مقالات سياسية

الخرطوم نموذج الفوضى

الأسبوع الماضي خصصت قناة الجزيرة برنامجها للقصة بقية للحديث عن ترييف المدن واختيرت الخرطوم كنموذج لأنها تحولت من أجمل العواصم إلى مدينة تعمها الفوضى، ويبدو أن اختيار الخرطوم تم بناء على إنها العاصمة الأكثر فوضوية في الوقت الراهن، البرنامج قدم فليماً توثيقياً عكس صورة حقيقية كاملة للحياة في الخرطوم ماضيها وحاضرها صاحبته شهادة من عدد من المواطنين أظهر مدى القبح الذي وصلت إليه.

البرنامج استضاف مجدي عبد العزيز معتمد أم درمان ولم يعجبني حديثه الذي اتسم بالنظرة غير العلمية والتبرير والدفاع عن وضع الخرطوم الراهن والهتاف بما أنجزته الحكومة من شوارع وكباري ومؤسسات وهمية لم يكن لها أثر واضح في واقع الخرطوم الحالي.

كما استضاف البرنامج (بوعياد) أستاذ في الهندسة والمعمار وقد كان حديثه محاضرة شيقة شرح من أين نبعت المشكلة في كل العواصم العربية، وقال إن سبب الفوضى له تاريخ استعماري حيث أن المستعمر أسس نموذجاً من المدن خاص به يحقق مآربه مما جعل النموذج الأصيل للمدن لا يتطور بشكل طبيعي ولا يصلح لها النموذج الاستعماري، وأن الاستعمار كان يعلم أن الخرطوم بالشكل الذي أسسها عليه لا يمكن أن تتطور بشكل طبيعي، ثم تأتي المصيبة الأكبر والتي سببها حكومات ما بعد الاستعمار، فهي لم تأت بحلول ولم تهتم بتطور المدن فتحولت إلى مدن تابعة ومقلدة ولا تبدع، وما الخرطوم إلا نموذج مثالي لها.

مجدي عزالدين سألته المذيعة إن كان هناك خطة لإعادة التوزان للخرطوم فذكر أن هناك خطة اسمها حلم النيل من2017 وحتى 2030 راعت كل التحديات لتحديث العاصمة حتى تستوعب عدد سكانها الحالي، ولا أعتقد إن ذلك سيحدث لا لسبب سوى العقلية التي تدار بها، وذلك ما أكده الأستاذ بوعياد حيث قال إن السياسة والإدارة ليست كافية لتطوير المدن ولا بد من دور للعلم، فهذه الخطط موجودة في كل الدول العربية ولكنها أيضاً تأتي من توجيهات منهجية في الغرب، وهي ليست حلاً لأنها لا تراعي واقعنا ولا تمنحه الروح والتماسك الذي نشأ عليه ولا بد أن ننظر إلى واقعنا ومستقبلنا بنوع من الاستقلالية، وما أضر بالمدن هو إن من احتكروا صيانتها وتطويرها ليسو أهل العلم ولذلك فشلوا ولا بد أن ينتهي الانغلاق الإداري، واقترح على مجدي عز الدين إنشاء لجنة من فريق متعدد التخصصات تطرح عليه نفس المشكلة لتأتي الحلول من وجهات نظر مختلفة لتكون حلولاً متكاملة.

سألت المذيعة ضيفها المهندس المعماري بوعياد ما نوع الحل لخلق التوازن في العواصم العربية والخرطوم فقال لا بد من نظرة شاملة وتزويد المناطق الريفية بما تحتاج من خدمات وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية تهتم بالريف كما يحدث في الغرب، ثم إعادة التكامل بين المدن والريف والبدو مثلما كان يحدث في الماضي فالحضارة الإسلامية هي الحضارة الوحيدة التي جمعت بين ثلاثة أنماط حياتية متكاملة الرحل والقرويين وأهل المدن ولكننا فقدنا هذا الدور نتيجة التقليد واحتكار بناء المدن لفئات محددة وغير متخصصة فالمسؤولون الآن لم يستعينوا بأهل العلم للصيانة والتجديد، وحتى تنتظم مدننا لا بد أن نخلق مدناً تشبهنا، فهل يمكن للحكومة الحالية التي فشلت في كل شيء أن تنجح في تطوير العاصمة؟.

التيار

تعليق واحد

  1. حضرتها الحلقة ، بالجد كانت مشاهد من قلب الخرطوم فضيحة بمعنى الكلمة ، قمة القذارة و الوسخ والفوضى والقبح البشري والمكاني .. ياخي الناس في الشارع مشيهم قبيح و فوضوي .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..