النفرة والنهضة الزراعية: الأهداف والآلية والنتائج

النفرة والنهضة الزراعية:
الأهداف والآلية والنتائج
بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة
20/10/2011م
المشاريع الزراعية، مثلها مثل الكائنات الحية، قابلة للشيخوخة. لكن هنالك العيد من الطرق تجعلها تستعيد شبابها وعافيتها، بل تصبح أعلى إنتاجية عما كانت عليه. الدليل أمامنا واضح في كل الدول العربية التي تزرع مساحات محدودة ومعروفة منذ آلاف السنين (مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن). بل تزرع قطعة الأرض عدة مرات في العام مع فترات راحة ما بين كل عروة وأخرى لا تتعدى 3-4 أسابيع.
فلنأخذ مصر كمثال. فهي تزرع مساحة ثابتة لا تتعدى 5.5 مليون فدان منذ أن عرفت الزراعة حوالي 7000 عام حتى تاريخه. كل ما حصلت عليه بعد السد العالي واستصلاح بعض الاراضى الصحراوية ومشروع توشكا لم تتعدى المساحات المزروعة الرقم أعلاه والذي يغذى حوالي 84 مليون نسمة مع تصدير بعض المنتجات واستيراد غيرها. إنتاجية الفدان مقارنة بإنتاجيته في السودان لا تقل عن 2-3 أضعاف رغما عما نقوله من أن أراضينا لا زالت بكرا وأن أراضيهم أنهكت تماما نتيجة الزراعة المستمرة!!! وسؤالي للمتخصصين في علوم التربة: هل يمكن أن تنهك التربة الزراعية في ظل وجود المدخلات والتقنيات الحالية؟
لو سألنا أنفسنا: على ماذا كان يعتمد اقتصاد السودان بعد تأسيسه كدولة في العام 1921م بواسطة الحكم التركي؟ وكيف كانت مكونات السودان الحديث تؤمن معيشتها قبل تأسيس السودان الحديث بما في ذلك الجنوب ودارفور و كردفان الكبرى والنيل الأزرق..الخ؟ لم تكن هنالك مشاريع مروية أو بترول أو صناعات أو أي من المستحدثات الفنية والتقنيات وغيرها.
الإجابة ببساطة كانت من (الزراعة التقليدية) والثروة الحيوانية ومنتجاتها الخام مثل الجلود والصمغ العربي وحب البطيخ وغيرها. ثم أدخلت الزراعة المروية بالجزيرة ثم النيل الأزرق والنيل الأبيض (الطلمبات) و الزيداب. ثم امتداد المناقل وحلفا الجديدة وسكر الجنيد في عهد عبود. وبعدها جاءت مشاريع السوكى و الرهد ومصانع السكر الأخرى ومزارع القصب ومشروع سوبا غرب ومشروع السليت..الخ، مع إدخال التحديث في بعض المناطق التقليدية مثل جبال النوبة والقضارف وسمسم، ودخلت بعض الشركات للاستثمار بمساحات واسعة مثل مشاريع الشيخ مصطفى الأمين، والهيئة العربية، والمشروع الكندى، وحاليا بعض شركات جنوب أفريقيا بالنيل الأزرق ، وغيرها بولاية بالجزيرة مثل زايد الخير ومناطق شرق النيل و بالشمالية لمستثمرين سعوديين وقطريين و كويتنين وغيرهم. قريبا ستخل الصين بكل ثقلها ومصر والهند واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا بكل مدخلاتها، و غالبا عمال متمرسين ولديها خبرة واسعة من الفلبين وتايلاند وبنجلاديش والهند
ما نريد أن نقوله عزيزي المواطن هو أن الزراعة التقليدية هي التي حملت السودان حتى ما قبل الإنقاذ، وتحملت كل مشاكله كدولة مستقلة جديدة. كما ساهمت الزراعة المروية والمعتمدة على المدخلات لم تزد الإنتاجية كثيرا وتعدد المشاكل (الإدارية والمالية) وسادت الفوضى وتأخرت المرتبات وترك المزارعون حواشاتهم وحيواناتهم أو تخلصوا منها بالبيع نتيجة اليأس التام من السياسات وقدرات الوزارات المعنية وهى الزراعة والثروة الحيوانية والغابات والري..الخ. لكنني أقد أجد بعض العذر لهذه الوزارات ولا أجده بتاتا لوزرائها.
فسياسات الدولة الاقتصادية غير واضحة وغير منطقية. أتعجب لهؤلاء الوزراء الذين تناقش السياسات التي تمس وزاراتهم بصفة مباشرة داخل مجلس الوزراء ولا يناقشونها ويتقبلونها كما هي ، بل يجيزونها أو يباركونها بالإجماع السكوتى الانقاذى!!!
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي قدم البنك الدولي قرضا طويل المدى وبسعر فائدة ضئيل نسبيا لإعادة تأهيل مشروع الجزيرة. استفاد من هذا أربع جهات وهى: المشروع والري والبحوث الزراعية وجامعة الجزيرة. النتيجة كانت استمرارية المشروع وبقوة حتى جاءت (محبوبتنا وستنا وتاج رأسنا) الإنقاذ.
الأخيرة (الانقاذ) بعد أن هددت أميريكا دعتها بأن تلم (جدادها)، وتوعدت روسيا بدنو عذابها، قالت لنا نحن قبل أن نصبح (الشعب السوداني الفضل) أننا سنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، وطبعا نحن ناس مؤمنين، ويجب علينا أن نصدق أولى الأمر منا، وفعلنا ذلك برضاء شديد.
لكن نظرا لتولى ذوى (الثقة) والتخلي عن ذوى (الكفاءة) رغما عن توفير الدولة للاحتياجات لتلبية الشعارات أعلاه كانت النتيجة هي (الطامة الكبرى)، أي (لا أكلنا ولا لبسنا)، بل ارتفع مستوى داء السل بالسودان الى أعلى معدلاته ووصل كيلو اللحم الى 35 جنيها وتوقفت مصانع الغزل والنسيج وتدمر قلب السودان النابض (المرحوم) مشروع الجزيرة!!. استمر الحال على ما هو عليه مع تغيير احد الموثوق بهم بآخر (من ذات الطينة) والنتيجة واحدة وذوى الكفاءة تقطر أعينهم دما حزنا على الزراعة والأكل واللبس والصناعة..الخ.
فكر بعضهم (من داخل المؤتمر الوطني) وأطلقوا ما يسمى بالنفرة الزراعية التي انطلقت من رئاسة المؤتمر الوطني بالخرطوم ، وتم تجميع أموال ومدخلات ويقال أنها تعادل 300 مليار جنيه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنتيجة معروفة لكم جميعا. قررت ذات المجموعة بعد أن حصدت هي المبلغ أعلاه في دعم (ياسين = النفرة) بجكة (النهضة). النتيجة: تصريحات…تصريحات…ثم تصريحات. وعود وتنبؤات بالإنتاجية غير المسبوقة، والخروج من الأزمة الاقتصادية نتيجة التخطيط الممتاز!! وكلها شهرين ونجلس بجانب الحائط (الحيطة) ونسمع (الزيطة). ولن نفلت من المبررات أهمها ضعف الخريف والآفات..الخ.
نرجع لحديثنا:
أخي المتعافي (يأخى معليش، ما تزعل، تحملني مرة ثالثة، فأنت المسؤول أمامنا كشعب سودانى أو على الأقل المتبقي منه):
ما هي علاقة النفرة والنهضة بسياساتكم و ببرامجكم في وزارة الزراعة وبرامج المشاريع المروية والمطرية؟ من أعطاها الحق في التدخل؟
هل جاء ذلك بقرار جمهورى، خاصة وأن النائب الأول هو رئيسها؟
وكيف تسمحون لها أنتم بذلك دون بقية الوزارات؟
لماذا تجد (تتحصل) هي الأموال ولا تجدونها أنتم؟ وهل هى جزء من ميزانية الوزارة؟ أم عبء جديد على الميزانية العامة؟
ومن يحدد أولويات الصرف من هذه الأموال؟
أعلم بأن السيد النائب الأول هو رئيس اللجنة، فهل يعنى هذا أن وزير الزراعة لا دور له في وضع سياساتها (الزراعة ومؤسساتها) والتصرف في أموالها ، أو الصرف على أولويات سياساته وبرامجه؟
أم توجد سياستان (سيناريوهان): واحدة للوزارة وأخرى للنهضة؟ كيف تتعامل سيادتكم مع كل منهما؟ رئيسا في الوزارة ومرؤوسا في النهضة؟
ماذا سيحدث أن حدث تضارب بينهما؟
أخاف أن أقول سيتم تنفيذ سياسات صاحب المال بالطبع (والا أنا غلطان سيادتك؟). كيف ستبرر ذلك أمام إداراتكم المتعددة بالوزارة والتى من المفترض أن يكون لكل منها سياسات وبرامج أيضا تحاسبها أنت عليها كل فترة من فترات الموسم الزراعى!!!!
السيد الوزير: أنت لديك 15 وزيرا ولائيا من ضمنهم عدد لا يستهان به أبدا من ناحية الكفاءة والعلم والخبرة. وقد يأتي اليوم ويحل فيه أحدهم مكانك هذا وزيرا مركزيا للزراعة. منهم البروفيسرات/ بالشمالية ونهر النيل والقضارف والدكاترة بسنار والنيل الأزرق وغيرهم كثر. هذه المجموعة سيادتكم (بحكم معرفتي اللصيقة بهم) بالتأكيد تعرف ما تريد وكيف تنفذه وبكفاءة عالية إن وفرتم لهم التمويل، أو تركتم لهم حرية التصرف وأبعدتموهم من تدخلات النفرة والنهضة.
ما هي حوجتكم للنفرة / النهضة في وجود مثل هؤلاء العلماء. أؤكد لسيادتكم أنه (لا يوجد) بمجلس النفرة/ النهضة من هو أعلم من هؤلاء. سيادتكم و 15 وزير ولائي إضافة الى النائب الأول تستطيعون العبور بالزراعة السودانية الى مرافئ الأمان وبكل سهولة وعلمية ويسر في حالة توفر المال اللازم وهذا هو دور السيد النائب الأول.
الحل:
السيد الوزير لو كنت مكانكم لطالبت بالآتى:
حل النهضة وتوفير المال للوزارة و للمؤسسات من جزيرة ورهد وحلفا وسوكي إضافة المناطق المطرية.
كما سأركز على:
* تشجيع القطاع الخاص على تصنيع المبيدات والأسمدة والخيش والعبوات المختلفة.
* كما سأركز على الصادرات البستانية ومتطلباتها من تبريد وترحيل.
* كما سأحاول وبشدة مع الحكومة المركزية لدعم وزارة الري لحل كل مشاكلها حيث أن هذا بالضرورة سينعكس على كل أنشطتكم إيجابا.
* من أهم أنشطتكم المتوقعة هي الاهتمام بالزراعة المطرية خاصة بجبال النوبة مع التركيز على القطن قصير التيلة بها.
* كهربة المزارع بالشمالية ونهر النيل وفورا يجنبكم الكثير من المشاكل ويوفر الكثير من العملات الصعبة للبلاد.
* أما بولاية الخرطوم نرجو إعطاء مشروعي سوبا و السليت الأهمية القصوى والاتفاق مع أصحاب المزارع (اتحادهم) على برامج خاصة لتوفير الغذاء للعاصمة وللتصدير بالتعاون مع البنوك وتوفير الخدمات لهم بالأسعار المناسبة وحل مشاكل التسويق كما ذكرنا في مقال سابق.
اللهم نسألك اللطف (آمين).