مقالات سياسية

قطع اليد وقطع العشم

عندما كَانَ السودان يَعيش ظروفاً طبيعية كان من أهم صفات الشخصية السودانية إنّها مُسالمة إلى حدٍّ كبيرٍ ونتيجة لتغيّر الظروف و(الهَملة) التي وَقَعَ فيها المُواطن والإهمال الرسمي ظَهرت فيه صفات لم تكن موجودة أهمها العُنف الذي جاء به مشروع الإنقاذ الحضاري فأنتج كل ما يجعل المواطن السوداني ينحرف حتى أصبح عدو نفسه، فأصبح في نظرها متفلتاً يحتاج إلى حسم وتأديب بالقوة.
الإنسان في دارفور هو الإنسان السوداني نفسه، سياسات الحكومة الحالية هي من حوّلت حياته الى جحيم وجعلته يعيش في ألا دولة وفي دوامة من الفقر والجهل والعطالة وغياب القانون والعدالة ورغم ذلك تستغله سياسياً ثم جاءت الحركات المسلحة لتزيد الطين بلــه، وبعد سنوات من الفوضى والحروب وجد المواطن نفسه يعيش في بيئة توفرت فيها كل الإغراءات التي تقود الى العُنف والجريمة، فانجرف الكثيرون خلف أنفسهم الضعيفة وأصبح الإجرام لديهم مهنة أهّلتهم لها الحكومة وملّكتهم كل المهارات اللازمة.
الحكومات الواعية تعرف كيف تستفيد من السمات الاجتماعية التى يتمتّع بها شعبها فتوجهه لخدمة نفسه ووطنه من خلال ما توفره له من مناخ يدعم السلوك الإيجابي والتغيير المستمر نحو الأفضل، ما فعلته حكومة المؤتمر الوطني هو العكس لم تستفد من ميزات الإنسان ولا خيرات السودان.
الآن الحكومة تبحث عن مَخرج لتلك الفوضى التى صنعتها هي بيدها في دارفور بعد أن انجلت حربها مع الحركات المُسلّحة، وتستخدم نظرية (البصيرة أم حمد) فبدلاً من أن تعترف بخطئها وتحاول إرجاع الإنسان بهدوءٍ ورفقٍ من خلال سياسات اجتماعية علمية مُتقنة تفعل العكس، فهي تتوعّد المواطن بالحسم بالقوة مع إنها جرّبت القوة والتهديد ألف مرة وحصدت نتيجة أسوأ بكثير مما تتوقّع ورغم ذلك لا تتّعظ.
وزارة الداخلية في مُحاولة يائسة لحسم تلك الفوضى تتوعد سارقي السيارات في دارفور بقطع اليد، وقالت إنها ستتخذ إجراءات مشددة لمنع تهريب السيارات عبر دارفور، مقبول أن تتخذ الحكومة إجراءات مشددة ولكن لماذا قطع اليد، فهل هي تريد أن تطبق الشريعة إن كان كذلك فيجب أن تبدأ هي بنفسها، وإلا فلا يجب أن تتكلم عن حدود الله للاستهلاك والتهديد، فالشريعة لا يهدد بها الناس ولا تتجزأ وتطبق على هواها هي، فلماذا سارقــو السيارات في دارفور وهناك من سرق أكثر منها وهنا في قلب العاصمة وأمام عينها، أم إنها ستترك الشريف يسرق ولا تعاقبه وتعاقب الضعيف.
إن صدقت الحكومة ونفّذت ما تقول فهي لا تقطع أيادي السارقين فحسب، بل ستقطع العشم تماماً في أن يعود الاستقرار إلى دارفور، وستحشر نفسها في نفق أسوأ مما كانت فيه وستصنع عصابات تعجز عنى مُواجهتها.
لا أعتقد أن السرقة وارتكاب الجرائم أمرٌ ممتعٌ، ولا أعتقد أن الذين يفعلون ذلك من المُواطنين في دارفور هم سُعداءٌ، ولا شك إنهم يستحقون الشفقة والمساعدة قبل العقاب.
لسنا ضد أن تنعم دارفور بالاستقرار وتتوقّف كل الجرائم، ولكن الجريمة لا تُعالج بجريمة أكبر منها، والظرف في دارفور يتطلّب من الحكومة أن تتقي الله قبل أن تَتَحَدّث عن حُدوده وسياسة …

التيار

تعليق واحد

  1. من الصعوبه بوطن ان يرجع المواطن السودانى تانى للهدؤ والطيبة والرزانه والحياه والبذل والعطاء صعب الا ربنا يامر بذلك اصله شاف كتيير وكل يوم فى هم. ربنا يوفقك ويحميك من الذين لايخافون الله وقديما قالوا من لايخاف الله خافه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..