أخبار السودان

السودان إلى أين ؟!

حامد إبراهيم حامد

لا أحد حتى من قادة الحزب الحاكم في جميع مستوياته لديه إجابة واضحة حول إلى أين يسير السودان بعدما انفصل ثلثه وأصبح أكثر من نصفه الآن تحت نيران الحرب التي امتدت من دارفور غرباً حتى الحدود السودانية -الإثيوبية شرقاً وبعدما أصبح الوضع الاقتصادي على شفا الانهيار الأمر الذي جعل وزيرالخارجية يُطالب علناً لأول مرّة على رؤوس الأشهاد بباريس بضرورة إنقاذه من الانهيارالوشيك الذي أصبح واقعاً لا تنفع معه التخديرات المتمثلة في الدعاوى للإضراب عن شراء السلع الضرورية العالية السعر ومن بينها اللحوم والخضراوات

فالسودان في عهد الإنقاذ اختطّ طرقاً عدّة كلها خاطئة لأنها تقوم على حل فقه الضرورة من أجل إيجاد المخارج من الأزمات الطارئة والمتصلة للحفاظ على السلطة دون دفع مستحقات هذه الأزمات وباالتالي فالحلول لم تكن ناجعة ولم تتلمس أسباب الأزمات بل حاولت تسكينها بإجرءات مرحلية بدون قناعات راسخة لدى أصحاب العقد والحل وبالتالي قادت إلى فشلها واستدامتها وأقلمتها وبالتالي تدويلها بحيث أصبح الجميع بمن فيهم الحكومة ينتظرون الحل الخارجي لأي أزمة طارئة. بسبب فقدان الجميع الثقة في أي حل داخلي رغم أنه كان في تناول اليد قبل الاستفحال.

فحكومة المؤتمر الوطني أدخلت السودان في أزمات تلو الأزمات، فهي سهّلت انفصال الجنوب الذى كان في نظر البعض من النافذين سرطاناً يجب بتره من أجل تمكين باقي السودان من التعافي، ولكنها لم تكن مؤهلة لقيادة ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب، فهي لم تضع أي خطة لا سياسية ولا أمنية ولا اقتصادية لمعالجة آثار انفصال الجنوب ولذلك ظهر جنوب جديد بأزمات الجنوب السابق بتجدّد الحرب المخطّط لها محلياً بدون وعي في جنوب كردفان والنيل الأزرق وفي التوتر المتصاعد في أبيي وفوق كل هذا النقص في إيرادات الدولة بسبب نقص عائدات البترول الذى ذهب جنوباً وذهبت معها حتى الوعود الصينية بمنح قروض ميسّرة للخرطوم مثل قرض كهرباء أبوحمد، والذي اعترف الرئيس عمر البشير شخصيًّا ولأول بأن الصين تلكأت في منح السودان القرض وربطتها بالنفط والجميع يُدرك أن النفط ليس سودانيًّا وإنما جنوبي وهذا يعني رسالة واضحة من بكين للخرطوم بأن عليها التخلي عن سياسة ليّ الذراع التي تُمارسها ضد حكومة الجنوب لتصدير نفطها عبر الشمال لأن هذا النفط صيني – جنوبي وليس جنوبياً صرفاً.

فالأزمات تكالبت على الحكومة والتي لا تُريد دفع مستحقات هذه الأزمات وإنما من الآخرين من الأحزاب مشاركتها في الحل المرحلي، فالمؤتمر الوطني الذي يعيش أزمة طاحنة يُفاوض الأحزاب من أجل المشاركة في الحكم بالطريقة التي تضمن له مواصلة سيطرته على مفاصل الدولة بدون تعديل البرامج والخطط بل إرغام الجميع على تنفيذ برنامجه وفقاً للجهورية الثالثة التى لا يعرف أحداً ما هي هذه الجمهورية وشروط قيامها ولكنها حتماً لن تختلف عن جمهورية الإنقاذ منذ عام1989 التي قادت السودان إلى هذا الوضع.

فالسؤال المطروح هل أعدّت الحكومة العدّة لانفصال الجنوب وذهابه بدولة بجديدة؟ بالطبع الإجابة واضحة والحكومة لم تُعدّ أي عدّة وإنما تعاملت مع الواقع الجديد من منطلق المعالجات الوقتية للأزمات وبالتالي وقعت أزمات الجنوب الجديد ممثلة في جنوب كردفان والنيل الأزرق لأن الحكومة لم تتحسّب للمعالجات السياسية للواقع الذي خلقته اتفاقية نيفاشا والتي قنّنت وجوداً سياسياً للحركة الشعبية التى تغلغت في كل الشمال وأصبحت حزباً لها أعضاء ومكاتب ومشاركة سياسية وتنفيذية وتشريعية رسمية مع وجود مسلح مقنن وفقاً للاتفاقية ولكن مع ذهاب الجنوب قرّرت الحكومة فجأة التعامل الحاسم مع الحركة الشعبية في الشمال واعتبرتها حزباً أجنبياً ومن هذا المنطلق دخل قطاع الشمال الذى يقوده مالك عقار وياسر عرمان في متاهات التجريم والملاحقة وعدم الاعتراف بقرار فجائي من مجلس الأحزاب الذى كان غائباً.

من الواضح أن الملفات المفتوحة أكبر من إمكانات المؤتمر الوطني وعليه أن يعترف بذلك، فالجنوب القديم قد ذهب لحاله ببتروله وأزماته القبلية والطبيعية ولكن أزمات الشمال استفحلت وزادت شدّة مع رفض الدول والصنادي فالعبرة منح الحكومة أي تمويل لمواجهة الأزمة الاقتصادية وانهيار الاقتصاد السوداني، فالزراعة أصبحت في خبر كان بعدما تلاشى مشروع الجزيرة وتدني إنتاج المشاريع الأخرى، والسودان مواجه بأزمة غذاء كبرى لم تحسب لها الحكومة التى تُصرّ على أن الموسم الزراعي بخير رغم أن كل المؤشرات تُؤكد فشل الموسم المطرى في كل أنحاء السودان بسبب شح الأمطار وما أعلنه أحد مراكز التنبؤات الجوية الأمريكية من ان 80% من المحاصيل الزراعية الصيفية بالسودان تُعاني من الجفاف ما هو إلا إنذار مبكر للحاق السودان بمحيطه من دول القرن الإفريقي.

فكيف يُواجه السودان هذا الأزمة الجديدة وهي أزمة نقص الغذاء والحكومة تنكر وجود أي فجوة غذائية بل تتبرّع بكميّات من الذرة لدول الجوار؟ والصحف الموالية لها تتحدّث عن مجاعة طاحنة بدولة الجنوب والتى لا تزال تتلقى الاعانات والاغاثات الدولية والتى بدأت منذ عام 1987 بعملية شريان الحياة المعروفة؟ من الواضح ان هناك تناقضاً في الخطاب الحكومي، تجاه هذه الأزمة الجديدة والتى لم تتحسّب لها بدليل تبرّعها بالذرة لكل دول الجوار الشرقي التى تعاني أوضاعاً متشابهة فيما تُهمل المجاعة المعلنة محلياً في مناطق طوكر بشرق السودان.

أزمات السودان متشابكة ولا يجب معالجتها بمعزل عن بعضها بعضاً، فجنوب كردفان تداخلت مع أبيي وتداخلت معهما النيل الأزرق وهي جميعها مرتبطة باتفاقية نيفاشا وهي جميعها مرتبطة بازمة عدم الثقة بين الشركاء، والتالي فلا حلّ لها إلا بتدخل خارجي لأن الشريك الأصغر لن يقبل بالشريك الأكبر الذي يُفسّر أي بند لأي اتفاقية لصالح أوراقه، ومن هنا كان التدويل، فالقول: إن حل الملفات العالقة بين المؤتمر الوطني والجنوب يجب أن يتم ثنائياً وليس عبر وسيط خارجي لن تقبله دولة الجنوب ولا شريكته السابقة الحركة الشعبية قطاع الشمال، لأن القضية واضحة وهي أزمة الثقة ولن يتم حلها الا بوجود ضامن خارجي ولذك كان الإصرار على أهمية لجنة تامبو |أمبيكي التي يرفضها المؤتمر الوطني.

وأزمة دارفور التي تقول الحكومة إنها حلتها باتفاقية الدوحة يبدو أنها في طريقها للانطلاق من جديد خاصة مع قيادة الحركات المناوئة للحكومة تحالفات واسعة داخلية وخارجية كما أن الأحزاب المعارضة للحكومة ستجد نفسها مضطرة لركوب موجة المعارضة وربّما قيادة الشارع الذي أصبح مهيأً لمن يقودها، فالحكومة رغم أنها بمقدروها محلياً حل الأزمات السياسية الداخلية بإشراك الأحزاب وتقديم تنازلات لها إلا أن معالجة الأزمات الأخرى ليس بمقدورها خاصة الأزمة الاقتصادية الحادّة لأنها مرتبطة بالإنتاج والعلاقات الخارجية، فالحكومة تخلت عمداً عن الزراعة والإنتاج الحيواني واعتمدت على عائدات النفط طوال السنوات العشر الماضية وعندما ذهب الجنوب ذهبت معه عائدات النفط وفشلت الحكومة في تعويض عائدات النفط رغم ادعاءاتها المتكرّرة بأن الوضع الاقتصادي مُؤمّن ولكن وضح للجميع أنه بعد مضي شهرين من الانفصال أن الحال ليست كما كانوا يدّعون ولذلك أعلن وزير المالية أهمية ربط الأحزمة وتخلى عن كلامه السابق باكتمال الاستعدادت لمواجهة النقص في عائدات النفط ببدائل أخرى.

لقد تشابكت الأزمات وتعاظمت وتحالفت في مواجهة الحزب الحاكم الذي أعلن جمهوريته الثانية التي ربّما لا مكان فيها إلا لمن يرضى عنهم من الحلفاء وهو ينظر للربيع العربي بأنه من صنيعه ولكن فات عليه أن الثورة سترتد هذه المرّة عليه لأن الشعب السوداني صبر كثيراً ولم يحصد إلا الندم ووضح له أن يعيش في واد غير ذي زرع. ولكن السؤال المطروح إلى أين سيقود هؤلاء السودان هذه المرّة بعد أن فقد ثلثه وأكثر من نصف موارده؟

الراية

تعليق واحد

  1. إلى أين يسير السودان؟ لا أعتقد أن هناك أحد يستطيع الاجابة على هذا السؤال الشائك. سفينتنا تمخر عباب البحر بدون ربان و لا بوصلة و لا أجهزة ملاحة، تسير على غير هدى، هل تسلم من الأمواج المتلاطمة و اذا سلمت فأين سترسو و هى أصلا لا تعرف وجهتها.
    حال هذه السفينة هو بالضبط حالنا فى سفينتنا التى يقودها المؤتمر الوطنى، غياب تام لأى رؤية أو خطة لا سياسية أو أمنية أو اقتصادية ، تخبط فى السياسة الخارجية و انعدام تام للحكمة، صرف بذخى على أجهزة أمن النظام و منتسبيه و صرف الأموال الطائلة على تشييد أبراج و فلل رئاسية لا فائدة اقتصادية منها و غياب المنهجية و الحوكمة و استشراء الفساد المالى و الأخلاقى و غيرها من الموبقات، فكيف المخرج؟ الله وحده يعلم.

  2. المشكلة انو الزول البتكلم عن السودان وعارف مشاكلو وضعو كويس وعايش المسكين لا عايش لا بتكلم طيبة حقت بلادة وبس

  3. فشل المسروع الحضارى – فشل الآسلام – فسل الكيزان – أطلعوا منها وخلوها براها بتصلح !!

  4. ولماذا لا يتجه الى الهاويه وقد قسمت اشلاؤه ونهبت ثرواته واصبح المواطن فيه غريبا واندلعت الحروب فيه فى اى ركن من اركان حدوده واصبحت اى اقليه تحمل البندقيه والسلاح تحظى بعدد من المناصب الدستوريه مما اضعف الحكومه سياسيا واقتصاديا وجعل هيبتها تتهاوى وما قضية الجنوب منكم ببعيده.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..