مدونة تاريخية لانتهاكات حقوق الانسان وجرائم نظام الإنقاذ – حلقة رقم 2

د. سليمان بلدو
مدخل
أركز في هذه الحلقة علي احداث جرت في شهر فبراير 1994والذي اخترته عِشوائيا من رزمة أوراق مدونتي، فإذا بأحداثه تكشف لنا عن نموذج شبه متكامل من سجل انتهاكات حقوق الانسان تحت نظام الإنقاذ. تبرهن وقائع هذا السجل التوثيقي أن ظلام الْيَوْم امتداد لظلام الامس ومايجري ليس سوي حلقات في سلسلة متصلة لثمانية وعشرين عاما من الانتهاكات اليومية الجسيمة لحقوق السودانيين ونهب المال العام. وبالبداهة ، فإن إجرائيات التقاضي تستلزم توفر مثل هذا السجل الأسود لمحاسبة المجرمين ممن إرتكبوا تلك الجرائم والانتهاكات ، واسترداد الحقوق الي اَهلها. غير أنني لابد وأن أكرر القول وألفت النظر الي ان هذا الرصد ناقص ويحتاج لإضافات كثيرة جدا من حيثيات ووقائع هامة جرت خارج العاصمة المثلثة . ولا يفوتني أن أذكر أيضا أن السجل لا يتعرض توثيقيا للجرائم البشعة التي كانت تدور في “ساحات الجهاد” بجبال النوبة والنيل الأزرق وإقليم دارفور حيث توسعت الانتهاكات وترخصت في المدي والبشاعة ، فصارت واسعة النطاق وإستهدفت مجموعات سكانية باكملها باسم الجهاد المزعوم. ولنا عودة في حلقات قادمة لتلك الجرائم الوحشية الجماعية. .
الوقائع المسجلة في مدونتي
بدأ الشهر بالاعتداء الاثم في الرابع منه علي مسجد أنصار السنة بالحارة الاولي بحي الثورة، ثم قيام المعتدين في الْيَوْمَ التالي بالاشتباك مع الحرس الشخصي لاسامة بنلادن
بحي الرياض. بعد بضعة أيام هرب المرحوم محمد ابراهيم نقد من الحبس المنزلي بالرياض رغم أنه يسكن في منطقة شبه مؤمنة عسكريا بل ومحصنة تحصينا كاملا ليس فقط من منظور وجود حراسة دائمة أمام داره ، وإنما لأن مسكنه جاور منزل أسامة بن لادن المحروس بثلة أفراد ومدرعة عسكرية ، في ذات الشارع وعلي بُعد عدد من المنازل المتلاصقة . تعرضت جريدة (السوداني الدوليه ) التي كان يملكها الأستاذ محجوب عروة يوم 24 فبراير لمداهمة أمنية وتفتيش مكاتبها واعتقال احد محرريها كعقاب علي نشرها تقريرا عن مظاهرات معارضة بمدينة الأبيض وتغطيتها لنبأ هروب نقد فضلا عن إشارتها لضلوع بعض النافذين في قضايا فساد مالي واسع النطاق . إذن ، هذه القبضة الأمنية الباطشة التي نشهدها اليوم تنكل بالصحافة والصحافيين لها جذور راسخة تغوص لأكثر من 22 عاما فهي قبضة وولدت كتوأم سيامي ملتصق بأيديولوجية هذا النظام ، الذي لا يمنح حرية ولا يطيق مخالفة في الرأي ولا يحترم إجماع أو تعدد . فما حاق بجريدة “السوداني الدولي ” آنذاك هو من ذات ما تتعرض له “الجريدة” الجسورة، و”الميدان” التي خبرت الصدام، و”الأيام” التي صقلتها تجارب السنين وزميلاتهن . أيضا شهد فبراير جلسات محاكمة عرفت ب “قضية المتفجرات” وتعرض المتهمون لجلسات تعذيب ممنهج لإجبارهم علي الإدلاء باعترافات أملاها عليهم المحققون. المتهمون كان غالبهم من العسكريين المنتمين لتنظيم “أنا السودان” التي أطلقته القيادة العسكرية الشرعية بقيادة الفريق أول بحري المرحوم فتحي أحمد علي.
الجمعة 4 فبراير: قتل المصلين حلال؟
يوم الجمعة 4 فبراير 1994 هاجم فريق من اربعة قتلة بقيادة الليبي محمد عبد الرحمن الخليفي ومعه السودانيون محمد الماحي، عبد الباقي يوسف و ياسر محمد علي جمع من المصلين بمسجد الحارة الاولي بحي الثورة والذي يؤمه أنصار السنة وأهل الحي. قتل المهاجمون بوابل من رصاص أسلحتهم النارية والقنابل اليدوية التي فجروها ستة عشر مصليا وجرحوا عشرات اخرين. كان هناك عدد من الأطفال القتلي والمجروحين ممن أتوا برفقة ذويهم لأداء صلاة الجمعة . بالصدفة ، غاب الشيخ ابو زيد محمد حمزة عن امامة الصلاة في ذلك الْيَوْمَ الأسود، ورشحت بعض الأخبار فيما بعد لتقول بأنه كان المستهدف الاول بالهجوم. مثلّت هذه الجريمة أول مظاهر العنف الايديولوجي الناتج من الغلو الديني والتطرف ، ومثلّت إعلانا تمزيقا صريحا لسماحة السودانيين وقبولهم بالحرية للمذاهب الأخري بل وحتي قبول غير المسلم وإستئمانه علي ماله وعرضه ودمه. فالسودان الذي وقّع ملك دولتها النوبية المسيحية ” كاليدوزو” ، ملك المقرة (دنقلة) ، مع عبدالله بن أبي السرح إتفاقية البقط( 31 هـ – 651م ) ، خلعت عنه الانقاذ ثوب المتسامح . بل وأن قادته الجدد لم يجدوا في تاريخهم مايفاخرون به وأن تأريخ تسامح بلدهم تشهد عليه حقيقة أن إتفاقية البقط ظلت متماسكة لقرون عديدة واستمر العمل بها الي أن زالت مملكة المقرة في القرن الرابع عشر . فمنذ أن إستضافت الإنقاذ اسامة بن لادن ورفاقه من العرب والأفارقة الافغان وجد الهوس المذهبي المستورد سوقا رائجا له في بلدنا المسالمة.
لم يكن لانصار السنة وقتها نشاط سياسي مشهود ولكن كان من الواضح للعيان التنافس، بل العداء المذهبي بينهم وبين الجبهة الاسلامية القومية وفكر الاخوان المسلمين الذي تتبناه الجبهة. عاب اخوان السودان علي أنصار السنة، ولا يزالون، قربهم من الوهابية –المذهب الرسمي للملكة العربية السعودية– . أصيب اخوان السودان بالغيرة من مساندة المملكة لمنظمات أنصار السنة الخيرية ودعمها لمساجدهم. كانت المنافسة حادة بين الاثنين في استقطاب الدعم السعودي، يقال ان ذلك الدعم مكّن أنصار السنة من تشييد 390 مسجد في أنحاء البلاد المختلفة حتي حدوث الواقعة. هذا التنافس يفسر سعي الجبهة الاسلامية فور استلامها للسلطة لإستبدال أئمة المساجد التي يرتادها أنصار السنة في حملة اشتد أوارها في عام .1993
لابد وأن نذكر أن الجبهة الاسلامية تمكنت في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي من استقطاب دعم مالي كبير جدا من الدول الحاضنة لنشاطاتها في بلدان الخليج العربي قاطبة مستفيدة من تغلغل نفوذ تنظيم الاخوان المسلمين الدولي من جهة ، ولقيامها بتأسيس شبكة مالية قوية في تلك البلدان بعد أحداث شعبان 1971 وهروب الكثير من قيادات الصف الثاني من الطلاب والخريجين وإقامتهم بالخليج والكثير من بلدان أوروبا الغربية ، كندا والولايات المتحدة . في سنوات لاحقة تمكن التنظيم من تأسيس مصارف إسلامية كانت الاولي من نوعها عالميا؛ وتمكنت الجبهة الاسلامية القومية بفضل ذلك الدعم من انشاء منظمات دعوية ، وإغاثية للعون الإنساني . من تلك المنظمات منظمة الدعوة الاسلامية و الوكالة الافريقية الاسلامية للإغاثة فعبرهما ، وعن طريق المنظمات المتخصصة تمكنت الجبهة الاسلامية القومية من تنفيذ برامج دعوية واسعة النطاق ومشاريع كبيرة للعون الإنساني بأطراف البلاد و في أكثر من 17 دولة أفريقية. امتد هذا النفوذ حتي لدول البلقان والشيشان التي انحدرت الي حروب ذات طابع طائفي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتمزق دولة يوغسلافيا.وكان بن لادن من اكبر مساندي هذا الجهد الاستثماري و الدعوي والإغاثي ذو الطابع السياسي محليا وعالميا حتي قبل وصوله للسودان. مجموعة ملتزمة من هؤلاء الشيوخ لا تعدو بعض ومائة ساهمت في تمويل نظام الإنقاذ في سنينة الاولي وهو يواجه أزمات مالية و تموينية حادة نتيجة لعزلته الإقليمية والدولية بعد مناصرة النظام لغزو صدام حسين للكويت واستعدائه للاسرة المالكة بالسعودية.
تنافست الحركة الاسلامية وانصار السنة أيضا في بناء نفوذ إقليمي عبر استقطابهما للاجئين الاثيوبيين والاريتريين. فعندما اتهمت اريتريا نظام لإنقاذ بمساندة جماعة الجهاد الإريترية والتي أوقعت بها القوات الاريترية ضربة قاتلة في ديسمبر 1993، أنكر النظام مسؤليته واوحي من خلال ابواقه الدعائية ان المسؤلية تقع علي أنصار السنة.
يذكر ان محضر التحقيق الذي قامت به سلطات الشرطة السودانية مع الخليفي فور اعتقاله ، تم تسريبه ونشره للرأي العام بواسطة مجهولين فلقي رواجا واسعا بعد توزيعه في العاصمة المثلثة بواسطة احزاب المعارضة
من اهم حيثيات المحضر و ماأورده الخليفي في اقواله امام محكمته التي بدأت في شهر يونيو و1994توضيحه للعلاقة بين فريق القتلة واجهزة أمن النظام ودوافع هجومهم علي مسجد أنصار السنة. ذكر الخليفي انه تدرب علي السلاح علي أيدي الحرس الثوري الإيراني في 1988 بسهل البقاع بلبنان وغادر هو ورفاقه من هناك للجهاد بافغانستان – ثم اتي للسودان ضمن مئات العرب والسودانيين الافغان الذين رافقوا شيخهم اسامة بن لادن عندما استضافه نظام الإنقاذ. كوّن هو ورفاقه السودانيون الثلاث وعدد من الافغان الليبين وحدة الحراسة الخاصة بأسامة بن لادن المكونة من 18 عنصرا. وكان أربعتهم أعضاءا بخلية “حركات التحرير الاسلامي” التي اشرف عليها وفق أقوال الخليفي بالمحضر جهاز “أمن الثورة” السوداني وكانت صلتهم بالجهاز عبر من سماه الخليفي بشرف الدين مختار. ادعي الخليفي دورا لغازي صلاح الدين في التواصل مع وحدتهم، ولا ادري اذا كان الاستاذ غازي صلاح الدين قد تصدي لتفنيد ذلك الادعاء منذ ترويجه. ادعي الخليفي أيضا ان جهاز الأمن السوداني استأجر لهم منزلا بحي مايو لجأوا اليه بعد جريمتهم النكراء – ثم ذهبوا يوم 5 فبراير من ذلك المخبأ الي منزل يقطنه المجاهدون الليبيون بحي الرياض وهو غير بعيد من منزل بن لادن ورأوا بعدها تسجيل زيارة لشيخهم بمنزله القريب من مناوئ المجاهدين الليبين
في تبرير قيادته للهجوم ذكر الخليفي وفق محضر التحقيق ان بن لادن هو من أقنعه بان الوهابية مذهب فساد و كفر مبين. واقنع الخليفي نفسه ورفاقه ان قتل اتباع الوهابي بالسودان، وهم أنصار السنة، يزكي المجاهدين للجنة. ومن هنا كانت دهشة الخليفي واستنكاره لإدانة النظام السوداني المعلنة للهجوم ، وكان يضمر حنقا خاصا للواء عبدالرحيم محمد حسين والذي وصفه بأقذع الألفاظ لادعائه بالتلفزيون القومي فور الحادث ان منفذيه من جماعة التكفير والهجرة.
السبت 5 فبراير: زيارة للنقاش أم لاغتيال اسامة بن لادن ؟
من منزل المجاهدين الليبين بحي الرياض قرر الخليفي ورفاقه القتلة تسجيل زيارة لشيخهم بن لادن لمناقشته في امر ادانة فعلتهم النكراء من قبل المسؤلين اذ اثارت تلك التصريحات حفيظتهم فلقد كانوا مقتنعين ان هجومهم لم يأتِ الا تنفيذا لرغبات شيوخهم واجهزة الأمن السودانية التي كونت وأشرفت علي خليتهم. أتوا بكامل أسلحتهم الي منزل الشيخ، فاشتبك معهم أفراد حرسه الخاص فور دخولهم لفناء الدار بينما هرب بن لادن الذي كان بالحديقة الي داخل المنزل. في ما تلي من تبادل لإطلاق النار، قتل اثنان من رفاق الخليفي واثنان من فريق الحراسة. تبادل المسلحون إطلاق النار الكثيف بفناء الدار، وعندما خرج الخليفي ورفيقه الي لشارع العام، اشتبك مع افراد شرطة وأمن مكلفين بحراسات متفرقة بالشارع مثل منزل الاستاذ نقد . جُرح الخليفي ومحمد الماحي وتمكنت الشرطة من اعتقالهما بعد نفاذ ذخيرتهما.
وقائع الأحداث وتسلسلها يشيران الي مصداقية محضر التحقيق المسرب وأقوال المتهمين عند محاكمتهما وسؤالهما عن دوافع أعمالهما وتقلل تلك الوقائع من صدقية نظرية روجت لها بعض الصحف العربية بان حضورهم لبيت اسامة بن لادن كان بهدف اغتياله بايعاز من جهات استخبارية لم تسمها تلك المصادر
12 فبراير وما تلاها من هروب سكرتير الحزب الشيوعي من منزله
كان جهاز الأمن يتحفظ علي الاستاذ محمد ابراهيم نقد تحت حبس منزلي صارم رغم اصرار الجهاز علي ان دوام الحراس المسلحين كان بغرض حمايته وليس لحبسه. حادثتان وقعتا علي مشهد ومسمع الاستاذ نقد وجيرانه بالحي دفعتا به وبقيادات حزبه المختفية علي إختيار إنتقاله للعيش تحت الارض بدلا من الحبس المنزلي. ففي يوم 12 فبراير 1994 وامام منزل الأستاذ نقد ، وفي وجود شهود عيان ، قام أحد فريق حراسته بإطلاق النار علي صاحب دكان مجاور لمنزله اسمه عبد الكريم ابراهيم احمد فقتلوه . تعود القتيل ان يوصل الوجبات والشاي ومؤانسة أفراد الحراسة الذين ذكروا في تفسير الحادث ان احدهم كان يمازح صديقهم القتيل بسلاحه عندما انطلقت منه الطلقة آلتي اودت بحياة عبد الكريم. قام جهاز الأمن باخلاء الجثمان بسرعة مريبة وفرض ستارا من التعتيم الاخباري علي ذلك الحادث وسحب فريق الحراسة ولكنه أعاده الي موقعه بعد اقل من أسبوع
اتي الحادث الغريب بعد أسبوع فقط من حادث إطلاق النار الكثيف امام منزل اسامة بن لادن. نستحضر أيضا ان الخليفي ذكر في معرض التحقيق معه ان خليتهم كانت قد كلفت باغتيال قيادات المعارضة السودانية، ذاكرا بالاسم السادة الصادق المهدي، محمد عثمان الميرغني ومحمد ابراهيم نقد. يبدوا ان تتابع الحادثتين اظهر المخاطر التي تحيط بالسيد نقد اذا بقي رهين الحبس المنزلي وفي متناول يد جهاز الامن ، قام نقد بالتسلل متخفيا من دون أن يتمكن الحراس من الانتباه لكيفية تسربه من بين أيديهم
24 فبراير : مداهمة جريدة “السوداني
يتزامن نشر هذه الصفحة من مدونة انتهاكات حقوق الانسان وجرائم نظام الإنقاذ مع انتقال الاستاذ محجوب عروة من عموده الراتب بصحيفة “الجريدة” لرئاسة تحرير جريدة “الوطن”. لا بد من الاشادة بمواقف الأستاذ عروة وصراعه مع من كان يتقاسم معهم ذات الرؤي السياسية والعقائدية والفكرية . فقد صدرت “السوداني الدولية” في مرحلة الديمقراطية الثالثة (1985 الي 1989) ومنعت من الصدور مع كل الصحف المستقلة بعد انقلاب يونيو 1989. اجازة قانون جديد للصحافة ، تحت الانقاذ ، عني فرض قيود صارمة علي الصحف المستقلة، — مثل ان تكون مملوكة لشركات بحد أدني لرأس مال يبلغ50 مليون جنيه مع إلزامها بتجديد رخصتها سنويا–، وبرغم ذلك العنت عاودت “السوداني الدولية” الصدور. كانت الصحيفة توصف خطها بانه مستقل غير خاضع للنظام او معبر عن مواقف المعارضة السياسية، مع اهتدائه بمبادئ اسلام مستنير وعادل.
في ظهر يوم 24 فبراير 1994 قام فريق من رجال الامن المسلحين بتفتيش مكاتب صحيفة “السوداني الدولية” والدار التي كانت تقوم بطباعتها. وبعد تفتيش كامل لمكاتب المحررين والإدارة دام لأكثر من ثلاث ساعات، غادر رجال الامن ومعهم أوراقا صحفية وإدارية مملوكة للصحيفة – وعرجوا علي موقف سيارات العاملين بالصحيفة فافرغوا إطاراتها من الهواء في رسالة واضحة اننا لقادرون علي “تنفيس” طاقتكم الفضولية! وكان جهاز الامن قد استدعي ثم اعتقل الصحفي بالجريدة معتصم محمود صباح يوم الغارة الأمنية. لم يشفع للاستاذ محجوب عروة وقتها انه كان عضوا بالمجلس الوطني الانتقالي ، أو إنتماؤه السابق للتنظيم
مرئياتي تقول أن الحدث كان متوقعا من منظور جرأة التغطية الصحفية للسوداني الدولية في تلك الفترة. كانت الصحيفة سباقة في تغطية مظاهرات عنيفة للمعارضة حدثت بمسقط رأسي، مدينة الأبيض ، في شهر فبراير 1994 . نشرت الصحيفة تحقيقات قبل الغارة علي مكاتبها تناولت الانهيار المريب في أسعار الفول السوداني المنتج بمشروع الجزيرة ونسبته الي فساد رسمي ؛ أيضا كشفت “السوداني الدولية” في تلك الفترة عن بعض الممارسات الفاسدة والمريبة في بيع مؤسسات القطاع العام للنافذين. وفِي يوم الهجمة الأمنية تضمن عمود الصحفي ميرغني حسن دعوة لتحقيق رسمي في حادث عنف غير مبرر من قبل رجال شرطة في تعاملهم مع متهم كان الكاتب شاهد عيان عليه.
التفتيش الأمني للسوداني الدولية أظهر “الخطوط الحمراء” التي فرضها النظام علي صحافة واعلام البلاد منذ يومه الاول ولا يزال حتي الْيَوْمَ مهووسا بفرضها في مسعاه لحجب اَي اخپار وتحقيقات جادة تتناول فساده الرسمي، ورفضه لتغطية اخبار الجهد المعارض “الحساسة”، وسعيه لإخفاء جرائم اجهزته الأمنية في حق المواطنين افرادا كانوا أم جماعات باكملها كضحايا حملات الاستهداف الجمعي والعرقي بمناطق النزاعات.
وعندما افرز التطور التقني إعلام الأسافير كمصدر بديل و أساسي للصحف المقيدة تستقي منه الأجيال الصاعدة أخبارها وتحليلاتها السياسية وتتبادل فيه الاّراء وتنسق علي صفحاته مواقفها علي ارض الواقع السياسي، ازاء هذا التطور التقني وانعكاساته المزعجة من منظور النظام علي العمل السياسي ونفوذه الحقيقي في إنجاح التعبئة الجماهيرية المعارضة، نري النظام الْيَوْمَ ساعيا لإسكات واضعاف منابر الاعلام الاسفيري عبر مساعي فرق الجهاد الالكتروني لحجب المواقع الأكثر رواجا وسط قراء الداخل وعبر التهديد المباشر للكتاب الراتبين بتلك المواقع. ومن وسائل الحرب الافتراضية الدائرة الْيَوْمَ بين نشطاء الكيبورد والمجاهدين الالكترونين ما نراه من حملات أنباء مفتعله لخلق البليلة والتشكيك في محمل محتويات الصفحات المنادية بالعصيان. انه صراع قديم يدار الْيَوْمَ بأساليب العصر بينما تتواصل جبهاته التقليدية في شكل مصادرات الصحف ومضايقة الصحفيين والنشطاء بالبلاغات الكيدية والمحاكمات بتهم مختلقة الي اخر ما جعبة النظام من أساليب لطمس الحقائق.
21 فبراير: جلسة في محكمة “قضية المتفجرات
مثل ثلاث عشر متهما في يوم 21 فبراير 1994 امام المحكمة الخاصة التي كانت تنظر في اتهامهم بالمشاركة في مؤامرة واسعة لإجراء تفجيرات بالأماكن العامة بالعاصمة واغتيال شخصيات النظام وذلك بغرض ارهاب المواطنين وتقويض الدولة. ووفق صحيفة الاتهام التي تليت عليهم بالجلسة: تلقي المتهمون تدريبهم علي التفجيرات بمصر بترتيب من قيادات المعارضة بالمنفي المقيمين هناك وما كان يعرف بالقيادة الشرعية للقوات المسلحة. ونظرت المحكمة في الأدوار المنسوبة لهذه القيادات غيابيا. ادعت صحيفة الاتهام أيضا ان المتهمين عادوا للبلاد واستلموا المتفجرات من سفارة مصر بالسودان.
جل المتهمين كانوا ضباط جيش او أمن ومهنيين ووجهت لهم التهم التالية في جلسة 2 مارس
ووجهت لهم التهم التالية في جلسة ٢ مارس :.
تهمة محاولة تقويض الدستور عبر تفجير المباني العامة بغرض ارهاب المواطنين: في حق كل من:و
مبارك احمد جادين، جعفر يسين، عثمان محمد، الطيب نور الدائم، الطريفي الطاهر، والحسين احمد صالح.
اخفاء الأدلة : ياسر ابو زيد، عماد محمد احمد و عمر محمد احمد وآخرون .
اشتكي محامو الدفاع للمحكمة الصعوبات التي وضعت أمامهم للاجتماع بموكليهم المحبوسين. وعندما استجوبت المحكمة المتهمين أنكروا الاعترافات التي ادلوا بها للمحققين وذكروا بأنها انتزعت منهم انتزاعا تحت التعزيب. اعترض المحامون أيضا علي اصرار المحكمة علي تعيين أطباء بمعرفتها للتحقق من ادعاءات المتهمين بالتعرض للتعذيب عوضا عن تعيين مختصين محايدين.
صحيفة الميدان السرية حينها تميزت بمصداقية عالية في رصدها وتغطيتها لانتهاكات حقوق الانسان من مواقعها تحت الأرض. اوردت الصحيفة في عدد أكتوبر 1993 تفاصيل التعذيب الوحشي الذي تعرض له المتهمون في قضية المتفجرات ومن قبيل ذلك:
معاملة “الفرن الإيراني” وهي اجبار المتهمين علي المشي بأقدام حافية علي جمر متقد ودحرجتهم علي الجمر.
الضرب علي عظم الركبة لدرجة سحقه
التعليق من السقف
اجبار المتهمين علي الوقوف لأكثر من 16 ساعة في الْيَوْمَ
لا غرابة اذا انه وفِي جلسات المحكمة المعلنة لم يكن بمقدور العديد من المتهمين الوقوف علي اقدامهم. وأقر هنا بصديقة اقوالهم بأنهم وقعوا علي اعترافات أملاها عليهم المحققون معهم فقط لتخليص أنفسهم ولو الي حين من جلسات التعذيب التي يموت فيها الانسات مرات ومرات.
ختاما
علي المستوي الشخصي ، لا أدري ما آلت اليه محاكمة المتفجرات أو مصير هؤلاء المتهمين ورفاقهم مِنْ مَنْ لم أرصد اسمائهم و الذين تعرضوا معا لهذه المعاملة اللا إنسانية راجيا من القراء الكرام ، ممن تابعوا وقائع تلك القضية بالذات أو أحداث تلك الفترة ، أن يراسلوني مباشرة ، أو يرفدوا تعليقاتهم في هذا البوست بيانات إضافية عن هؤلاء الأبطال بأمل ان تتضافر الجهود لتكلمة الرصد التوثيقي وحفظه في الذاكرة الورقية ليوم التقاضي القانوني عندما نقتص للضحايا والأموات من أولئك المجرمين من منتهكي الحقوق وسافكي الدماء ومهدري الكرامة الأنسانية للبشر الذين قال من خلقهم أنه كرمهم الا أن بشرا مثلهم استقووا عليهم فأذلوهم .
[email][email protected][/email]
فى بدايةعام 1995 كنت جالسا مع أحد أصدقائى بوزارة النقل بالخرطوم فأطلعنى على محضر مسرب لاجتماع مجلس الامن القومى برئاسة الدكتور الترابى يقول فيه الترابى بالنص (لا أذيع سرا ان قلت أن نهاية فرعون مصر قد باتت وشيكة ) وبعد عدة أشهر وقعت المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك وبعد المفاصلة أنكر الترابى علمه بهذه الجربمة وأتهم على عثمان ونافع بتدبيرها ولم يستطيعوا هم أن يتهمونه بالضلوع فيها لان ذلك يعنى اعترافهم على أنفسهم
المحكمة برأت المتهمين في قضية المتفجرات باعتبار أن الإعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب ، و قد كان هنالك شهود معتقلين في جهاز الأمين مثلوا أمام المحكمة و أفادوا بأنهم شاهدوا نفس الأشخاص و هم يعذبون
أذكر أحد أعضاء هيئة الدفاع هو الأستاذ كمال الجزولي ، طلب من أحد المعتقلين أن يدلي بافادته في المحكمة ، فقال له المعتقل أخشى أن أخضع لتعذيب فقال له كمال الجزولي أنت أصلاً اعتقلوك و عذبوك من قبل بدون أي جريمة ، خليهم يعذبوك المرة دي بسبب ،و قد كان أن أدلى المعتقل بشهادته في المحكمة دون خوف
فى بدايةعام 1995 كنت جالسا مع أحد أصدقائى بوزارة النقل بالخرطوم فأطلعنى على محضر مسرب لاجتماع مجلس الامن القومى برئاسة الدكتور الترابى يقول فيه الترابى بالنص (لا أذيع سرا ان قلت أن نهاية فرعون مصر قد باتت وشيكة ) وبعد عدة أشهر وقعت المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك وبعد المفاصلة أنكر الترابى علمه بهذه الجربمة وأتهم على عثمان ونافع بتدبيرها ولم يستطيعوا هم أن يتهمونه بالضلوع فيها لان ذلك يعنى اعترافهم على أنفسهم
المحكمة برأت المتهمين في قضية المتفجرات باعتبار أن الإعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب ، و قد كان هنالك شهود معتقلين في جهاز الأمين مثلوا أمام المحكمة و أفادوا بأنهم شاهدوا نفس الأشخاص و هم يعذبون
أذكر أحد أعضاء هيئة الدفاع هو الأستاذ كمال الجزولي ، طلب من أحد المعتقلين أن يدلي بافادته في المحكمة ، فقال له المعتقل أخشى أن أخضع لتعذيب فقال له كمال الجزولي أنت أصلاً اعتقلوك و عذبوك من قبل بدون أي جريمة ، خليهم يعذبوك المرة دي بسبب ،و قد كان أن أدلى المعتقل بشهادته في المحكمة دون خوف
برافو د/ بلدو ! المدونة الصحيحة فى الوقت الصحيح حتى
لا ينسى هذا الشعب من كان سبب البلاوى على هذا البلد غير
شيخهمالضاحك بلا سبب والمتلولل بلا كلكلة !
ودلوقتى الشعبى جاى وعامل فيها حمل وديع ووطنى بحمايته
وإيمانه بالحريات ويهدد بأنه لن يشارك فى حكومة الوفاق
اللاوطنى إن لم تضمن الحريات فى التعديل الدستورى المضروب
أصلا ! إنهم يفوقون سوء الظن العريض !
عند الكيزان التقية عادى !
Excellent job.
Please continue
تسلم يابلدو – سرد رائع بلغة جميلة ووقائع مترابطة
متابعون معك هذه الجرائم
شكرا ياراكوبة
تسلم يابلدو – سرد رائع بلغة جميلة ووقائع مترابطة
متابعون معك هذه الجرائم
شكرا ياراكوبة