الاهتمام بالثقافة العربية والإسلامية ..كبري مشكلات التعليم

بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو ألا يتعجل البعض تحسس استنكاره واستهجانه والاتهام بمعاداة الاثنتين ..فبأي لغة اكتب مقالي ؟ وبأي لسان أتعبد ؟ فالأمر اكبر من مجرد اعتداد مجموعات متساكنة بثقافاتهم ودياناتهم .. وسعيهم إلي سيادة لغاتهم ولهجاتهم وإحيائها والمساجلات بين كتاب وباحثين تنحو أ حيانا منحي العنف اللفظي المؤسف كما يحدث بين الأستاذين الطاهر ساتي وفكري أبو القاسم مثلا هذه الأيام .. وما يكتبه بعض من أهلنا من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق في هذا المجال وردود بعض أهل الوسط والشمال باتهامات العنصرية والدعوة للتسامي عليها. فالأمر في الواقع .. هو أمر دور التعليم ومناهجه في بناء الأمة الموحدة وتنشئة الأجيال لمواجهة تحديات المستقبل مزودين بالعلوم الحديثة وتقاناتها .
وقد سكب مداد كثير في الحديث عن مشكلات التعليم وعقدت المؤتمرات وعمل بكثير مما جاء فيها.. ولكن ظل الحال على ما هو عليه .. فلم تعد مشكلات الكتاب المدرسي والإجلاس والمباني ونقص المعلمين بنفس الحدة التي كانت في بدايات تغيير سياسات التعليم .. ولا حتى مشكلات السلم التعليمي وهيكلته رغم أهمية كل النقاط ..هي العنصر المتحكم ..فلن يتغير الكثير بإضافة فصل إضافي إلي أي مرحلة لأنه ببساطة سيهدف إلي إصلاح ما بعد إضافة الفصل .. فماذا عن مشكلات الصفوف الدنيا من مرحلة الأساس والتعليم قبل المدرسي؟
ولا ادعي الابتدار بتناول هذا الجانب المهم من مشكلات التعليم .. لكن التركيز كان في كبر حجم المواد الدينية وثقلها علي الطلاب .. ولم يخل من مساجلات التيارات اليسارية مع الاسلاموية وهو مجال خصب ولا شك وضروري .. لكن الدخول إلي عمق المشكلة يتطلب التجرد من الاحتشاد في أي من الصفوف . وهو ما عاب التناول .
ويجدر بنا قبل الدخول في لب الموضوع … أن نقر حقيقة غاية في الأهمية يعرفها التربويون بحكم تخصصهم . وهي أن الأهداف العامة للتعليم لا يضعها التربويون .. بل يضعها قادة الفكر والرأي والسياسة في المجتمع .. وينبغي أن تمثل هذه الأهداف الحد الأدنى من اتفاق التيارات المختلفة في المجتمع أو محصلتها بعبارة أخري .. ويأتي الدور الفني للتربويين في تحديد كيفية تحقيق هذه الأهداف عبر المناهج وجرعاتها وفق المراحل المختلفة وفقاً للهيكلة الموضوعة للسلم التعليمي .
من هنا ينهض السؤال الأساسي : من وضع الأهداف العامة الحالية للتعليم ؟ وهل تحقق فيها شرط الحد الأدنى لاتفاق التيارات المختلفة ؟ أو محصلتها ؟
الإجابة على السؤالين معروفة للجميع .وهي أن واضعي الأهداف العامة الحالية هم التيار الإسلاموي عقب توليهم السلطة وذلك عبر مؤتمر سياسات التعليم. ولم تمثل الحد الأدنى الذي سبقت الإشارة إليه . ذلك كونها وضعت عبر منظومة متكاملة من أهداف التعليم والإعلام والاقتصاد لصياغة مجتمع أطلق عليه الرسالي في تعبير فضفاض فيما سمي جملة بالمشروع الحضاري .
إذاً فإن إنشاء ( جيل رسالي) كهدف أساسي من الأهداف العامة للتعليم لا يكتمل إلا عبر النص صراحة علي الاهتمام بالثقافة العربية والإسلامية في أهداف التعليم بأي مترادفة من التسميات . ولا تجدي أي نصوص أخرى بالاهتمام بثقافات ولغات أخري ببساطة لعاملين أساسيين هما :
? الخلفية الفكرية المكونة لجماعة الإخوان المسلمين والتزامهم الصارم تجاه الأهداف التي وضعها حسن البنا .
ولئن فُهم بالضرورة الاهتمام بكل ما له علاقة بالإسلام في وصاياه العشر ..فإن التركيز علي تعلم اللغة العربية وتجويدها كتابة و(خطابة ) يكون من باب أولي.. كونها لغة القرآن. وهذا ما يمكن ملاحظته بلا عناء في أعضاء الجماعة في كل الدول العربية والإسلامية .
? تحكم التيار الحاكم في مفاصل الدولة عبر سياسة التمكين المعروفة . فإذا مررت الأهداف في المؤتمرات بتبرير وجود نصوص تعني بالثقافات واللغات الأخرى .فإن واضعي مناهجَ وأعضاءَ في المجلس الوطني والوزراء والوكلاء المنتمون للتيار يشكلون متاريس أمام ما يرونه بعيداٍ عما هو إسلامي وفقاً لمفهومهم . وحتى لا نلقي الكلام علي عواهنه ..نسوق بعضاً من الأمثلة وهي :
1/ إلغاء مادة الأدب الانجليزي ( أعيدت من العام الماضي ) مع بداية تطبيق سياسات التعليم وبالتالي تقليص عدد حصص اللغة الإنجليزية لصالح اللغة العربية والتربية الإسلامية ..وقد علق أحد معلمي اللغة الانجليزية علي ذلك بالقول ( كيف يمكن تدريس لغة بدون أدبها ؟ )
2/ اللغط الذي دار في البرلمان حول مقرر العلوم في مرحلة الأساس لاحتوائه علي جرعة من الثقافة الجنسية . فبصرف النظر عن صحة رأيهم أو مجافاته للحقيقة .. فان المعنِي هنا التدخل لإلغاء ما لا يرونه مناسباً .
3/ في كتاب للمطالعة في المرحلة الثانوية حتى بعد اتفاقية نيفاشا مباشرة قبل انفصال الجنوب وضع موضوع واحد فقط عن المسيحية لم يتعد الصفحة الواحدة والبقية للثقافة العربية والإسلامية.
مما سبق يتضح أن كلمة الاهتمام ومترادفاتها في الواقع تعني مفهوماً مضللاًَ وملتبساً ويتحول الأمر إلى ( التركيز ) وهذا ما لا تخطئه عين.
عليه يمكن تفسير وقوع المحظور بشعور حاملي غير الثقافة العربية والإسلامية بدونية ثقافاتهم ولغاتهم في بلادهم وتمردهم وتمزق الدولة وحمل السلاح بواسطة حركات الهامش نتاجاً لاستسهال وضع الأهداف العامة للتربية والتعليم كأحد العوامل الأساسية .
إذا كان هذا عن اثر التركيز علي الثقافة العربية والإسلامية في تماسك الدولة.. فكيف جاز لنا أن نعتبره كبرى مشكلات التعليم ؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي استصحاب ما ذكرناه عن الخلفية الفكرية للجماعة الحاكمة وما ذكره مؤسس الجماعة عن تعلم اللغة العربية و(الخطابة) . إضافة إلي تراث التأليف في الثقافة العربية والإسلامية . فإنه لا يغيب عن ذهن القارئ مدي حجم المقدمات والحشو والتطويل والاهتمام بالمحسنات البديعية في كل كتب التراث الإسلامي بلا استثناء .والنقطتان السالفتان كان لهما بليغ الأثر علي العملية التربوية والتعليمية في صور شتى كما يلي:
? علي مستوي التأليف وضح الحشو والتطويل وحجم الكتب وعددها وكلف واضعي المناهج رهق التنقيح المستمر ليس لمواكبة معلومات ولكن لتخفيض حجم الكتب بالحذف بعد ما اتضح ثقل المنهج علي التلاميذ .
? علي مستوي المعلم فإنه مع ضعف مهارات الكتابة عند الطالب فقد اتجه المعلمون الي تلخيص وتنقيح الكتب .. ومع قلة الكتب في بدايات التطبيق ..وحاجة المعلم إلي مصادر دخل إضافية انتشرت المذكرات بصورة لم يعرفها التعليم مسبقاً .. وأصبحت طباعتها تجارة رائجة يتفنن الناشرون والملخصون في الأسماء التجارية . بل وحل التمارين والأنشطة الموجودة داخل الكتب ما ينسف كل الأهداف المرجوة من الكتب.وأصبحت بديلة للكتب .وأصبحت عادة مهما كان حجم الكتاب. واستشرت حتي وصلت الجامعات بما يعرف بالشيتات مما جعل المدونين للمحاضرات قلة يصور بقية الطلاب منهم باقتراب الامتحانات !!.
? دخول هاتين المادتين في ما يسمى بمطلوبات الجامعة في المقررات في كل الكليات مما يسهل شروط الفصل والملاحق لطلاب كليات الطب والهندسة خاصة في المستويات الأولى.
? اما في عملية التدريس فان الأثر أكبر مما يتوقعه أي شخص . وأنا لا أضع فرضية هنا ولكن من ملاحظاتي الأساسية بوصفي مديرا لمداس ثانوية لعقد ونصف من الزمان .. فقد أثرت ثقافة الخطابة مقرونة باداء الاعلام وثقلفة (التنوير العسكرية )في أداء المعلمين وليس بالضرورة بالفصحى المجودة .. فهذا ابعد ما يمكن توقعه في ظل تدني نسب القبول لكليات التربية .. ولكن في الشكل .. حيث أصبح الحديث من المعلم الي الطالب في اتجاه واحد في اغلب زمن الحصة .. حتى خشيت حقيقة ان يتقلص الفرق بين المعلم وخطيب المسجد الي وجود السبورة فقط ويا لها من كارثة.
ختاماً اعتذر عن الإطالة لان الموضوع لا يتحمل التجزئة .واختتم بسؤال أساسي . هل بهذه الكيفية يمكننا تمليك مفاتيح العصر لأبنائنا ؟ هذا ما سنتطرق إليه في المقال القادم بعنوان (توهان التربية و التعليم بين ثقافتي عصرين .. فتيان الشريط الاباحي دليلاً ) فالي لقاء .
…من الاخر سبب دمارنا هو التعليم,اولا بتركنا الانضمام للكومونويلث ,والانضمام لجامعة العرب,ثانيا ترك اللغة الانجليزية وإدخال العربية للبلد كلغة اولى رسمية ,دايرين حل للاجيال القادمةـ من بطن امهم لغاية ما يتخرجوا من الجامعة ـ لاننا نحن الفينا اتعرفت..ما تلفوا وتدوروا فى الفاضى ..!!
مقال ممتاز، موضوعي التناول ويعالج موضوع الساعة وكل ساعه الاهم من اي موضع اخر . يجدر بالعاملين في صفوف المعارضة ان يتمعنوا في هذا الامر لان جهودهم ستذهب هباء إذا لم يركزوا علي موضوع الاصلاح التعليمي اكثر من غيره. سنبعث الي عنوان كاتب المقال الرسالة التي وزعناها اليوم علي قائمتنا البريدية حول موضوع التعليم وهي ادناه
( 1 ) وزارة التربية والتعليم تتجه لتغيير المناهج للاساس والثانوي ( الصحف السودانية بتاريخ 19 يناير 2014 )
أعلنت وزارة التربية والتعليم العام عن اتجاه لتغيير المناهج الدراسية لمرحلتي الأساس والثانوي وأكدت
وجود مبررات منطقية تتعلق بتغيير السلم التعليمي والنظام القائم عليه المنهج ومداخلة بجانب تقارير الموجهين والمعلمين والخبراء عن واقع التعليم وشكوى الرأي العام من المناهج وضعف المقررات فضلاً عن إدخال طرائق التدريس الحديثة. وكشف المركز القومي للمناهج والبحث التربوي في الوثيقة العامة للمناهج التي قدمت في الملتقى التنسيقي الخامس والعشرين بالنيل الأزرق عن ملامح محتوى المناهج الجديدة وشملت فصل مادة الرياضيات عن مادة اللغة العربية في الصف الأول من التعليم الأساسي لتمثل كل واحدة مادة مستقلة وفك محور الإنسان والكون في مرحلة التعليم الأساسي إلى ثلاث مواد «الجغرافيا، والتاريخ، والعلوم» على أن تبدأ دراسة هذه المواد من الصف الثالث أساس وإدخال مادة التربية الوطنية ودمجها في مقرر دراسي واحد مع مادة التاريخ تسمى مادة التاريخ والتربية الوطنية في مرحلة التعليم الأساسي من«3 ــ 9» بينما في المرحلة الثانوية عبارة عن مادتين منفصلتين. وأكد المركز القومي تشكيل لجان التأليف حتى الصف الرابع بمرحلة الأساس وإخضاعها للتحكيم في اللغة والمحتوى قبل اعتمادها من إدارة المركز
( 2 ) عن صحيفة اليوم التالي ( الخميس 23 يناير 2014 ) : رئيس مشروع تغيير الزي المدرسي
صرح بأن الزي المموه الحالي سيتم تغييره بزي عادي، وذلك خلال انعقاد ورشة خصصت لهذا الموضوع.
++++
تعليق :
المغزي الاصلاحي للنظام التعليمي واضح في الخبرالاول ولكن المغزي المشابه في الخبر الثاني لايقل اهمية لان الزي العسكري المفروض علي كثير من التلاميذ والطلبه شكل ويشكل احد الوسائل الرئيسية لقولبة أذهانهم ونفسياتهم لتسهيل اجتذابهم الي ساحات الحروب الجهادية وغير الجهادية التي يشنها النظام في مختلف أرجاء الوطن.
المفارقة الكبري فيما يتصل بهذه الخطوات الاصلاحية للنظام التعليمي أن دعاة التغيير من انواع المعارضات المختلفة الشبابية وغير الشبابية، القديمة والجديدة ، يسبقهم إلي تحقيق هذا الهدف الطرف المستهدف بالتغيير، اي نظام الانقاذ. المعني بذلك ان التغيير الحقيقي الذي لاانقلابات بعده لكونه يؤدي لتعريض المقومات التحتية للشمولية التي تشكل العمق الحقيقي لمقومات النظام الي عامل التعرية الاكثر فعالية، هو تغيير العقل بتطوير العملية التعليمية. هذا الهدف غائب تماما عن اجندة المعارضين جميعا. الموجود في اجندة بعض الاطراف المعارضة هو هدف تطوير التعليم ولكن دون اسبقية نسبية علي بقية بنود الاجنده تعكس إدراكا لاهميته الاستثنائية باعتبار أن ضمان استمرار النظام الديموقراطي لتحقيق كافة الاهداف رهين بتوليد العقلية المؤهلة لاستزراع الديموقراطية كقناعة ثابتة بما يمنع التفكير في الانقلابات كرغبة لدي الجمهور العام وتنفيذ من بعض النخب.
بعد ممانعة استمرت طوال حياته المديدة وأدت الي تدمير النظام التعليمي ومعه حياة الالاف المؤلفة من الشباب، فأن إقدام النظام علي تطبيق بعض الاصلاحات التي طالب بها عشرات الخبراء والكتاب حتي بحت أصواتهم وتعبت اقلامهم، لايمكن ان يكون سببه صحوة ضمير وعقل مفاجئه. الارجح ان مسئولي النظام أدركوا ان الاستمرار في الممانعة سيثير عليهم حتي مابقي لديهم من القواعد الشعبية والنخب فضلا عن ضغط غربي خارجي بعد ان اصبح السودان مصدرا للتكفيريين. أيا كان السبب فان من المؤسف حقا الا يكون للمعارضين فضل يذكر في هذه الاصلاحات والامل ان يستيقظوا الان باتجاه ضمان تنفيذ الخطوات التي اعلن عنها.