مقالات وآراء

ما بين صحفي مصري و وزيرة خارجيتنا

م/ التجاني محمد صالح

سأل صحفي مصري وزيرة خارجية السودان عن الوضع في الحدود السودانية و خاصة منطقة القضارف. أجابت الوزيرة عن الوضع في الحدود الشرقية و لم تتطرق مطلقا لباقي الحدود و للحالة الأخرى المشابهة مع مصر خاصة. و بهذا تجنبت الحديث عن حلايب في الوقت الذي كان يتوجب علي الوزيرة أن تتناول في ردها التأكيد على سودانية المنطقة و تمسكها بضرورة إعادة جميع الأراضي السودانية المحتلة.

و لكن لماذا لم تتحدث الوزيرة عن حلايب بدلا عن إقحام نفسها في الحديث عن سد النهضة الذي لم يتطرق له السؤال أصلا؟

قراءة ما حدث تقول إن الحكومة إعتادت على عدم مكاشفة الشعب بنواياها الحقيقية و حينما تريد تمرير مخطط ما و لا تكون على ثقة في تقبل الشعب لذلك المخطط، تلجأ إلى حيلة أخرى هي أن توحي بذلك من خلال وزرائها أو بعض مسؤوليها و تنتظر حتى مرور العاصفة ثم تعلنه بعد ذلك.

ما صرحت به وزيرة الخارجية ليس زلة لسان و لكنه أمر أريد له أن يتسرب عبر وزيرة الخارجية. قبول الشعب فكرة توزيع أراضي السودان لكل اللاعبين الدوليين في الساحة السودانية الشاسعة على حد قول الوزيرة بمن فيهم دول الجوار هو ما تريد الحكومة تمريره في هذا التوقيت. و هذا التصريح بالذات هو جواز سفر سيستخدمه المصرييون بكفاءة لإخراج حلايب و شلاتين من حوزة السودان بغير رجعة.

إن مثل هذا العرض المجاني للأرض التي هي ك”العرض” لا يمكن أن يأتي من وزير خارجية يعلم أنه سيحاسب عاجلا و لكن يبدو أن وزيرة خارجية السودان قد أمنت العقوبة تماما إذ كيف يمكن لها أن تدلي بهذا التصريح الخطير و على الهواء مباشرة من أرض دولة تحتل جزء من تراب بلدها؟ إنه تصريح يرقى للخيانة العظمى و ما كان يمكن له أن يصدر لولا أن جاء معبرا عن توجه الحكومة ذاتها.

هل يمكننا أن نتخيل مثل هذا الذي صرحت به وزيرة الخارجية السودانية أن يقوله وزير الخارجية المصري عن بلده؟ هل يمكن تصور أن يتجرأ الوزير المصري و يتحدث عن حلايب المحتلة بالقول إنهم سيتفاهمون عليها مع دولة الجوار الشقيقة السودان؟

أقول بثقة تامة أنه و بمجرد أن يشرع وزير الخارجية المصري في الحديث عن حلايب بالصورة التي توحي بإمكانية “التفاهم” حولها لأنزل من المنصة في الحال قبل أن يكمل حديثه “مسحولا” على الإسفلت و لرأينا القاهرة بل مصر بأكملها و قد خرجت إلى الشارع منددة و لما سمع أحد بالوزير بعدها. فما بالنا نحن و ماذا دهانا؟ بل ماذا أصابنا؟ أهي تنشأتنا التي جعلت منا غير ذوي حساسية كافية تجاه كل ما يتعلق بتراب الوطن؟

كلها أسئلة تظل تبحث عن أجوبة طالما أن هناك فراغا عريضا تجاه كل ما هو وطني كان يجب أن يملأ بالوطن حتى لا يبقى من الفراغ شيئ.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..