التسامح الديني…اا

التسامح الديني…

محمد عيسي عليو

معروف تاريخيا ان الإسلام انتشر في هذه البلاد سلميا وان التمازج الاجتماعي هو ديدن السودانيين، فالعرب جاءوا الى السودان سواء عبر النيل او البحر الاحمر او المغرب العربي. ووجدوا امامهم شعوبا افريقية ، لها تاريخها ولها ثقافتها ودياناتها ولها ارض، وعبر الحكمة والحكماء من الجانبين تم التعايش ومن ثم التلاقح والتفاعل مع المصير المشترك، كانت هناك ثورة لكنها ثورة هادئة ، غيرت كثيرا من سلوك وثقافات وألوان القادمين، وكذلك غيرت كثيرا من سلوك وثقافات وألوان الافارقة ونتيجة لذلك جاء هذا «النموذج» السوداني الذي يختلف عن كثير من الشعوب في هذ الدنيا .. لا هو بالعربي ولا هو بالافريقي، هو السوداني، صان هذا المجد والتاريخ اجدادنا الذين وصونا على الوطن الذي ضيعناه، تاريخ مشترك لكل السودانيين عبر نضالاتهم لقرون ضد المستعمر وضد الظلم وضد الاقتتال القبلي، وضد التطرف الديني ، فالعلماء الذين نشروا الدعوة الإسلامية تواضعوا لفهم المدعوين للإسلام، ثم ارتفعوا بهم قليلا الى ان اصبح المدعوون هم دعاة الدين وحُماته وماتوا دونه في معظم المعارك النضالية..!
وبعد ان نال السودان استقلاله وهبت نسائم الحرية، جاءت افكار دينية وسياسية من خارج البلاد، كفكر الاخوان المسلمين والفكر الشيوعي من مصر، وفكر الحركة الوهابية الديني من المملكة السعودية، ، وسبقت هذه المدارس الدينية ، مدارس صوفية جاءت للسودان قبل قرون، وهي التي وطدت الفهم الديني في البلاد بصفة غالبة، وكان التعايش، والتنافر احيانا ولكنه تنافر اخلاقي تنتهي مساجلاته في المنابر ولا يحمل اي من المناظرين حقدا على احد.. فهم يسكنون الى جوار، ويتزاوجون من بعض على الكتاب والسنة.. بل لا يجد حرجا اي صوفي او انصار سنة ان يصلي خلف الآخر.. وهذه اكبر محمدة في هذه البلاد، يرجع الفضل لله ثم لدعاتنا الاوائل في ان جعلوا السودان على مذهب واحد وهو مذهب السنة المحمدية.. بغض النظر عن التفرعات الجانبية صوفية ولها اقسامها المتعددة، وانصار سنة ولوحظ انها اصبحت تنشطر لأكثر من فكر، وتجد قيمة هذا التوحد الديني في السودان اذا ما أجلت النظر للفكر الديني في منطقة الشام ، فهناك الشيعي، وهذا الدروزي ، وبينهما النصيري، اضف الى ذلك السنة والعلويين، هذا التشرذم خلق طوائف اثرت في مسيرة الحركة الدينية في الشام بأثرها، وما الحرب التي شهدتها لبنان في السبعينات من القرن الماضي الا افراز لهذا التطرف.. ويبدو اننا نسير في ذات الطريق، ان لم يهتم المسلمون في السودان بهذا المنحنى، ففي مناسبة المولد الفائتة حصلت تطورات ما بين بعض الطرق الصوفية وانصار السنة افضت الى اشتباكات ، والحمد لله حصل اقتتال ولكنه لم يصل الى درجة القتل، هذا الاسلوب العاجز لم يحصل من قبل، فأنصار السنة بيننا لأكثر من خمسين عاما، ولم تسجل دفاتر الشرطة شجارا جماعيا بين السنة والصوفية ابدا، كل الذي يحصل بعض النكات عن كل فريق، وهي في مجملها دعابات تروح النفس وتسر الخاطر للجميع، منها ان احد المصلين اضاف بعد الهنات البسيطة في صلاته والتي يعتبرها انصار السنة غير صحيحة وبالتالي قال احد انصار السنة للمصلي صلاتك باطلة بهذه الزيادة ، فرد عليه الرجل بكل برود انا عارفها باطلة ما دام صليت معكم في مسجدكم..!! سأعيدها مرة ثانية…! والثاني الذي مد يده لجاره انصار السنة للسلام بعد الانتهاء من الصلاة ، فرد عليه انصار السنة دي ما السُنة ، فرد عليه الصوفي وهسع مساختك دي من السنة..؟! وحكى لي احد الاخوة انهم زوجوا احد زملائهم لبنت تنتمي لبيت من انصار السنة، فلما حضروا جاءهم شقيق البنت يعطيهم المحاذير لا اختلاط، ولا حفلة ، ثم كرر الامر ثانية، ولما ضاقوا ذرعا، انبرى له احدهم وهمس في اذن (أخينا) قائلا له: محل السكر وبالذات العرقي عندكم هنا وين؟ فاستغرب الرجل وغضب من هذا السؤال…!! وصاحبنا يوغل في البرود وطول البال والاستهبال ، وعرف عضو انصار السنة المقلب اخيرا واصبح صديقا للجميع..!! لأنهم ليسوا اقل منه ديناً.. ولكن التزمت في حد ذاته مشكلة، بذلك السلوك المشين الذي حصل بين انصار السنة والصوفية في المولد يبدو اننا فقدنا الكبار، امثال الشيخ الهدية رحمه الله، فقد كان داعية وقامة فكرية سودانية، كان اجتماعيا يعرف تقاليد وعادات اهله السودانيين، لذلك لم يكن مُتشنجاً البتة كان يحضر احتفالات المولد ، ولكنه كان يقول رأيه بكل وضوح في البدع التي يراها في الاحتفالات، ولقد شاهدته اكثر من مرة يحضر المولد في ود نوباوي حيث يستقبله الانصار بالترحاب، ويزفونه بالإجماع، كان ملتحما مع الجماهير سواء كانوا انصار سنة او صوفية فهل غياب امثال شيخ الهدية ترك فراغا لم يُسد بعد؟
نحن محتاجون جميعا لمعرفة بعضنا البعض للتعايش، وتأسيس مبدأ حرية الفكر في حدود قطعيات الشريعة، وان يكون ما دون ذلك بالحجة والاقناع، بالرأي والرأي الآخر ، ولا نفكر ابدا ان نمد ايادينا بالسوء لبعضنا البعض، هذه البلاد كلها مصنوعة من الزجاج، لا تتحمل رمية حجر «منتظرة الولعة» ممكن ان تجيء الكارثة عرقياً، جهوياً.. سياسياً، أو غزو كافر خارجي، لكن ان تجيء الينا الفتنة منا نحن المسلمين السودانيين ضد بعضنا البعض هذه كارثة بل موغلة في الكارثية، والدين اعطانا مساحة كبيرة في الدعوة بالحسنى، والصبر عليها ألم يقل الله تعالى «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين» – « سورة القصص- الآية 55» ..هل يعجزنا اذا سمعنا اللغو من احد انصار السنة او الصفوية ان نقول سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.. والآية التي تلي هذه الآية تقول «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين».. ماذا تقولون بعد هذا الكلام الرباني العظيم..
يأيها المسلمون في السودان، ان تفرقتم سياسيا لدرجة تقطيع الوطن، واختلفتم جهويا وعرقيا لدرجة حمل السلاح، فأرجو الا تتفرقوا في دينكم فان العدو الكافر اذا ماغزا بلادكم، فإنه لن يقول هذا انصار سنة اذبحوه، وهذا صوفي اتركوه، واذا قال من دخل المسجد للصلاة اقتلوه، فقطعا كل المسلمين السودانيين سيدخلون المسجد الصوفي الى جانب انصار السنة لنيل شرف الشهادة.. والتاريخ يشهد أن هولاكو عندما غزا بغداد ودمر الخلافة العباسية قتل الجميع سنة ومعتزلة وان الاسبان عندما طردوا المسلمين لم يفرقوا بين طوائفهم، فإن محاكم التفتيش شملت الجميع، والقتل والتعذيب لم يستثن أحداً من المسلمين.
لذا اقول ان الذي يجمع بيننا اكثر من الذي يفرقنا، الغبن الفكري بيننا لا يصل الى درجة الاقتتال، واكرر ما قلته سابقا من ضرورة انشاء مجلس ديني يدعو للم الشمل ويقوم بأمر الفتاوى ويقتل الفتن اذا ما اشرأبت اعناقها للنيل من الإسلام والمسلمين، يكون في هذا المجلس كل الشرائح الدينية، ويمكن ان يجلس الجميع مع بعض، ما دام انهم كلهم مسلمون سنة ، وارجو ان يغلق باب التشاحنات بين الصوفية والسنة للأبد…

الصحافة

تعليق واحد

  1. على أنصار السنة التحلى بالكثير جدا من الحكمة و الصبر و طول البال فى سبيل الدعوة الى الله “ادعو الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتى هى أحسن” و على الدعاة أن يكونوا على قدر من العلم الشرعى و الفقه و لا يتركوا كل من هب و دب للقيام بالدعوة الى الله و هو جاهل لا يعرف ما يدعو له مما يدفعه الى الاشتباك مع المخالفين له لعجزه عن اقناع الناس بحجته لافتقاره للعلم الشرعى، لقد رأيت كثير من أنصار السنة ليس لديهم علما شرعيا كافيا لاقناع الناس بقوة حجتهم و آخرين جهلة يميلون كثيرا الى الصدام مع الصوفية مما يترك انطباعا سيئا لدى عامة الناس عن انصار السنة, و عليهم بالرفق و تعلم العلم الشرعى بدلا عن الاندفاع الأعمى بدون حكمة و تبصر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..