عثمان الشريف.. الشهيد الذي ربح البيع

الخرطوم: سعاد الخضر
آخر كلمات الشهيد عثمان قبل اﻹستشهاد يوم ١٧ يناير 2022 م. ( نحن ما بنقيف وعندنا قضية، البلد دي يا نعيش فيها نحن أو يعيش فيها برهان وحميدتي )
وفي السابع والعشرين من فبراير الماضي كتب شقيق الشهيد بابكر الشريف على صفحته الشخصية في الفيس بوك ( سبحان الله ، اليوم فتحنا دكان الشهيد عثمان الشريف بالسجانة اول ما لفت إنتباهي كتاب موضوع كما في الصورة ( حتي تكتمل الثورة ) إستدامة الثورة وتفادي إنتكاستها ..تأليف دكتور نورالدين ساتي ٢٠٢٠ ، ومسبحة متدلية تسأل عن اناملٍ طاهرةٍ كانت تداعبها وبجوارها مصحف يشتاق الى من كان يحفظه في صدره ويداوم علي تلاوته.
هذا الموكب
دون بقية المواكب التي تعود الشهيد عثمان الشريف أن يشارك فيها شعرت والدته في موكب 17 يناير باحساس غريب فاستبد بها القلق وتضاعف ذلك الشعور بداخلها فشعرت برجفة في قلبها فاتصلت بابنها ثلاثة مرات فاصابها الخوف وبعد قليل شعرت بأن مكروه قد اصاب فلذة كبدها ، وأدركت حقيقة ماحدث رغم أن شقيق الشهيد بابكر حاول اخفاء الأمر عنها الا أنها كما روت لـ(الجريدة) سمعته وهو يخبر أحد الذين هاتفوه في ذلك اليوم أن ابنها اصيب ، كان وقع الخبر صادما لأنها فقدت ابنها البار ذو الأخلاق العالية وتقول بحسرة ” كان الشهيد ابنا واعيا ولم يخطئ يوما في حق انسان منذ صغره وكان حافظا للقرآن وكان شخص محبوب من الجميع ووسط أخوانه وجيرانه ويصلي الأوقات الخمسة في المسجد ، وحمل نفس صفات والده الراحل”
وتضيف ” في بداية الأمر شعرت بمرارة فقد ابني وبعد ذلك الهمني الله الصبر على مشيئته
وتمسكت والدة الشهيد بالقصاص وأردفت من قتله يجب أن يتم اعدامه ”
لم يكن الشهيد يهاب الموت وكان يقف دائما في الصفوف الأمامية في كل المواكب ، وقبل يوم من استشهاده ذكره عضو لجان مقاومة جبرة أبوبكر الطيب ادريس بأن يتراجع عن الصفوف الأمامية خوفا على حياته لأنه أب لطفلين وطفلة وقال نبهته اننا شباب ونحن ليس لدينا مسؤولية أما هو فابنائه ينتظرون عودته فرد قائلا الوطن فوق أي شيء.
وأردف ادريس الشهيد عثمان كان رفيق كل المواكب التي تخرج من جبرة ولا أظن أنه تخلف عن موكب واحد وفقده أمر جلل وذكراه ستظل بداخلنا ، وكان نعم الجار وعرفناه رفيقا للنضال والخير وحتى المواقف التي جمعتنا به في العمل التجاري اي شخص من حينا يذهب اليه في دكانه في السجانة يساعده حتى لو يبيع له البضاعة برأس مالها ولو احتجت لسلعة غير متوفرة لديه يغلق محله ويساعدك بمعارفه حتى تتحصل عليها ، وكان الشهيد منضبطا وملتزما لاتجده الا في المسجد أو العمل أو الموكب .
وعندما علمت بنبأ استشهاده ذهبت الى مستشفى الجودة ومنها الى مشرحة بشائر وكان هناك أربعة جثامين غير عثمان وبعد الفراغ من اجراءات المشرحة جاء ضابط شرطة وقام باستجواب سريع ورجعنا بجثمان الشهيد وحملناه الى منزله وكانت زوجته بمفردها وكانت تلك من اكثر اللحظات ايلاما عندما استسلمت الجثمان بعد سبعة ساعات منذ لحظة استشهاده وتم نقله بعربة الاسعاف الى ولاية سنار وتم دفنه وذهب للعزاء وفد من لجان مقاومة جبرة.
وكما كانت علاقات الشهيد مميزة بجيرانه في الحي كانت كذلك في مكان عمله بالسجانة ويقول عمر الطيب صديقه في العمل عمر الطيب واحد الذين كانوا يشاركونه في المواكب : كنت لصيقا بالشهيد في مجال العمل وكان محبوبا من الجميع ومنذ استشهاده لم اتمكن من الحديث عنه وعجزت عن أن أكتب عنه بوست في الفيس بوك لانه شخص عزيز وفقد عظيم ولكنه ليس أعز من بقية الشهداء وكنت بالنسبة له كأخيه الصغير”.
وهكذا أثبتت كل وقائع حياة الشهيد وتفاصيلها اليومية أنه نذر نفسه للوطن حتى أن صديقه عمر عندما ناقشه في أن الوضع الحالي لا يستحق أن يضحي الشخص بحياته بعد التطورات السياسية الأخيرة ضحك الشهيد وقال له:” حتى لو لم يحدث تغيير فنحن شهداء شهداء” ، ويقول الطيب:” كان الشهيد مؤمن بقضيته تماما وانه مشروع شهيد وعندما علمت بنبأ استشهاده صدمت لكن لم اندهش لأنه كان موقنا بذلك وكان يضحك ويردد الطلقة الما جاتك وجات في الزول الجنبك غلطة في التقدير “.
رحيل الشهيد ترك فراغا كبيرا ليس وسط أسرته الصغيرة والكبيرة فقط وانما في الحي حتى ان صديقه تجاره مجتبى الصديق بعد استشهاد عثمان غادر مهاجرا الى السعودية وقال الصديق لـ(الجريدة):” مثل استشهاد عثمان صدمة كبيرة لي حتى انني هاجرت للسعودية حتى أتمكن من نسيانه والكلمات لا توفيه حقه وكان قريبا من الجميع وعندما اكون متضايقا الجأ إليه وكان يحلم بوطن يتساوى فيه الجميع، لكن هذه إرادة الله وكان يحمل هم الوطن وكان على استعداد ان يقدم اي شئ للوطن وكان دائما يحكي لنا انه سيموت من اجل الوطن ورغم ذلك صدمت عندما سمعت بنبأ استشهاده لانه كان فاجعة كبيرة بالنسبة الينا ونسال الله أن يجعل مثواه الجنة ويلهم اسرته الصبر فهووترك ثلاثة أطفال ويجب إلا ننسى من قدموا ارواحهم من اجل الوطن” ، وأضاف هناك تقصير شديد من الاحزاب ، ويجب الاهتمام باسرهم واعانة اطفالهم على الحياة خاصة أطفال السعيد عثمان لأن زوجته كانت تحلم بان يعيش ابنائها في كنف والدهم لكن هذه أقدار الله ولم اكن ارغب في الحديث لكن لأن قضايا الشهداء الذين ماتوا من أجل وطن كامل ،فمن غير المعقول أن تترك أسرهم تتصارع مع الحياة وليس هناك من يقف مع زوجة الشهيد المكلومة وأمه التي كانت تحلم أن تجد ابنها يقف إلى جانبها ويسندها في لحظات عمرها العصية .
ويقول صديق الشهيد معتز عز الدين عثمان الشريف:” كان اسم على مسمى ولم اجد منه سوى الأمانة وأشياء كثيرة قل أن تجدها في إنسان في هذا الزمان ولم يقابله أحد لم يمدح صفاته وكان يذهب للمواكب في موعدها المحدد وكان في كل مرة يؤكد لنا أنه لن يتركها حتى لو كان الثمن حياته”.
عندما هممت بإعداد قصة الشهيد عثمان كان جميع من عرفوه بمقر سكنه بجبرة ومكان عمله بالسجانة يريد أن يتحدث عنه لانه كان صديق الجميع حتى الذين يكبرونه في العمر كانوا يؤكدون أنهم تعلموا منه الكثير ويقول صديقه صلاح عبد المطلب : “علاقتي بالشهيد لم تكن علاقة سكن أو شارع وانما تعرفت به في المسجد ولم يكن يتحدث عن الناس بسوءاطلاقا وتعلمت منه الصدق والامانة ورغم ان معرفتي لم تتجاوز الثلاثة او الاربعة اعوام شعرت اني عشت معه حياة كاملة وافتقدته بشدة وشعرت بصدمة عند رحيله وكنت دائما امر على الشهيد في دكانه قبل كل موكب عند الساعة الثانية عشر والنصف بعد صلاة الظهر وكان يغلق محله ونركب عربته ونقوم بايقافها قبل بداية الموكب” ولكن في يوم استشهاده لم أكن معه وكان مصادم جدا ويحب الخير حتى لمن لايعرفهم وعند استشهاده تغيبت عن العمل ثلاثة ايام وكنا نخرج لاداء صلاة الصبح وعندما نعود نتوقف بالقرب من حينا ونتبادل الأحاديث ونضحك والإبتسامة لم تكن تفارق الشهيد حتى لو كان غاضبا ولدى صورة مع الشهيد عندما دخلنا القصر وكان يجري في الصفوف الأمامية للموكب فرحا بذلك النصر.
نشأة الشهيد عثمان الدينية دفعت شيخه في الخلوة الشيخ عبد الله أن يحرص على الإدلاء بشهادته حول الشهيد وقال لـ(الجريدة):” كنت ومازلت أعمل بمسيد السوق بود العباس وكان عثمان من طلابي وكان الطلبة المميزين جدا والمتفوقين وكان لدينا مسابقات دورية للقرآن الكريم ومثل الخلوة في ولاية سنار وحفظ فيها 16 جزء واذكر عندما زارنا العارف بالله الشيخ عبد الرحيم البرعي وكانت تلك الزيارة حدثا فريدا وجمعت كل الشرق وحضرها الولاة وصلينا الصبح في المسجد وقابل السعيد البرعي في ذلك اليوم وكان من بين 70طالبا قرأوا القرآن على البرعي وتفوق على بقية الطلاب وكان من الطلاب الذين أشار اليهم البرعي وكان يتمتع بأخلاق عالية وكان ملتزما حتى بعد دخوله الجامعة وظل على اتصال بنا في الخلوة ونحسبه من أهل الجنة .
ويقول جار الشهيد ابودريس محمد :”كان الشهيد رجل متفرد ونبيل، وكلما زاد احتكاكك به تزداد منه قربا لتكتشف معدنه الأصيل وكان محبوبا لدى الجميع واذكر ان ابنائي كانوا يهمون بالخروج بعربة المنزل لأحد المشاوير ولكنها تعطلت فجأة وعندما رآهم الشهيد رمى مفتاح سيارته واقسم ان لا يعيده ابنائي اليه الا بعد ان قضاء مشوارهم واذكر ان احد جيراننا توفى واتفقنا ان نتشارك في دفع تكاليف العزاء الا أننا تفاجأنا بأن الشهيد دفعها بالكامل بمفرده ، ومن الاشياء المميزة كان يصلي كل اوقاته في المسجد ولم نكن نراه الا في طريقه للمسجد او راجع منه وكان عفيف اليد ولو سألتي اي شخص في الحي تجدين انه لديه قصة مع عثمان وستسمعي حكايات عجيبة جدا ورغم فارق العمر بيننا فأنا اكبره بسنوات الا ان علاقتي به كانت علاقة جميلة وهو يجبرك على أن تحترمه.
ولم يستطع ابودريس محمد اخفاء حزنه عندما تذكر ان شهر رمضان الذي بات قريبا سيكون هذا العام حزينا بدون عثمان وقال :”سيأتي رمضان وسنكون حزينين لاننا سنفتقد عثمان”.
ويضيف لحظات علمي باستشهاده كانت لحظات عصية فهو أحب الي من ولدي وفي بداية الأمر ظننت ان الخبر غير صحيح على الرغم من ايماني بأن الموت حق ولكن كان عقلي يرفض فقد كانت هزة كبيرة ولحظات مرعبة ووقع رحيله كان صادما فهو كان رحمه الله شاب يمتلئ بالحيوية وعندما علمنا باستشهاده كل من في الحي يبكي ولحظة وصول الاسعاف كان الجميع يحتضنون بعضهم البعض كأنهم فقدوا ابنهم على الرغم من ان شقيق الشهيد بابكر حاول ان يخفي حزنه العميق على رحيل شقيقه المبكر الا ان نبرات صوته كانت تهزم صوته شعوره بالقلق نتيجة الفراغ الذي خلفه الشهيد لم تكن تستطيع أن تتجاوزه فما هي الا لحظات من بداية لقائي به الا وانتقل لي احساسه بالقلق على المستقبل المجهول الذي ينتظر بقية شباب السودان الذين نجو من الرصاص لانها اخطأت وإصابة أحد الذين يقفون معهم بالجوار في المواكب كما قال الشهيد …
اعد لي شقيق الشهيد قائمة طويلة لمن يدرك بحكم علاقته الوطيدة بالشهيد انهم ينتظرون الفرصة لتخليد ذكراه وكلما اقتربنا من دوره في الحديث عن شقيقه الشهيد تهيب بابكر هذه اللحظة ولكنه استجاب بعد الحاحي عليه وبدأ حديثه عثمان الشريف أخ صغير إلا أنه كبير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الإلتزام الديني ، الأخلاق الكريمة ، الفكر المتقد والمنفتح على كل ما يخدم الإنسان والمجتمع يقدم نقده لكل ما لايعجبه بصورة تجعل منك مجبرا علي احترام وجهة نظره ، استفاد كثيرا من حفظه للقران الكريم مما اكسبه حلاوة و طلاوة في اللسان ومقدرة عالية علي تطويع اللغة هذه السمات مجتمعة جعلت منه صاحب خبرة ودراية عالية مكنته من حلحلة كل الصعاب التي تعترض مسيرة حياته أو التي يستشار فيها ، فهو القادر علي اقناعك بالحجة والمنطقة وله مفاتيح كثيرة في هذا الأمر جعلت منه صديق لكل الأجيال بمختلف فئاتهم العمرية ومكنته من خلق علاقات اجتماعية كل حسب مجال تخصصه ،واردف تربطني بالشهيد مواقف اتفقنا واختلفنا كثيرا فيها ، حيث كانت تربطني به شراكة تجارية كنا نديرها معا بمدينة الدمازين ، على الرغم من الإختلاف في وجهات النظر إلا أنه كان يدير هذا الخلاف بحكمة لا تشرخ أواصر الدم التي بيننا ولم تفقد ما بيننا من ود واحترام .
عثمان كان شخصية متفردة في كل شئ منذ نعومة اظافره حتي إستشهاده يوم ١٧ يناير والذي يصادف تاريخ وفاة اثنين من العظماء الذين يحبهم مصطفي سيد احمد و محمود عبدالعزيز .
فيما يتعلق بالثورة وعلاقته بها ذكر حياة عثمان مرتبطة بكل ما يحقق رفاه الإنسان ويحفظ كرامته لهذا تجده يقف بقوة ضد كل ما يخالف ما يعتقد ، فكان أن وقف بكل عنفوان تجاه حكم الإسلاميين حتي سقوطهم وسعى بكل جهد عبر لجان مقاومة جبرة لإستكمال أهداف الثورة ، ولهذا تجده أشد الناس ضراوة في مواجهة هؤلاء الظلاميين منذ اندلاع انقلابهم في ٢٥ أكتوبر ، ومواقفه من الانقلاب شهد له بها الجميع وكان يردد ( انا قافل الدكان لأني مشيت المواكب ) وتابع الشهيد لم يكن يقاتل هذا النظام فقط بل يسعي لاستدامة الثورة من خلال اطلاعه معرفيا في سبيل نجاح الثورة واستدامتها فوجدنا في دكانه بسوق السجانة كتاب ( حتي تكتمل الثورة – استدامة الثورة وتفادي انتكاسها لدكتور نورالدين ساتي إصدار ٢٠٢٠ م وهذا يدل على عظيم اهتمامه بقضيته وتفانيه فيها باعز ما يملك ( النفس ) .
حول لحظة تلقي اسرة الشهيد نبأ استشهاد عثمان قال شقيقه ( كان يوما عصيبا علينا عندما تلقينا نبأ إستشهاده نسأل الله تعالي ان يتقبل جميع الشهداء ويشفي الجرحى ، كما اوضحت واوضح الشهيد أنه مشروع شهيد فلذلك تقبلنا هذا النبأ الأليم بكل رحابة صدر وقبول لأننا نؤمن بأقدار الله وان كل نفس ذائقة الموت رغم حزننا علي شهيدنا الذي يعتبر كاتم اسرارنا والمطلع علي كل تفاصيل حياتنا فهو ليس بكثير على الوطن الذي استشهد من أجله العظماء .
وفي رده على سؤال حول كيف يمكن أن نستكمل أهداف الثورة قال بابكر من وجهة نظري حتى تستكمل اهداف الثورة وجب علينا جميعا التوحد خلف منصة واحدة تقود الشارع وان نعتبر من التجارب السابقة لأن كل يوم لم نتوحد فيه نحو هدفنا ( إسقاط هذا النظام ) يعتبر بمثابة إطالة لأمد هذا النظام .
ونسأل الله تعالي ان يوفقنا على حمل هذه الأمانة العظيمة التي تركها لنا السير علي طريقه الذي استشهد من أجله والمكانة الشاغرة التي تركها بيننا ..اللهم ارحم جميع الشهداء واشفي الجرحى.
الجريدة
ويجي واحد لطخ وجاهل ولئيم و وقح يسمي الثوار بتاعين هزل وعبث