الجديد في عالم الاتصالات؛ ما كان وعدا اصبح حقيقة. و الان تُقدم وعود جديدة في مجال الاتصالات و تقانة المعلومات ICT. الجزء الثاني ٢/٢

عمار قاسم حمودة

تفاعلات التجارة، التقانة، السياسة، الإعلام، والبحث العلمي في مؤتمر العالم للهاتف السيار Mobile World Congress MWC18, Barcelona, Spain.

٣- الجانب السياسي ، الأمني ، و التنافس التجاري :

٣- أ – عالميا ، أطلت السياسة بعنق طويل في هذا المحفل ، و شكلت تأثيرا مباشرا و غير مباشر على مستقبل حرية التجارة العالمية مما جعل مفهوم العولمة في أتون عاصفة جديدة ساحاتها تصطحب مطلوبات الأمن القومي للدول و حمايتها لمصالحها التجارية . و قد كان قطاع الاتصالات احد ميادين الحرب التجارية التي لم تعد خافية بين الولايات المتحدة و من حالفها من جهة ، و الصين و ما كسبت من أسواق من جهة أخرى ، متخذا من التقانات الجديدة المتمثّلة في الجيل الخامس رأس حربة في المواجهة . فقد تداول الكثير من المؤتمرين ما تسرب للإعلام عن توصية مكتب الرئيس الامريكي دونالد ترمب لعملاق أنظمة الاتصالات الامريكية سيسكو للتكامل مع شركة ايريكسون الأوربية ! هذا امر له اثر كبير جدا علي قطاع صناعة الاتصالات العالمي . فهو يحجب الاسواق الامريكية عن الشركات الصينية و يهدي ايريكسون – إن صح – رياحا ” سياسية ” قوية تملأ أشرعتها التجارية بقوة دفع هي احوج ما تكون اليها بعد خروجها من بعض الاسواق علي يد منافستها هواوي الصينية ، مما يعزز فرصها في القطاع في المستقبل القريب . إختيار التحالف مع شركة أوروبية جاء علي خلفية التحديات الأمنية في مسألة الجيل الخامس ، و ترجيح الولايات المتحدة لمبدأ الأمان و الأمن القومي علي مبدأ حرية التجارة . و تتمثل المعضلة الاساسية في صعوبة الجمع بين الأمان و عبور القارات مع انفتاح الحواجز و الحدود للدول ، فالأمان في بعض صوره يعني حجب الوصول للمعلومات الحساسة للدول عن الغير . فكيف بالحال و الولايات المتحدة تتحدث عن مرافق حيوية من مستوى وزارة الدفاع و هيئة الاستخبارات !!؟؟ و مع تزايد خطر الهجمات الإلكترونية يعصب القبول أمريكيا باعتماد بنية تحتية للجيل الخامس في الولايات المتحدة من صنع شركات صينية . الجدير بالذكر ان غلبة الوجود الصيني في المؤتمر لا تخطئه العين ، مما يعكس اهتمام الصين و الصينين بالقطاع على المستوى العالمي .

٣- ب – إقليميا ، في الاسواق المتنافس عليها مثل افريقيا و الشرق الأوسط ، تأتي ظلال السياسة و انعكاساتها علي الجانب التجاري في الصراع الخفي بين تركيا و دول الخليج ، كل يريد ان يمثل حلقة الوصل بين الشرق و الغرب. و تجاهد شركات أفريقية للخروج بمكاسب اكبر في أسواق القارة عبر التحالفات الكبرى ، خصوصا في ميدان الكوابل البحرية و تقديم خدمات البيانات التي ما تزال بكرا . الطريف – و الذي يؤكد علي ان التنفيذيين في الشركات الكبرى في الإقليم قريبين جدا من الجوانب السياسية – أن الدكتور المهندس خالد البياري و الذي كان متواجدا بالمؤتمر لكونه المدير التنفيذي لشركة الاتصالات السعودية STC قد غادر الى بلاده في اليوم الثاني بعد صدور قرار ملكي سعودي بتعينه في منصب مساعد وزير الدفاع للشئون التنفيذية بالمرتبة الممتازة.

٤- الجانب الإعلامي :
قدم المؤتمر مادة دسمة للإعلام المتخصص ربما يقضي أشهرا قادمة نشرا و تحليلا لها . فقد حظي المؤتمر بتمثيل إعلامي يتوازى مع أهمية الحدث و في وجود تمثيل عالي من كبار الشخصيات من السياسيين و القيادات التنفيذية للشركات الكبرى مقدمة الخدمات للجمهور و مقدمة الخدمات لقطاع الاعمال و مزودي الاجهزة لشركات الاتصالات و غيرها . فقد شهد المؤتمر التوقيع على كثير من الشراكات و ضربة البداية لتدشين انطلاق منتجات و خدمات جديدة مقدمة من عدد من المؤسسات ، الشئ الذي ألهب اضواء كاميرات الإعلام ، فضلا عن تغطية الكثير من السمنارات و النقاشات المصاحبة للمؤتمر و التي تنوعت اهتماماتها من الحديث عن التشريعات المطلوبة لانطلاق خدمات جديدة كما في حالة تكنولوجيا الجيل الخامس و حتى الإعلان عن تطبيقات جديدة .
أما الجوائز ، و ما ادراك ما الجوائز ، و التصنيفات، يمثل تحكيمها و الفصل فيها و الإعلان عنها سوقا قائما بذاته في أوساط بيوت الخبرة في المجال و الإعلام المتخصص و شركات الإعلانات . فحصولك على جائزة يعني ان تكون تحت أضواء الإعلام و لك فرصة الإعلان عن ذلك مسنودا بسمعة مقدم الجائزة .

٥- البحث العلمي و التطوير ، تقنيا و في مجال إدارة الاعمال :
يمثل البحث العلمي حجر زاوية في تطوير قطاع الاتصالات المتسارع النمو و التحديث . و بالرغم من أن معظم الشركات الكبيرة لها مراكزها الخاصة للبحث و التطوير ، و لها شراكات مع مراكز بحوث و جامعات، تغذيها الحوجة المستمرة للجديد و يدفعها التنافس لخلق ميزات تفضيلية و تقنية في المجال ، الا انه كان لافتا بالمؤتمر وجود جامعات مستقلة و مجموعات مرموقة، خصوصا التي لها سمعة ممتازة في مجال الاستشارات في إدارة الاعمال . وجدنا مجموعة بوسطن للاستشارات صاحبة النموذج المعروف في إدارة الاعمال بمصفوفة BCG ذات البقرة و الكلب و النجمة و علامة الاستفهام . و كذلك كانت جامعة ماكينزي حضورا أنيقا في المؤتمر .

٦- تأثير المؤتمر علي المدينة و حركة السياحة واضح جدا ، فالاهتمام بالحدث يبدو في الشوارع و محطات القطارات و المطار و المطاعم و الاسواق ، بل حتي ان سائقي التاكسي يتحدثون عن فترة المؤتمر باعتبارها موسما من مواسم السياحة برغم بعدها قليلا عن فترة الصيف. نحن هنا نتحدث عن ما يفوق المائة الف زائر للمدينة في تلك الفترة لهذا المؤتمر فقط !

٧- السودان ، التمثيل و التحديات

٧- أ – كان هناك تمثيل سوداني عالي للجانب الرسمي و التجاري ، فبجانب التمثيل الوزاري و كبار التنفيذيين في الشركات العاملة في مجال الاتصالات وجدنا العديد من الشركات السودانية ( او المملوكة لسودانيين ) و الشخصيات المهتمة بقطاع الاتصالات . إضافة للسودانيين الذين يعملون في العديد من الشركات العالمية .

٧- ب – و بما ان السودان مقبل علي تكامل مع العالم في المجال المصرفي ، و مقبل على ثورة في تكاملات الخدمات المصرفية عبر الهاتف السيار فان الاخذ بالتجارب من حيث انتهى الآخرون هي عين الرشد . و لكن يبقى الاستعداد الجيد من قبل جميع الأطراف – المصارف ، شركات الاتصالات ، الوزارات ذات الصِّلة ، و البنك المركزي هو الامر الذي سيحكم الاستفادة من التجارب العالمية . فهناك الكثير من المطلوبات التقنية و على مستوى الكوادر البشرية يجب الإيفاء بها للدخول الصحيح لهذا العالم . كانت النقاشات مع السيدة الوزيرة تبعث جوا إيجابيا ، فبرغم موقف الوزارة المتماهي مع بنك السودان و المتساهل معه فيما يخص تقاسم العمولات و الذي قوبل بآراء ناقدة من بعض المشاركين الا ان الوزيرة ابدت انفتاحا لا يشبه الحتميات التي تضج بها بيانات الحكومة في أمر العلاقة بين الجهات المالية و الشركات العاملة في الاتصالات لإنجاز مشروع ” الدفع عبر الهاتف السيار ”

٧- ج – استمعت الوزيرة للرأي الناقد لاندفاع وزارتها لتكون اداة في يد الجهات الأمنية لقمع المواطنين و تخويفهم عن التعبير السياسي تحت غطاء التشريعات الخاصة بجرائم المعلوماتية مقرونة بإجراءات تسجيل البيانات.

٧- د – هناك فرص ممتازة للسودان في الاستفادة من التطبيقات المتعلقة بالزراعة و الثروة الحيوانية بشكل مباشر يساهم بقوة في تحسين الانتاج و تنافسية المنتجات السودانية عالميا .

٧- ه – كانت فرصة جيدة ان جمعت منصة النقاشات الوزارية الدكتورة تهاني عطية متحدثة الي جانب وزراء و ممثلين للحكومات الامريكية و السويدية و غيرهم ، تركز الحديث حول الجوانب التنظيمية و الفنية لتخصيص الطيف الترددي للجيل الخامس .

٧- و – ان كان ثمة افكار لمقبل الدورات فيمكن ان اقول :
# العمل علي مشاركة السودان بجناح تحت العلم الوطني ، و ذلك بمساهمة من الشركات العاملة في المجال و الوزارة و الهيئة القومية للاتصالات و ذلك لاصطحاب شركات وطنية اخرى و مراكز بحثية .
# الاستعداد الجيد للإقبال الشديد علي السوق الافريقية و الذي كان واضحا تنافس الشركات العالمية عليها تجاريا بوصفها سوقا ناميا بقوة في مجال الاتصالات .
# التأكيد علي حصة شبابية في الوفود بما يتيح توطين الخدمات الجديدة و يستلهم الأفكار المستقبلية في القطاع .

٧- ز – وجوه سودانية في المؤتمر :
كان المهندس عمار الفاتح حمدين يتقاسم وقته بين مهامه الكبيرة في المؤتمر – كونه مسؤول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا لجمعية GSMA المنظِّمة للمؤتمر – و بين زملائه من الوفود السودانية . فقد كان واضحا حرصه على تسهيل مهامهم و سعيه لإعطاء قيمة إضافية للتمثيل السوداني لرفع اسم السودان دوليا بالحرص علي التنسيق الشخصي مع الوفد الوزاري ، و إقليميا لابراز الوجه المشرق لصناعة الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا، فقد كان عمار على تواصل مستمر مع الوفود السودانية ( زين و سوداتل و كنار و غيرها ) طيلة فترة المؤتمر .
شكل الشباب السوداني حضورا متميزا سواء علي صعيد العاملين بشركات الاتصالات بالسودان او العاملين بالمؤسسات العالمية ، و كانت لأحاديثهم عن قطاع الاتصالات ما يبشر بمستقبل جيد للسودان في المجال .
لفتة جميلة أن حرصت الوزيرة الدكتورة تهاني عبد الله عطية و كذلك مديرة مكتبها على الثوب السوداني المميز طيلة فترة المؤتمر ، و خصوصا في جلسة النقاش الوزارية حول التشريعات الضرورية للجيل الخامس .

* خبير في مجال الاتصالات ، طالب دراسات عليا في Brunel University London.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..