وصلت الرقم (17)… أحزاب شرق السودان.. المزيد من التناسل.. حامد قليل: انقسامات الشرق.. (جرثومة) وضعها الحزب الحاكم في إرتريا

الأسود الحرة: بعضها واجهات لقبائل
مؤتمر البجا: المشاركة أقل من الطموح
عبد القادر أبراهيم: تعددها تطور طبيعي ولا يثير الغرابة
د. محمد المعتصم: مشاركة أحزاب الشرق في السلطة جاءت غير فاعلة
إحيمر: معظم أحزاب شرق السودان غير معروفة للمواطنين
الشرق: صديق رمضان
حينما أبرمت جبهة الشرق اتفاق سلام أسمرا مع الحكومة في العام 2006، فإن القوى السياسية التي كانت موجودة في الساحة بالإقليم الشرقي اقتصرت على حزب مؤتمر البجا الذي تأسس في العام 1958، والأسود الحرة وهما الكيانان اللذان وقفا خلف تكوين جبهة الشرق، غير أن رياح التشظي التي ضربت الأحزاب السودانية منذ صعود الإسلاميين إلى السلطة في العام 1989 فإن جرثومتها تسللت إلى جسد القوى السياسية بالشرق وخلال عقد فقط من الزمان وصلت إلى سبعة عشر حزباً مرشحة لمزيد من التناسل.
ثالوث “الفقر، الجهل والمرض”
في منتصف عقد التسعينيات قرر الحزب العريق مؤتمر البجا حمل السلاح لرفع ما رآه مقاتلوه وقتها مظالم حاقت بالإقليم الشرقي الذي ظل يشكو ثالوث “الفقر، الجهل والمرض” ، وانضم اليه بعد ذلك تنظيم الأسود الحرة، واستمر القتال خمسة عشر عاماً بين تنظيم جبهة الشرق والقوات المسلحة السودانية إلى أن تم إبرام اتفاق يقضي بإيقاف الحرب في العام 2006، وحتى ذلك الوقت فإن الأحزاب بشرق السودان كانت تقتصر علي مؤتمر البجا وتنظيم الأسود الحرة، وفي خواتيم فترة الكفاح المسلح ومع اقتراب التوقيع النهائي على اتفاق السلام فإن الدولة المستضيفة إرتريا عقدت مؤتمرًا في منطقة ردة يعتبره كثير من السياسيين بالشرق أنه كان السبب المباشر لحدوث انقسام بين رفقاء السلاح علاوة على اختراقات المؤتمر الوطني لإضعاف الجبهة بزجه بكيان الشمال في المفاوضات، ويؤكدون أن أمين الشؤون التنظيمية بالحزب الحاكم بإرتريا عبد الله جابر لعب دوراً كبيراً في هذا الصدد بتقسيمه للجبهة لتيارين اثنين واقتراحه القيادة الثلاثية، وبعد العودة إلى السودان وجراء ما شهده مؤتمر ردة انسلخت آمنة ضرار عن مؤتمر البجا الذي كانت تتولى أمانته، وكونت حزب الشرق الديمقراطي، فيما ترأس موسى محمد أحمد مؤتمر البجا واختار مبروك مبارك سليم تسجيل الأسود الحرة ليصبح حزباً سياسيا ثالثاً خرج من رحم جبهة الشرق.
الساقية تدور
لم يتوقف التشظي على الأحزاب الثلاثة، فخلال عشرة أعوام فقط وصلت الأحزاب بشرق السودان إلى الرقم سبعة عشر، هذا بخلاف الأحزاب القومية الموجودة أصلاً بالإقليم، على رأسها الاتحادي الأصل صاحب القاعدة الجماهيرية التاريخية وبجانبه حزب الأمة والمؤتمر الوطني والشعبي وقوى اليسار وأحزاب ناشئة أخرى مثل الحقيقة الفدرالي صاحب القاعدة الكبيرة بكسلا.
وتفاصيل تشظي الأحزاب الشرقية تبدو واضحة فبالإضافة إلى الثلاثي الأسود الحرة ومؤتمر البجا والشرق الديمقراطي، يوجد حزب التواصل الذي ضربته رياح الاختلاف هو الآخر لينقسم إلى حزبين مسجلين، وقد نشأ هذا الحزب بوصفه تيارًا معارضاً لسياسات محمد طاهر إيلا الذي كان بحسب منسوبي هذا التيار يستهدف مناطق محددة بالولاية ينحدرون منها ومن ثم تحول إلى حزب سياسي، وأيضاً يوجد حزب الشورى الذي يتزعمه هيثم أشواك، وهذا الحزب انشق عن منبر الشرق الديمقراطي الذي أسسته الدكتورة آمال إبراهيم التي مثلها ومؤسس حزب التواصل حامد محمد علي استقرت في المملكة العربية السعودية، أما الحزب الثامن، فهو منبر الشرق الديمقراطي الاجتماعي برئاسة طاهر يحيى همت، بالإضافة الى حزب الشرق للعدالة والتنمية ويتزعمه عبد القادر إبراهيم، وأيضاً المنبر الديمقراطي القومي ورئيسه فيصل يس، كما يوجد حزب جبهة الشرق بزعامة سليمان أونور، والوطني الاتحادي الذي يتقدمه حسين شينقاري، والجبهة الثورية برئاسة علي أكد، وكذلك حزب مؤتمر البجا القومي الذي أسسه شيبة ضرار، وأخيرًا الجبهة الشعبية بقيادة سيد أبو آمنة.
ويؤكد كثيرون ان عدداً مقدراً من هذه الأحزاب واجهة لقبائل بالإقليم، وأن بعضاً منها بات يمتلك أكثر من حزب، واللافت أن الحزب الوحيد الذي لم يشهد تشظياً هو الأسود الحرة الذي حافظ على تماسكه ولم يتعرض لذات مصير صنويه مؤتمر البجا وحزب الشرق الديمقراطي.
لماذا التشظي؟
كل هذه الأحزاب تبدو شعاراتها وأهدافها متشابهة، هذا إن لم تكن واحدة، وجميعها يؤكد أنها يسعى لرفع الظلم والتهميش عن الشرق، وهنا يبرز السؤال، لماذا تشظت حتى وصلت الرقم سبعة عشر؟
تأتي الإجابة على لسان رئيس حزب الأسود الحرة بولاية الخرطوم ، حامد قليل الذي يرجع الانقسامات داخل الأحزاب بشرق السودان إلى الجرثومة التي وضعها الحزب الحاكم في إرتريا عن طريق عبد الله جابر في جسد جبهة الشرق، حينما تم تقسيمها على أساس إثني متمثل في التقراي والبداويت، ويلفت في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الأسود الحرة ومؤتمر البجا هما من كونا جبهة الشرق وأن آمنة ضرار استفادت من التدخل الإرتري، وـنشأت حزب الشرق الديمقراطي، ويؤكد أن كل الأحزاب التي تم تأسيسها بعد ذلك لاعلاقة لها بالجبهة وأن قادتها لم يشاركوا في فترة الكفاح المسلح.
ويعتقد حامد قليل أن أحزاب الشرق تأثرت أيضاً بالداء الذي أصاب القوى السياسية بالسودان، قاطعاً بأن وجود سبعة عشر حزباً بشرق السودان ظاهرة غير صحية، تؤكد تغلغل القبلية، مؤكدًا على أن الأحزاب تحولت لواجهات إثنية، بل إن القبيلة الواحدة قد يكون لها أكثر من حزب – كما يؤكد – معتبراً أن هذا يعني الانكفاء على قضايا القبيلة فقط، وعدم الانفتاح على القضايا القومية، مشدداً على أن الأحزاب الإثنية ينحصر هم مؤسسيها في التمكين لأفراد قبيلتهم والمشاركة في السلطة.
وجود مؤثر
كثيرون يتهمون أحزاب الشرق خاصة التي تشارك في السلطة بعدم تقديم ما يفيد إنسان الإقليم وأن قادتها يبحثون فقط عن مصالحهم، إذن كيف ينظر الأمين السياسي لحزب مؤتمر البجا ،الدكتور محمد المعتصم أحمد موسى، لمشاركة أحزاب الشرق في السلطة، يجيب على سؤالنا بأنها جاءت غير فاعلة وليست بالمستوى المطلوب، خاصة فيما يتعلق بالقضايا القومية، غير أن الأستاذ بجامعة القضارف يعتقد بأن الأحزاب الثلاثة التي انبثقت من جبهة الشرق عقب توقيع اتفاقية أسمرا في 2006 تمكنت من خلال تواجدها في السلطة من إدراك نجاحات يصفها بالجيدة، ويقول لـ(الصيحة) إن وجود الأحزاب الثلاثة – ويعني هنا حزبه والأسود الحرة والشرق الديمقراطي – في الآلية العليا لتنفيذ الاتفاقية أسهم في دفع عملها وتمكنت الأحزاب الثلاثة من تفعيل الملفات التي يشرف عليها صندوق إعمار وتنمية الشرق.
بيد أن المعتصم يكشف أن المشاركة السياسية جاءت مخالفة للمجهود الجماعي الذي بذل في تنفيذ عدد من ملفات الاتفاقية لجهة أن كل حزب يشارك في السلطة بناء على اتفاقيات ثنائية بينه والمؤتمر الوطني وليست جماعية، ويعود الأمين السياسي لمؤتمر البجا ويؤكد أن مشاركة أحزاب الشرق في السلطة على عمومها جاءت أقل من طموحات وأماني أهل الشرق، ويعتبرها مخيبة للآمال ودون المستوى المطلوب للإقليم الشرقي.
قلنا له: تأسيساً على اعتقادك بأن المشاركة لم تحقق المكتسبات الموجوة فماذا كان سيحدث إذا استمرت جبهة الشرق موحدة ولم تتشظ، فأجاب: (كان الأمر سيختلف كلياً لأن التفكير والعمل الجماعي يختلف كلياً عن الفردي).
جرثومة وضعف
بالمقابل، فإن نائب رئيس حزب التواصل، عبد القادر سوميت يرى أن تشرذم جبهة الشرق أدى الى تفشي جرثومة التشظي وسط القوى السياسية بالشرق، وأن هذا أيضاً انعكس سلباً على تنفيذ الاتفاقية، مبيناً في حديثه لـ(الصيحة) عن وجود أحزاب ليست معروفة لإنسان الإقليم وأن هذا يضعف من وجودها وتأثيرها، ويدافع عن حزبه التواصل ويعتقد أن ظروفاً محددة هي التي وقفت وراء خروجه الى الوجود، معتبراً الظلم الذي مارسه والي البحر الأحمر السابق محمد طاهر إيلا على بعض مكونات ومحليات الولاية دفعها إلى تكوين حزب مطلبي يدافع عن قضاياها، ورغم عدم رضاء سوميت عن مردود أحزاب الشرق إلا أنه اعتبر جلسات الحوار الوطني كانت سانحة طيبة لاكتسابها خبرات جيدة بتواصلها مع سياسيين وأحزاب من مختلف أنحاء البلاد، وأيضاً مساهمتها بإيجابية في صناعة مخرجات الحوار الوطني، مؤكدًا أن أهم المكاسب تمثلت في الخروج من مربع المحلية الى فضاء القومية وقناعة قادة القوى السياسية بالشرق أن قضايا الإقليم جزء من أزمة البلاد عامة.
وحول إمكانية التقارب والاندماج بين هذه الأحزاب يعتقد نائب رئيس حزب التواصل عبد القادر سوميت أن القوى السياسية بالشرق تجمع بينها مشتركات وترفع شعارات متشابهة وأن هذا يعني ضرورة توحدها في جسم واحد حتى تتمكن من تحقيق الأهداف التي خرجت إلى الوجود من أجلها.
نشر الوعي
بالمقابل، فإن رئيس حزب الشرق للعدالة والتنمية، عبد القادر إبراهيم، يؤكد أن تعدد المنظومات السياسية بالإقليم ساعدت على نشر الوعي بالشرق وإيصال صوت المواطنين للمركز والتعبير عن قضاياهم للرأي العام، ويرى عبد القادر في حديثه لـ(الصيحة) أن كثرة الأحزاب أضافت الكثير للإقليم ويعتقد أن هذا تطور طبيعي ولا يثير الغرابة، مبيناً أن أبرز إيجابيات هذه التجربة نجاح أحزاب الشرق المشاركة في السلطة من الإسهام المؤثر في تنفيذ اتفاقية أسمرا، معتبراً إنزال 1300 مشروع خدمي وتنموي بالولايات الثلاث عبر الصندوق تأكيد على أن جهود القوى السياسية بالشرق أسهمت إيجاباً في حياة المواطنين.
ويبدو عبد القادر إبراهيم مقتنعاً بأن ما تحقق ما كان له ليكون لولا جهود أحزاب الشرق، غير أنه ينظر إلى الوجه الآخر للصورة ويعتبر وجود أكثر من سبعة عشر حزباً بالشرق دليلاً على التشظي والتباعد.
وفي ظل المعطيات الحالية، فإن هذا العدد بحسب عبد القادر قابل للزيادة، ولا يرى في هذا الواقع أمرًا إيجابياً، لأنه يسهم في تباعد المسافات بين أحزاب الشرق، ويرى أن توحد هذه الكيانات السياسية ممكن وليس مستحيلاً، وذلك لاشتراكها في الأهداف العليا وتقاربها في البرامج، مرجعاً سبب تناسلها وتكاثرها إلى سيطرة قادة محددين عليها وعدم إتاحة الفرصة للآخرين، وـن هذا سبب احتقان ومهد لخروج الكثيرين واتجاههم لتأسيس أحزاب، ويناشد بأهمية التفكير بجدية لتوحيد أحزاب الشرق في كيان واحد ورأى أهمية الابتعاد عن شخصنة القضايا ووضعها في الإطار العام الذي يخدم الشرق.
غيبوبة سياسية
بلهجة لا تخلو من الغضب وكعادته، فإن رئيس الحزب الوطني الاتحادي بولاية كسلا محمد الحسن عثمان إحيمر يؤكد أن معظم الأحزاب السبعة عشر بشرق السودان غير معروفة للمواطنين، ويعتقد في حديث لـ(الصيحة) أنها تأسست في غفلة من الزمن، وأضاف: أنا في كسلا ومعظم هذه الاحزاب لا دور ولا نشاط ولا عضوية لها ولا أعرف كيف تم تسجيلها ولا كيف سمح لها بالمشاركة في جلسات الحوار الوطني، هي أحزاب مجهولة باستثناء القليل منها، ومن يديرونها ليس لهم تاريخ سياسي ولا اجتماعي يبحثون فقط عن إثبات وجودهم وتحقيق مصالح شخصية وأن وبعض هذه الأحزاب منطلقاتها عنصرية بحتة، وتأسف أحيمر إلى وصول الواقع السياسي بالبلاد عامة والشرق خاصة إلى هذه المرحلة التي يصفها “بالغيبوبة ” .
الصيحة