صلاح عبد الصبور(1)

٭ قلت بالأمس: فاتتني الوقفة عند ذكرى رحيل الشاعر العراقي بلند الحيدري وذكرى رحيل الشاعر المصري صلاح عبد الصبور اللذين كان رحيلهما على التوالي في الأسبوع الأول من أغسطس وفي الأسبوع الثاني منه وكتبت كلمات بالأمس عن بلند.
٭ في أمسية حزينة من أمسيات منتصف أغسطس عام 1891م رحل صلاح عبد الصبور في هدوء وسرعة ومع دموع قراء شعره ومشاهدي مسرحياته اختلطت همسات هنا وهناك ان صلاح قتلته كلمة لم يحتملها قلبه ومشاعره كلمة قالها أحد أصدقائه في تلك الأمسية اللعينة.
٭ الهمسات كانت ترفد على شيء من الحقيقة فمثل صلاح عبد الصبور تقتله الكلمة فهو لم يكن شاعراً وحسب وإنما كان شاعراً وفيلسوفاً وصاحب قضية.
٭ في ذكرى رحيله نقرأ معاً ما كتبه في كتابه «حياتي في الشعر».
(ظل المسرح الشعري يخايلني سنوات حتى كتبت مسرحيتي «مأساة الحلاج» وكانت لي قبلها تجربة لم تتم في كتابة مسرحية عن حرب الجزائر ولكن طويت أوراقها لأنني وجدتها قد وقعت في أسر شكسبير إذ خلقت شخصية «هاملتية» مثقف جزائري حائر بين القتل العادل والثقافة المتأملة وقد كتبت هذه المسرحية الناقصة بصفة مشاهد فلما أيقنت من وقوعي تحت عربة شكسبير وبخاصة في مشهد يأبى فيه المثقف قتل خصمه وهو يصلي.. صرفت النظر عنها وخطرت لي فكرة ثانية هي كتابة قصة المهلهل ابن ربيعة ولكن وجدتني للمرة الثانية أقع تحت عربة شكسبير فلم أكد أجيد بناءها حتى رأيت اني أقترب قرباً مميتاً من مسرحية يوليوس قيصر فكليب ملك طاغية نظير لقيصر بشكل ما وجساس بن مرة نظير لبروتس ولابد عندئذ مادمت قد جعلت من جساس مطالباً بالعدالة أن يكون هناك رجل يوعز إليه بالقتل وهنا خلقت كاسيوس جديداً والمهلهل هو انطونيو والحرب السجال هي الحرب السجال.
٭ لم أمض مع هذه الفكرة إلا في حدود هذا النطاق ثم عدلت عنها حتى أزمعت كتابة مأساة الحلاج وتوخيت عندئذ أن أفلت من تحت عجلات عربة شكسبير وان كنت لا أدري هل نجوت من غيرها من العربات.
٭ وكتابة مسرحية شعرية تثير في نفس الشاعر المعاصر عديداً من الأسئلة التي لم يكن الشاعر القديم من سوفوكل إلى شكسبير يعنى بها فقد كان الشاعر القديم يكتب المسرحية شعراً لأن المسرح لا يكتب إلا شعراً سواء كان تراجيديا أو كوميديا تاريخاً أو معاصراً ولم يكن المسرح النثري قد اكتسب حق الوجود واكتشف عالمه الواقعي وخلق شخصياته من غمار الناس وأوساطهم بل لقد أصبح المسرح النثري هو المسرح المشروع وبدأ المسرح الشعري يبحث له عن علة وجود.
٭ لو كنت رأيت القضية كما يراها بعض النقاد الذين يزعمون ان الشعر لا مبرر له على المسرح وان المسرح الشعري قبة متحجرة من عهد قديم لما فكرت في كتابة المسرح الشعري ولكن لم أكن أرى الموضوع من هذه الزاوية.. بل لعلي أيضاً لم أكن أتوسط فيه أو أهادن فقد كنت أرى أن الشعر هو صاحب الحق الوحيد في المسرح وكنت أرى ان المسرح النثري وبخاصة حين تهبط أفكاره ولغته انحرافا في المسرح.
٭ ولقد عبرت عن وجهة نظري في بضعة مقالات نشرتها في احدى الصحف اليومية ولكنت أريد أن ألحقها بطبعة مأساة الحلاج لولا استعجال النشر لظروف طارئة.
أواصل مع تحياتي وشكري
الصحافة