أخبار السودان

عشوائية الأداء الحكومي تهدر موارد البلاد

الميدان: قرشي عوض

اتسم الأداء الحكومي طوال العهد الوطني بالعشوائية والتخبط. ما تسبب في تفاقم المشكلات الاجتماعية التي ظلت بلا حلول مدروسة. إلى جانب إهدار موارد البلاد. والتي بلغت في السنوات القليلة التي سبقت ثورة ديسمبر أكثر من 9 بلايين دولار في قطاع النفط والمعادن بحسب ما أفادت به منظمات رقابة دولية. كما أوردت الميدان في أعدادها السابقة.

وتتجلى تلك العشوائية في عدم وجود خريطة تعدينية توضح حجم المعادن وتوزيعها الجغرافي. مما يجعل موقف الحكومة ضعيفاً في التفاوض مع شركات الامتياز الأجنبية. وينعكس في قلة وندرة التقارير التي تم إعدادها لمعالجة الظاهرة. ذلك برغم قدم التعدين في السودان والذي يرجع إلى أيام الممالك النوبية والفرعونية القديمة. ويعود بشكل منظم من قبل الدولة إلى العام 1905. حيث أقامت حكومة العهد الثنائي المكتب الجيولوجي الحكومي، والذي صار وحدة في العام 1936 وترقت في عام 1953 إلى مصلحة المساحة الجيولوجية. وسميت مصلحة الجيولوجيا والثروة المعدنية في عام 1967. وفي عام 1986 تحولت إلى الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، وأخيراً لوزارة المعادن في عام 2010.

لكن برغم هذا التاريخ الموغل في القدم للجهد الإداري الحكومي في مجال التعدين إلا أن تحليل تجاري عن صادرات النفط والذهب حديث صادر في مايو 2020 عن هيئة النزاهة العالمية أشار إلى أنه ليس هناك دليلاً واضحاً أن حكومة السودان تتفهم بشكل واضح وبشكل شامل أماكن وعدد مواقع مواردها الطبيعية المتاحة. وهذا الوضع يضع الحكومة في موقف تفاوضي ضعيف عندما تتفاوض حول منح عقود امتياز أو استكشاف للشركات الأجنبية. كما أوضح التحليل أيضاً غياب سجل فعال للأراضي يوضح بيانات الملكية مما يعطل مجهودات التزام الشفافية المالية ومن يملك وماذا وكم دفع.

ما يحدث كما أوضح مصدر بوزارة التجارة للميدان هو أن شركات الامتياز الأجنبية تذهب إلى مربعات التعدين وتقوم باستكشاف الذهب وحجمه واعماقه، ثم توقع معها الحكومة العقد استناداً على المعلومات التي أوضحتها وبناء على الثقة فيها. لأن الحكومة ليس لديها ما يثبت هذه المعلومات أو ينفيها لأنها لا تمتلك خريطة تعدينية ولا تعلم مواردها الطبيعية على وجه الدقة.

هذه الحقيقة يثبتها تقرير حكومي صادر في نوفمبر 2011 عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء بخصوص تهريب الذهب. والذي أوضح أن الهيئة الجيولوجية قامت بإعداد الدراسات والخرائط الجيولوجية والجيوكيميائية والجيوفيزيائية ودراسة التراكيب الجيولوجية لأجزاء ومساحات محددة من أرض السودان بالتفصيل لمعرفة احتياطاتها المعدنية. ولم يشير التقرير إلى تلك المناطق التي وصفها بالمحدودة مما يؤكد أن الدولة لا تملك معلومات للمعادن في كل السودان ولكن في أجزاء منه. وقد أثبت التنقيب العشوائي أن الذهب موجود في كل السودان.

وكشف التقرير بأن ما يربو على الـ 150 موقعاً لمخزونات الذهب في المنطقة ما بين جبال البحر الأحمر ونهر النيل حظي عدد قليل منها بدراسات تفصيلية في حين أن عدد المربعات المصدقة للذهب والمعادن المصاحبة له أكثر من (114) مربعاً في ذلك التاريخ أبرمت حولها اتفاقيات قسمة الإنتاج. وأن الاحتياطي المؤكد من الذهب حتى ذلك الوقت (200) طن والاحتياطي المحتمل أكثر من (350). ورغم ورود كلمتي المؤكد والمحتمل ولكن لا توجد إشارة إلى ما يدعم هذا التأكيد أو الاحتمال. وهذا هو الحال في كل المعادن كما وردت في التقرير، كلها تقوم على الاحتمالات والاعتقاد بلا استناد لعدم وجود دراسات في المجال كما أشار التقرير نفسه هذا بالإضافة إلى إفادات مختصين في المجال. فقد أكد المهندس الشريف عمر مدير إدارة المحاجر بنهر النيل في إفادته للميدان أن الحكومة من الممكن أن تكون على علم بالتوزيع الجغرافي للمعادن ولكن لا تتوفر معلومات عن حجم المعادن والاحتياطي. وأن تقارير الذهب تعتبر غير دقيقة لأن معظم الإنتاج عشوائي. وأضاف علاء الدين علي رئيس قسم التعدين بجامعة الخرطوم للميدان أن الدراسات في مجال المعادن تقوم بها هيئة الأبحاث الجيولوجية، ولكن معظم هذه الدراسات أولية وهنالك مساحات شاسعة لم تدرس. ويستشهد علاء على ذلك بأنهم عندما كانوا طلاباً لم يحدثوهم عن وجود الذهب في الشمالية ونهر النيل وجبال النوبة وغيرها. وأشار علاء إلى توصيات في قطاع التعدين أعدتها الأجسام الثورية والمهنية ولكن لم يعمل بها وظلت حبيسة الأدراج. مثل خطة قطاع التعدين التي قدمتها مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم وخطة تجمع الأجسام المطلبية وخطة تجمع الجيولوجيين السودانيين والتجمع المهني للعاملين بالهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية.

وقد كونت الأجسام المذكورة فيما بينها تجمع كيانات قطاع التعدين. وقامت بعمل ممتاز لأكثر من سبعة أشهر لتطوير القطاع. وتم عرضه على لجنة الحرية والتغيير الاقتصادية. وتمت إجازته في المؤتمر الاقتصادي في سبتمبر 2020.

وهذا يعني أن العشوائية والتخبط اللتان يتسم بهما قطاع المعادن مستمرتان. مما يفتح الباب واسعاً لاستمرار نزيف الموارد خارج الخزانة العامة. وإن الأموال المهدرة خلال السنوات التي سبقت الثورة قدرتها منظمة النزاهة الدولية بأنها كافية لتطوير قطاع التعليم في بلد ينال الفرد فيها فقط 8 سنوات من التعليم إلى جانب تقديم الضمان الاجتماعي. ولعل هذا يعطينا فكرة عن لماذا ظل السودان قابعاً في قائمة الدول التي لم تنجز أهداف الألفية في التنمية الاجتماعية، رغم موارده الهائلة.
________
الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..