانية، واستعراض آراء المختصين، رجعت مرة أخرى لـ(د. المنصوري) مدير الإدارة القانونية لجمعية حماية المستهلك لمعرفة الوضع القانوني للأدوية منتهية الصلاحية، أخبرني بأنه واستناداً لما ذكرته له آنفاً اتخذ بعض الخطوات حيث قابل مولانا (ماجدة) في نيابة حماية المستهلك والعقيد جمال مسؤول شرطة حماية المستهلك، وأخبرهم بشكل ودي ولفت الانتباه إلى أن هناك صيدليات تبيع للمواطنين أدوية منتهية الصلاحية، وطالبهم بعمل فرز للأدوية المنتهية، فبدأت الجهات المعنية بحملات لعدد من المحلات والمراكز العلاجية وتم إغلاق 17 مركزاً ومحلاً بمنطقة السوق العربي خلال الأيام الماضية، وتم والقبض على أصحابها لمخالفات وتجاوزات قانونية وصحية والمتاجرة في أدوية مغشوشة، وسوف تتواصل الحملات لتشمل الصيدليات كافة.

مواد وأحكام

وطبقاً لقانون الأدوية والسموم لسنة (2009م) تنص المادة (6) الفقرة (1) على تسجيل الدواء بمواصفاته المختلفة، والمتمثلة في ديباجة تحدد مكونات الدواء ومواصفاته وتاريخ الصلاحية والانتهاء، وحسب د. (المنصوري) فإن المادة (37) من نفس القانون تتحدث عن الدواء المغشوش وهي تعتبر بيع أي دواء أو مستحضر صيدلاني أو طبي أو تجميل مغشوش، ولا يحمل لمواد فاعلة فإن صاحبه ارتكب مخلفة قانونية وجرماً يعاقب عليه القانون بالسجن (10) سنوات ، فيما تنص الفقرة (1 ) والفقرة (2) من المادة (38) على أن أي دواء غير مطابق للمواصفات أو لم يستوف شروط المواصفة يعتبر مخالفة وعقوبة ذلك السجن (10) سنوات مع الغرامة، ويشير إلى المادة (74) من القانون الجنائي لسنة 1991م المعدل 2005م والتي تنص على أن الإهمال الذي يسبب خطراً على الحياة أو ضرراً للجمهور، فمن يرتكب إهمالاً فعلاً يعرض حياة الناس للخطر، أو يحتمل تسبيب أذى أو ضرر لأي شخص أو مال، أو يمتنع عن اتخاذ التدابير اللازمة في وقاية الآخرين من خطر أي إنسان أو حيوان أو أي مواد تحت رقابة أو في حيازته يعرض للسجن (6) شهور أو الغرامة أو العقوبتين معاً.

عقوبات وغرامات

ويواصل (المنصوري) موضحاً أن إعطاء دواء منتهي الصلاحية يشكل خطرًا على حياة الإنسان وماله يقع تحت طائلة المادة (84) (الأطعمة والأشربة والأدوية) وهي تقول: من يغش في دواء أو مستحضر طبي بطريقة تقلل من تأثيره أو تجعله ضاراً بالصحة، أو قاصداً بيعه باعتباره سليماً ـو يقدم أو يعرض أي دواء بتلك الصفة بسوء قصد يسجن سنتين أو الغرامة أو بالعقوبتين معا ، وتشير الفقرة (2) من المادة 84 ان من يقوم بسوء قصد للعرض أو الصرف لأي دواء أو مستحضر طبي يغاير الصنف المطلوب أو انتهت مدة صلاحيته يسجن لعام أو الغرامة أو العقوبتين معاً، أما الفقرة (د) أكل أموال الناس بالباطل) من المادة (4) من قانون (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لعام (1983م)، فهي تقول: كل من يعطي دواء ويعلم أنه مغشوش يعتبر من ضمن آكلي أموال الناس بالباطل، وتشير الفقرة (هـ) من من نفس القانون إلى أن بيع دواء مغشوش يعتبر استهانة بالمواطن المستهلك في الشارع العام.
الصيحة.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..