مقالات وآراء

هل يرث دواعش البراء بن مالك السودان؟

 

صلاح شعيب

كل ما يجري في السودان اليوم هو من صنيع قادة الحركة الإسلامية الذين تقع عليهم مسؤولية كبرى في تحمل الانتهاكات المنسوبة لطرفي القتال. أي تحليل خلاف هذا لا يحقق توصيفاً دقيقاً للأزمة السودانية التي تفاقمت منذ عام 1989. البلد الآن تدفع الثمن الباهظ لمغامرات الإسلاميين البراغماتية للاستيلاء على السلطة منذ استهلال تنظيمهم العمل السياسي في الخمسينات. وتمثل حادثة استغلال معهد المعلمين في الستينات البذرة الأولى لعدم التعافي السياسي، وهي المرجعية التي من خلالها وطن الإسلام السياسي نفسه بدعم من جهات حزبية مدنية استجاب قادتها للمزايدة، والابتزاز، والإرهاب. وكان تبني الدستور الإسلامي بوصفه هادياً لمسار الدولة قد شكل البذرة الأولى التي عمقت الصراع مع الجنوبيين، وقسم من التيارات السياسية الشمالية.
تلك الفتنة هي التي ضيعت إمكانية نهوض السودان، وأفرزت تفاصيل سياسية استهلكت طاقة النخبة السياسية من بداية الاستقلال حتى يوم الناس هذا. ومن الناحية الثانية عمقت التشظي في نسيج المجتمع فانتهينا إلى أمة يصبح فيها ذبح الإنسان مدخلاً لعودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى.
إن الحرب الحالية لم تكن وليدة اللحظة، فقد سبقتها
أسباب عديدة قبل حكم الحركة الإسلاموية عبر ما سمته الإنقاذ الوطني. ولكن بظهورها في المشهد السياسي عمقت الصراعات السياسية، وأوصلتها إلى قمة تعقيداتها البالغة في السوء. وبرغم سقوط حكم الإنقاذ إلا أن سدنته استداروا على الواقع السياسي بمكر كبير، ووظفوا وجودهم داخل القوات النظامية، والخدمة المدنية ليحاصروا المسعي الثوري الذي ترافق مع ثورة ديسمبر.
غالب النخبة المناوئة للإسلام السياسي لم يحسنوا الموقف ضد خطورة الإسلاميين أثناء حكمهم، وفي واقع ما بعد الثورة. ذلك بوصف أن الإسلام السياسي يعد مهددا أساسياً لوحدة السودان، ولا وجود له متى ما سيطر مرة ثانية على الحكم. فتارة كانت تستجيب هذه النخبة للترهيب الذي بلغ مداه أثناء سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم لثلاثة عقود، وتارة أخرى تستجيب للترغيب عبر عطايا سلطوية. وحتى بعد نجاح ثورة ديسمبر تساهلت حكومة الفترة الانتقالية في التعامل الجاد مع التركة المثقلة التي خلفتها تجربة المشروع الحضاري في إفساد الأوضاع السياسية. فهي كانت قبل مجيء الإسلاميين تتمحور حول قضايا محدودة ليس من بينها أي نوايا مؤسسة لانفصال الجنوب الذي مورس ضده الجهاد. كما ان الأوضاع السائدة انذاك لم تشهد حروب مناطق النزاع، ووجود مليشيات موازية للقوات المسلحة، وافتقاد البلاد للملايين من الكوادر المؤهلة في هجرتها للخارج، وتسييس الخدمة الوطنية المدنية والعسكرية، وتصاعد معدلات الفساد، وارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المواطنين، والعزلة عن المجتمع الدولي، وتصعب فرص الإصلاح الحكومي.
الآن خلق الإسلاميون هذه الحرب لتعيد سيطرتهم على الدولة، والقضاء على أحلام ثورة ديسمبر، والانتقام ضد الشعب السوداني الذي أزاحهم عن السلطة. وما استثمار الإسلامويين للغش السياسي، وتوظيف مال الدولة المسروق غير المحدود، في هذا الحرب، سوى المفاضلة بين نهاية تامة لحقبتهم السياسية في أرض السودان وبين مقاومة أي مسعى ثوري لإعادة الأمور إلى نصابها، ومن ثم يمكن البناء على زخم الحلم التاريخي للسودانيين ببناء دولة مدنية تتأسس على الديمقراطية والعدالة والسلام.
وقد أدرك الإسلاميون أن الخطوات المبذولة إبان الفترة الانتقالية ستجردهم من الكسب غير المشروع الذي حققوه في دولتهم الاستبدادية، ولذلك فضلوا استثمار طاقاتهم الشريرة لقطع الطريق أمام ذلك الحلم السوداني حتى لو قضت الحرب التي اشعلوها على وحدة البلاد.
إننا نخشى، في ظل بروز التيارات الداعشية المساندة للجيش في حربه ضد الدعم السريع، أن ينتهي السودان إلى بؤرة جديدة لنسخ متطرفة من الإسلام السياسي. وقد شاهدنا أثناء هذه الحرب كيف أن تنظيم البراء بن مالك قد أعادنا إلى تذكر سنوات قليلة كانت فيها داعش قد أقلقت إقليم الشرق الأوسط، وهددت مستقبل الدول التي ازدهر فيها حتى تم دحرها.
لا اعتقد أن هناك فرقاً جوهرياً بين الممارسة الداعشية للإسلام السياسي أثناء سيطرة المؤتمر الوطني على الدولة وممارسات البراء بن مالك طوال زمن هذه الحرب. ففي فترة حكم الترابي والبشير كان قتل المعارضين، وتعذيبهم، واغتصاب الرجال والنساء، وجلدهم، وقمع الحريات، عوامل مفتاحية استندوا عليها لتجذير الاستبداد الإسلاموي. والآن يبني البراءوون على  ذلك التطرف الدموي كخطوة لترهيب السودانيين حتى يتسنى لهم الخضوع لشروطهم في إقامة دولة دينية جديدة أكثر بطشاً من السابقة إذا ما انتصروا في هذه الحرب.
النخبة السودانية المستنيرة الآن أمام تحدٍ حقيقي لبقاء السودان حراً وموحداً، أو أن تسهم الحركة الإسلامية بأجنحتها الداعشية للسيطرة عليه، وذبح كل من قال “تسقط بس”. وتلك خطوة مؤجلة لا تستثني هؤلاء الذين يدعمون استمرار الحرب بتلك الافتراضات الموهومة. ولذلك فإن وحدة المدنيين الديمقراطيين لتشكيل رأي عام صلب لإيقاف الحرب تمثل الهزيمة المؤكدة لتحول السودان إلى مرتع خصب للدواعش، ومتطرفي الإسلام السياسي.

‫5 تعليقات

  1. استطاع قادة المؤتمر الوطني والحركه الاسلاميه الحفاظ علي أمن البلاد والعباد طيلة 30 عاما عبر كوادرهم النشطه والذين كانوا يتمتعون بالخبره الكافيه والحنكه السياسيه لإدارة شؤن البلاد والعباد
    واستطاعوا الصمود في مواجهة التحديات الداخليه والخارجية للحفاظ علي أمن المواطنين ووحدة البلاد
    وسوف يكون لهم دور سياسي كبير في مقبل الايام القليلة القادمة بعد نهاية الجنجويد والذين هم في الرمق الاخير
    وكتيبة البراء هي احدي اجنحة الحركة الإسلامية وتعتبر هي النواة الأولى لظهورها في ثوبها الجديد

    1. الحفاظ على أمن البلاد والعباد من منو يا كيمو الشايقي؟ عندما نقرأ المحافظة على أمن البلاد والعبادد، فهذا يعني في عُرف الدول هي المحافظة عليهما من عدو خارج الحدود، فهل نسيت حلايب والفشقة القلعوهم الجيران؟ ياخي لا تطلق القول على عواهنه وخليك موضوعي في الطرح.

  2. السؤال ياشيخنااا مفروض يكون هل ترث المليشة السودان ويكون ملك ليها لو انتصرت علي الجيش ؟والسؤال برضو بيكون وين يمشي الشعب السوداني هل سوف يظل مهاجر طول عمروا وهل الشعب السوداني لو انتصرت المليشة علي الجيش وعملت حكومة هل سوف يقبل ويرجع شعب السودان من المهجر للسودان ولي سوف يظل مهاجر نحن لازم نسأل نفسنا هذا السؤال المهم لانو مافي اجابة عليه اكيده مع القحاتة لكن برضو نحن نري انو كلما دخلت المليشة قرية الناس بتسرع وتطلع اما حكاية ترث البراء بن مالك السودان دا الاجابة ساهلة عليه واكيد ومن حقها لانها حاربت وانتصرت ومن يحارب من اجل شئ وينتصر يبقي ملك له ويتحكم فيه كما يري كما كان هايحصل لمليشة بالظبط لو انتصرت ولي ماكدا وشعب السودان يقبل ان يعيش في ظل حكومة البراء بن مالك مطمئن سعيد وليس من حقهم الرفض لانهم لم يحاربوا وهربوا يبقي يقفلوا خشموا ويرضي ويحمد ربهم انو لقوا ليهم بلد وطن راجع تاني

  3. يا مستر صلاح شعيب
    مقالك هذه المره هزيل يعبر عن ما يجيش في صدرك من تناقضات ربما بسبب هزيمة جناحكم العسكري الجنجويدي وسحقه في ارض المعركه فظهر تخبطك الواضح في المقال
    فليس هناك علاقه بين كتيبة البراء وداعش
    البراءون يقاتلون مع القوات النظامية في خندق واحد واستطاعوا أن يدحروا التمرد مع القوات المسلحه شأنهم شأن أي حركة مسلحه اخري تقاتل مع الجيش في معركة الكرامه
    أرجو منك أن تبعد عن الاوهام يا صلاح وان تكون منطقيا
    حتي ولو أن كتيبة البراء هي تنتمي للإسلاميين يجب عليك القبول بذلك وذلك علي حسب توجهات ثورة ديسمبر المشؤمه والتي تنادي بالسلام والعداله

  4. الكيزان هم من اشعلوا الحرب والدليل علي ذلك كل مقاطع الفيديو من كوادركم الكيزانية في شهر رمضان 2023 في نشر الحرب .وان الامن في فترتكم دلالة علي ان الاحزاب الاخري كانت تعارض بالسلمية وليس بالعنف الارهابي واستخدام القوة العسكرية المسلحة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..