الادارة بالفقر وفقر الساسة

الإدارة بالفقر وفقر الساسة..
يقولون: الفقر في الأُذنِ وَقَر، وفي الكَبِد عَقَر، وفي القلب نَقَر، وفي الجَوْف بَقَر…
عجِبَتْ وهي تحملُ اللاَّشيء على ظهرها لأولادها الذين عجزت أرواحهم عن الحُلم برغيف خبزٍ حاف، بعد أن خافت من بَعْلِها نشوزاً، رغم ما فيه من عنّة وفاقة وعجز عن إقامة أَوْد أولاده.
تلك حال بلادي وذاك حال ساستها ومثقفيها، الدولة تموت وتتفتت تحت وطأة الفقر والذُل والجهل والعُهر الخُلقي، والساسة والمثقفون يتحدثون عن تشكيل حكومة قادمة، تنهض بالبلاد وتحرر العباد، ونفس الوجوه تراهم ضيوفاً صفوفاً في حفلات الاستقبال الصاخبة التي يقيمها دهاقنة المال، تلك الحفلات التي لم تخلو منها وجوه الكوميديانات والفنانين والشعراء الذين انتهكوا طُهرانية الفن فأصبحوا يمتصون دماء الضحية وأموال الجلاد في آن.
هذا الوضع المتردي، وفَّر ساحة نضال متهالكة تفتقر تماماً لروح المنازلة والرجولة، فالمعركة أصبحت لا تتطلب أي غنى فكري ولا خبرات تراكمية، وفرص الكسب أضحت متساوية تماماً بين القوي والضعيف، وشبح الفقر يسيطر على الكافة، هذا الوضع المزري أنتج حالة من النرجسية الجهلاء التي انسربت مع كل أسف إلى العامة.
هذه النرجسية والسطحية في التفكير التي تُوهم بأن قضايا الوطن الكبرى يمكن حلها بمقال (مدبج) من مثقف (مُفَوَّه)، أو عبر حورات إسفيرية يتراشق فيها (الكُتَّاب) ذوي الخلفيات الفكرية المختلفة دون اعتبار لحاضر الناس وأوجاعهم ومعاناتهم، وكأنما التغيير ستحدثه تلك (الأيادي الخفية) التي لا تظهر إلا (بغتةً) في فترات التغيير السياسي، ثم يأتي من بعد ذلك دور ذوي الياقات البيضاء لوضع أسس المرحلة الجديدة.
نحن في حاجة لمشروع ثقافي شامل متكامل (مبسط)، يتضمن توضيح وضبط المفاهيم والتصورات الأساسية التي تقوم عليها أسس بناء الدولة الحديثة المرتقبة (الدستور، ونظم الحكم، ومفاهيم العقد الاجتماعي، والديمقراطية وأنواع البرلمانات ومميزاتها، والفرق بين الجالس البلدية الخدمية والمجالس التشريعية وما إلى ذلك)، يساهم في وضعه نُخبة من كبار (التكنوقراط)، يتم نشره عن طريق الوسائط الاجتماعية، جنباً إلى جنب مع (نكات المساطيل) التي نخرت أدمغة العامة، علها تصلح ما أفسده الدهر، لخلق انسان قادر على ممارسة حقوقه واختياراته بوعي.
كل تغيير سياسي لا تسبقه نهضة فكرية ومفاهيمية يشترك فيها الكافة، فإن مصيره الفشل. لأن أي رؤية مستقبلية لا تقوم بدون سند ثقافي يحملها، ومن هنا تنشأ أهمية إشراك العامة في مشاريع التغيير الكبرى، فكلما سمت الأفكار المؤسِسِة للتغيير كلما ساعد ذلك في تخفيف الآثار المصاحبة لعملية التغيير وانتاج ما يمكن أن يسمى عقلية ثورية واعية.
مازال بعض المشايخ (من شيخوخة) يحرمون الديمقراطية وكافة أشكال الدولة الحديثة، عن جهل حيناً وعن خبث ومكر ودهاء أحايين كُثر، ومثل هذه العقليات بالتضامن مع الادارة بالفقر الذين يسوقون الناس سَوْق الشياه.
العقل والمعرفة أساس الحياة السعيدة.



