بعد الإعلان عن تشكليها خلال أسبوعين.. الحكومة المقبلة: هل الكفاءات وحدها تكفي؟

يترقب الجميع الإعلان عن حكومة الكفاءات بعد القرارات التصحيحية التي أعلن عنها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي والتي أزاحت الحاضنة السياسية من المشهد ليعود رئيس الوزراء بعيداً عنها، وتوقع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في لقاء مع قناتي العربية والحدث أن يتم الإعلان عن الحكومة في غضون أسبوعين بعد إجراء المشاورات اللازمة، ولكن ما يترقبه الشارع هو التأثير والتحول الحقيقي الذي تحدثه تلك الفكاءات إذ أن الكثير من النماذج السابقة أكدت بأن الكفاءات وحدها ليست كافية لإدارة الفترة الانتقالية بحث لا بد بقليل من السياسة لتسيير بعض الجوانب الإدارية فهل الكفاءات وحدها تكفي لإدارة المرحلة الانتقالية والعبور بالبلاد الى بر الأمان.

الخرطوم: النذير دفع الله

أسماء وترشيحات

ووسط هذه الأجواء برزت أسماء وترشيحات لشغل عدد من المناصب الوزارية وجدت تجاوباً وقبولاً في الشارع السوداني. وكان من أشهر الأسماء المتداولة السياسي المعروف عبد الله علي مسار ومدير جامعة أفريقيا العالمية البروفيسور هنود أبيا كدوف والأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم أرباب إسماعيل بابكر فارس. كما تم تداول كثير من الأسماء والخبراء المخضرمين في مجالات الصحة والعدل والتجارة والصناعة والشؤون الدينية والأمنية والعسكرية والاجتماعية.

وقال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي هيثم محمود في مقال تم تداوله على نطاق واسع أن أمام رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عدة خيارات لاختيار وزراء ليست لديهم انتماءات سياسية، فوزارة الخارجية الخيارات فيها متعددة بدءاً من السفير عمر دهب والوزير المكلف الحالي علي الصادق، والتعليم العالي يمكن أن يتولى أمرها البروفيسور محمد أحمد الشيخ مدير جامعة الخرطوم الأسبق وأول الشهادة السودانية والطبيب والأكاديمي المعروف وكذلك البروفيسور سناء يعقوب الأستاذة بجامعة النيلين والعالمة في مجال البيطرة. ويمضي هيثم في ترشيحاته ويقول إن وزارة الشباب والرياضة يجب أن تعطى لأهلها الذين لا حزب لهم سوى الرياضة ويمكن أن تسند للسفير د. حيدر حسن حاج الصديق الشهير بعلي قاقرين كابتن السودان والهلال في العهد الذهبي والإداري والدبلوماسي السابق أو الكابتن السابق للمنتخب الوطني ونادي الهلال هيثم مصطفى والأخير من شباب الثورة. وقال هيثم في مقاله إن وزارة التربية والتعليم يمكن أن تسند لتربوي مختص وما أكثرهم في بلادي وفي مقدمتهم خبير المناهج د. زايد بركة أو د. قريب الله محمد أحمد الوزير المكلف بولاية الخرطوم والذي وضع بصمته خلال فترة وجيزة بالإضافة لعبد الرحيم سالم مدير المناهج الأسبق وخبير المناهج البروفيسور عمر حاج الزاكي، ويضيف هيثم: (وزارة الإعلام يمكن أن تسند للأستاذ خالد الإعيسر الإعلامي الشهير ومدير قناة النيلين السابق وأحد شباب الثورة أو الأستاذ إبراهيم محمد الحسن مدير شركة زين السابق ومدير قناة سودانية 24 أو السفير الطريفي كرمنو الناطق السابق باسم وزارة الخارجية).

حكومة حقيقية

بينما قال خبراء ومحللون سياسيون إن جهود تصحيح مسار الثورة التي أعلنها البرهان وأيدها نائبه الأول محمد حمدان دقلو بجانب قطاع عريض من الشعب السوداني يجب أن تثمر حكومة كفاءات حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها وتعبر بالانتقالية لانتخابات حرة ونزيهة برؤية متقدمة وأعمال ملموسة، وأضاف الخبراء أن جهود نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو والفريق عبد الرحيم دقلو كانت ملموسة في القرارات التصحيحية. بجانب سعيهم لتأمين الفترة الانتقالية وحماية البلاد من المهددات الأمنية عبر قوات الدعم السريع التي وقفت بقوة مع القوات النظامية الأخرى لتأمين الحدود والولايات وحماية الثورة، وأضاف الخبراء أن القرارات التصحيحية أجهضت خطط قوى إعلان الحرية والتغيير التي حاولت باستماتة استبعاد الكفاءات المستقلة لتمكين عضويتها من المناصب في أسوأ خيارات مما أثر على الأداء التنفيذي الذي أظهر عجزاً كبيراً في السيطرة على الأزمات السياسية والاقتصادية وأنتج أحداثاً مؤسفة جثمت على صدر الشعب السوداني لأكثر من عامين.

نماذج سابقة

وكان الرئيس المخلوع عمر البشير أصدر مرسوماً جمهورياً خلال مارس من العام 2019  بتعيين 21 وزيراً اتحادياً و18 وزير دولة. وكان الرئيس قد حل الحكومة في 22 فبراير من ذات العام لصالح اختيار حكومة كفاءات، وعين ولاة عسكريين وأمنيين على الولايات قبل أن يعلن سريان حالة الطوارئ بالبلاد. شكلت حكومة الوفاق الوطني من 31 وزيراً اتحادياً وأكثر من أربعين وزير دولة، أعيد تشكيل الحكومة نحو ثلاث مرات في محاولة لتحسين الأداء وخاصة الاقتصادي منه ولكن دون جدوى.

عدم محاصصة

القانوني وعضو اللجنة القانونية للحرية والتغيير الدكتور نبيل أديب قال لـ(اليوم التالي) إن المقصود بالكفاءات هو عدم المحاصصة الحزبية وقفل الباب أمام الأحزاب للمشاركة في الفترة الانتقالية مضيفاً أنه لا بد من بعض المعرفة السياسية لتلك الكفاءات حيث تم الاتفاق خلال المرحلة المقبلة على استبعاد الأحزاب وذلك لعدم المحاصصة وأوضح نبيل: يجب أن يكون هناك إلمام معرفي ولو اليسير لتلك الكفاءات التي تتقلد بعض المناصب خلال المرحلة المقبلة مشدداً على أنه لا يمكن تعيين أي شخص ذو أمية سياسية وغير ملم بتفاصيل العمل السياسي فهم بذلك لا يصلحون لإدارة المرحلة والعبور بالفترة الانتقالية مطالباً الأحزاب والقوى السياسية بأداء دورها السياسي الحقيقي بعيد الفترة الانتقالية.

الاستشهاد بالمناذج

نائب رئيس حزب الأمة القومي إبراهيم الأمين أوضح لـ(اليوم التالي): يجب الاستشهاد بالمناذج السابقة والكوادر المستقلة التي شاركت في الحكومات السابقة وعلى ضوء تلك النماذج يمكن القياس بين مساوئ الكوادر ذات الكفاءات ومحاسنها مضيفاً أن جميع الأحزاب السياسية يمكن أن تعبر عن رغبتها في الفترة الانتقالية ومن يمثلها ولذلك فإن عملية الاستفتاء حول دور الكفاءات  خلال الفترة الانتقالية لا يمكن طرحه للأحزاب السياسية، وإنما الاستشهاد بالنماذج وكشف إبراهيم أن الحزب قدم مقترحاً ورؤية  خلال الاتفاق حول الوثيقة الدستورية وهو مقترح (التبعية المزدوجة) بأن لا يرشح أي شخص لمنصب دستوري يمتلك جنسية مزدوجة ولكن انقسم الجميع الى شقين حيث وافق البعض، بينما رفض البعض الآخر هذا المقترح، وأكد إبراهيم أن عملية مشاركة الكفاءات خلال الفترة الانتقالية هي رؤية ذات توجه عام وليس للأحزاب.

فشل الإدارة

الكاتب والمحلل السياسي رئيس تحرير صحيفة التيار الأستاذ عثمان ميرغني قال لـ(اليوم التالي) إن مصطلح كفاءة لا يعني أنه يتعلق بالعمل السياسي فهو مصطلح في هذه الحالة استخدم في غير موقعه إذ يمكن أن يكون هناك شخص يمتلك إمكانات علمية كبيرة  ولكن هذا لا يعني أنه يجيد العمل السياسي ويصلح لإدارة مؤسسة ما، فمثلاً يمكن لوزير الزراعة أن يكون شخصاً مؤهلاً عملياً ولديه خبرة كبيرة ولكن فاشل في إدارة المؤسسات.

وأوضح عثمان أن وزارة الصحة الاتحادية في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري كان يتولى أمرها بعض العسكريين وكانوا ناجحين جداً في إدارتها وتسييرها أفضل من الأطباء أنفسهم مؤكداً أن النجاح والكفاءة لا علاقة لهما بالشخص المحدد أو الوزير، وإنما هي عملية تسلسل إداري بيدأ من الخفير وينتهي بالوزير.

توافق سياسي

مدير مركز الراصد البروف الفاتح محجوب أكد لـ(اليوم التالي) أن الإشكالية والإخفاق كانت واضحة في أداء حكومتي حمدوك الأولى والثانية السابقتين بحيث كان العمل التنفيذي فيهما ضعيفاً من خلال تدهور الخدمات وقطاعات الإنتاج في الاقتصاد، وأوضح محجوب أن الناتج الكلي للإنتاج في السودان في العام 2018 كان 92 مليار دولار وفي العام 2020 تدهور الناتج ووصل الى 18 مليار دولار أي أقل من الخمس وارتفع الفقر الى أكثر من 60%.

وأشار محجوب الى أن التدهور الاقتصادي له صلة مباشرة بأداء الحكومة لذا لا بد للجهود الحكومية أن تقوم بإصلاح الإنتاج مبيناً ان التدهور الذي طال الخدمات وقطاع الصحة والتعليم كان بسبب الأداء الحكومي السابق في فترة حمدوك الأولى والثانية حيث تدهورت المصارف وهاجرت رؤس الأموال للخارج

وأضاف محجوب أن حكومة الكفاءات التي ينادي بها رئيس الوزراء يجب أن تنعكس على حياة ومعاش الناس وليس على الوضع السياسي لأن الأزمة الحالية هي أزمة اقتصادية بحتة وهي التي أدت لرحيل الرئيس البشير، بل انعكست الأزمة أيضاً على الأجهزة النظامية والمنتسبين لها والذين كانوا سبباً رئيساً في الضغط على البرهان لينحاز إلى خيار الشعب، عليه المطلوب من الحكومة الجديدة أن تعمل على قطف ثمار حكومة حمدوك السابقة خارجياً وداخلياً في تحسين معاش الناس وقال محجوب إن مهمة الوزراء القادمين أو الكفاءات لا تتمثل في التوافق السياسي، وإنما الاهتمام بأداء وزاراتهم وعلى رئيس مجلس السيادة والوزراء العمل على أهمية التوافق السياسي والوصول لانتخابات مرضية وقبول نتائجها لكل الأطراف ومشاركة جميع القوى السياسية في الانتخابات بلا استثناء.

كفاءة وسياسة

المحلل السياسي الدكتور شوقي عزمي قال لـ(اليوم التالي) إن  العملية لا علاقة لها بالكفاءات أو السياسة وحدها وإنما الأمر مرتبط بعضه ببعض بحيث لابد أن يتمتع الوزير أو الشخص المعني بكفاءات عالية وقدرات سياسية مهما كان انتماؤه لأي تنظيم سياسي إذ لابد للشخصيات القادمة الإلمام السياسي والكفاءة الحقيقية من أجل قراءة الواقع والأحداث العالمية وربطها بالواقع السوادني وتحليلها من أجل اتخاذ قرار سليم وحقيقي مبيناً أن أي نقص في الكفاءة العلمية يقود للنقص في المقدرات السياسية والعكس فإن النقص في الأداء المهني لديه تأثير في المقدرات العملية عليه لا بد من المعرفة السياسية الحقيقية وتقوية هذا النشاط باختيار مجلس تشريعي ذو كفاءات سياسية وذات خبرات يقدم النصح والإرشاد للوزراء سواء كانوا تكنوقراط أو سياسيين.

اليوم التالي