ولن تكتمل الصورة

حاطب ليل
ولن تكتمل الصورة
د.عبد اللطيف البوني
في مداخلة لي في برنامج حتى تكتمل الصورة وفي الحلقة التي كانت مع الدكتور المتعافي قلت للاستاذ الطاهر ان الصورة عن مشروع الجزيرة بصفة خاصة والزراعة بصفة عامة لن تكتمل في حلقة او حلقتين ويمكنني ان اضيف هنا ولو وانفق الطاهر بقية عمره المديد ان شاء الله في الحديث عن الزراعة وذلك ببساطة لان بلاويها متلتلة ومن عدة فاعلين وان جينا للحق سوف نجد ان كل ما يطرحه الطاهر من قضايا في برنامجه لن تكتمل صورته ويبدو انه لهذا الامر اختارعنوانا متحركا لبرنامجه فالفعل المضارع يفيد الاستمرارية فالهدف هو الدفع بالقضية للمشرحة لكي يعمل المتلقي مبضعه فيها حيثما كان موقع ذلك المتلقي ولعل في هذا يرجع السبب لنجاح البرنامج الباهر
في حلقته الاخيرة عن مياه النيل تناول البرنامج موقف السودان من اتفاقيات مياه النيل من زاوية قانونية بحتة حيث كان المستضافان الدكتور المفتي والدكتور سليمان محمد سليمان وهما قانونيان ضليعان وكان موقفهما متعارضا من اتفاقية عنتبي الاطارية التي وقعتها دول منابع النيل وعارضتها كل من مصر والسودان فالمفتي يرى ان السودان يجب ان يعتصم بموقفه الرافض للاطارية وسليمان يرى ان يوقع السودان عليها والشهادة لله كان الحوار متقدما وراقيا ومثمرا رغم عدم الاتفاق بين الضيفين فبمثل هذا الطرح يمكن لمتخذ القرار في السودان ان يصل للقرار الاقرب للصواب
العبد لله كاتب هذه السطور من انصار ان يوقع السودان على اتفاقية عنتبي الاطارية وقد سبق لي ان كتبت هذا الامر في هذا المكان من قبل وهنا اجد نفسي متفقا مع الدكتور سليمان ولكنني متفق مع الدكتور المفتي في انه يمكن للسودان ان يتفاهم مع دول عنتبي الست ومع مصر ومع الدولتين اللتين لم توقعا اي لايكتفي بالتنسيق مع مصر وحدها وذلك لكي يكسوا اتفاقية عنتبي روحا جديدة وان تعثر تعديل بعض بنودها فرفض السودان ومصر السريع والايجازي للاتفاقية اكسبها روحا عدائية وهذه هي المشكلة الحالية ومع ذلك فان هذا ليس هدفي من كتابة هذا المقال
اعجبتني مداخلة الباشمهندس حيدر في البرنامج التي فهمت منها ان قضية مياه النيل ليست قانونية بحتة بمعنى ليست من اختصاص القانونيين وحدهم انما هناك جوانب اخرى منها السياسية والاهم الفنية وهذه من اختصاص اهل الجلد والراس في مياه النيل وهم المهندسون فامامي الان ورقة في غاية الاهمية كتبها احد علمائنا الافذاذ وهو المستشار الهندسي البروفسير محمد الرشيد قريش خلاصة قول البروف من ورقته العلمية الكبيرة والمقنعة ان السودان يضيف للنيل الازرق ايرادا سنويا متوسطه 36 مليار متر مكعب وللنيل الابيض واحد ونصف مليار متر مكعب واذا اضفنا اجمالي التبخر في الخزانات والمستنقعات تكون اضافة السودان للنيل بشقية اكثر من 50 مليار متر مكعب هذا يعني و(من الاخر كدا) ان السودان دولة منبع وليس دولة ممر فقط
من المؤكد ان ماقاله البروف قريش قابل للاخذ والرد ولكن معلومة خطيرة مثل هذه بافتراض صدقها كليا او جزئيا واقناع الشركاء بها سوف تغير موقف السودان السياسي والقانوني تغييرا درامتيكيا كبيرا فيا استاذ طاهر عليك بهذا البروف حتى تكتمل الصورة التي لن تكتمل الى يوم يبعثون.
لم أشاهد هذه الحلقة (الخاصة باتفاقية عنتبي)، لكن فيما يبدو أنها كانت على طريقة تصريحات السيدة/ سامية محمد أحمد في حادث تحطم الطائرة السودانية!! مادخل أهل القانون وفقهائه في هذه القضية؟ القانوني يناقش البنود والمطبات والحفر والانزلاقات اللغوية وتفسيرها. دائماً أسألوا أهل العلم من الفنيين وليس أهل القانون الذين ينحصر دورهم فقط في صحة أي اتفاق من الناحية القانونية. قال لي خبير مائي دولي سوداني وقريب لي كمان (أن طبيعة الجنوب لن تسمح لهم بإقامة خزان مائي إلى يوم يبعثون) أها …. خذوا هذه الحقيقة من هذا الخبير ونوموا نومة أهل الكهف. من ناحية أخرى يصر هذا الخبير على أن المساحات المزروعة بمشروع الجزيرة زادت عما كانت عليه من ذي قبل (اي عندما كان المشروع يعمل بصفة رسيمة) ويتحدى أي من كان بعمل صور جوية للمساحات المزروعة حتى يتأكد من صحة زعمه. وأضاف أن العطش الموجود بالجزيرة الآن سببه زيادة الرقعة المزروعة (كل مزارع يرزع 40 فداناً بدل عن 10)، وأكد مرة أخرى أن الانتاجية للفدان زادت عن ذي قبل. الخلاصة أن زراعة المشروع كيري كانت أفضل للمزراعين عندما كانت هناك أدارة (فاعلة للمشروع)، من يرد أن أزوده بجوال هذا الخبير فليفصح عن رغبته تلك على تعليقه. وصلت إلى قناعة تامة أن هناك قدر كبير من (الصامتين) من أن لو توفرت لهم الفرصة لقبلوا كثيرا من المزاعم التي نتعامل على أنها حقائق رأساً على عقب.