النظام تغييرات فرضتها غريزة البقاء

كثيرون قاربوا من الحقيقة أوتباعدوا عنها في قراءتهم لمشهد التغييرات التي أقدم عليها النظام فمنهم من قال هو عمل مقصود من قبل الإسلاميين العسكريين الذين إستشعروا بخطورة الوضع الراهن في البلاد وفشل إخوانهم المدنين بسبب تكدس ملفات الفساد المالي والإداري والفوقية التي يتعاملون بها داخل مؤسسات الدولة ومنهم من صدق الرواية الرسمية بأنه تجديد للدماء وفتح الفرص للعناصر الشابة ومنهم من قال أنها خلافات وصراعات داخلية حادة ومنهم من قال عدم ثقة الرئيس في من هم حوله من الإسلاميين المدنيين الذين ربما يضحون به من أجل تقليل حجم ضغوط الخارج عليهم بتسليمه للجنائية إن تطلب الأمرالخ .لن أدلوا بدلوا في هذا الأمر لان الذين تناولوه هم من أهل الدراية والخبرة و الإختصاص ولن أتي بجديد أكثر من ما تفضلوا به. غير أنني أري أن الامر فرضته غريزة البقاء التي تهيمن علي تفكير وسلوك النظام.
فمثلماء تعمد بعض الحيوانات الي تغير لون جلدها حتي لا تتعرف أنت عليها أومثل أن يترك الضب ذيله لتتشاغل به ويولي هاربا .يقبل النظام علي هذه الخطوة ليبقي في السلطة لفترة أطول خصوصا وأن هذا النظام يري أنه حامي الحمي ومثبت عرش الإسلام في السودان لو غفي أو غفل إنهار سقف الدين ولن تقوم له قائمة من بعد وهذا إدعاء باطل يكزبه واقع الإسلام في السودان والطريقة التي دخل بها وكيفية إعتناق أجدادنا له كما أن الإحتفال الرسمي الذي حضره الرئيس بمرور500سنة علي قيام أول إمارة إسلامية في السودان يؤكد ما ذهبنا إليه ويكشف أكازيب هذا الإدعاء .هذا من جهة أولي
من جهة ثانية يري النظام أن معظم منسوبيه تورطو في ملفات فساد مالي وإداري وأخلاقي ويري أن الوجوه الجديدة ربما تخفي قبح السابقين وتنسينا ملفات الفساد لبعض الحين.
ومن جهة ثالثة قناعة النظام بإتساع دائرة الهوة بينه وبين الشعب والذي جسدته الغضبة الشعبية ضد السياسات الإقتصادية الأخيرة وأبرزته بصورة واضحة لا يمكن تزيفها بتقارير إعلامية مفبركة فقد أدرك النظام أن الشعب يقف صفا واحدا ضده و أن مطالبات الرحيل التي يتفوه بها المعارضون ليست للإستهلاك السياسي وإنما هي رغبة جماهيرية عارمة وجامحة لن تلجمها سياسات التحدي( الحس كوعك) التي كان ينتهجها النظام ولا التصريحات الغير مسئولة الإستفزازية التي كانت تنطلق من ألسنة الوزراء وغيرهم من منسوبي النظام فأراد أن يأتي ببعض الشخصيات التي لم نرصد لها ذلة لسان ولم يرد إسمها في ملفات فساد بصورة واضحة.
من جهة رابعة تحالفات الأحزاب المعارضة وتفاهماتها مع الجبهة الثورة ومجاهرتها بذلك أربكت حسابات النظام خصوصا وان ظهره الجماهيري أضحي مكشوفا بعد ثورة سبتمبر الشعبية العفوية والتي قدمت شهداء ثمنا للحرية والخلاص الوطني. فأراد بذلك أن يكسر حاجز العذلة بينه وبين الشعب .
من جهة خامسة كساد سوق مشروع دولة الإسلام السياسي (الدولة الدينية) في جميع بلدان الربيع العربي والفصام النكد بينها وبين شعوبها وتوقف الإدارة الأمريكية عن دعمها والحرب الإستخباراتية الخفية والمعلنة عليها والتحالفات الدولية والاقليمية الجديدة التي من شأنها توفير الدعم اللازم للأجسام المعارضة سوا أكانت حركات مسلحة او تنظيمات سياسية او أحزاب وطنية ومثل هذه الإمور تقلق مضجع النظام وتجعله يسابق الزمن في طي ملفات الخصومة مع الجيران وبعث رسائل تطمينية لهم بأن يقول لهم إنقلبنا علي من كانوا سببا في البعد والجفا بيننا وها نحن نفتح صفحة جديدة في العلاقات معكم.
كل ما ذكرناه وغيره حتم علي النظام الإقدام علي هذه الخطوة ولكنها خطوة متأخرة ولم تكن مطلوبة من القوى الوطنية ولا حتي من جماهير شعبنا حيث أننا نرفض النظام أشخاصا وسياسات و لدينا قناعة بأن لا خير ياتي من قبله كما أن طلباتنا تتلخص في : عودة الاحزاب بكامل زخمها وألقها وحركتها وحريتها وتحسين مناخ الحريات العامة ورفع الرقابة علي الصحافة القبلية والبعدية . تشكيل حكومة كفاءة قومية إنتقالية تعد دستورا وطنيا وتجري إنتخابات شفافة ونزيهة تخرج البلاد من مأزق عجيب يتجه بها نحو حرب أهلية شاملة . التحاور مع حملة السلاح بجدية ورحابة صدر وإنصاف المظلومين ومحاسبة المفسدين وإرجاع الثروات المنهوبة . وأن تنأي الدولة بنفسها عن التورط في تسليح بعض القبائل أو تكوين ملشيات منها لمساندتها في حروبها التي لا أول ولا أخر لها والذي من شأنه أن يولد غبنا ويفجر الأوضاع بصورة مزهلة يصعب السيطرة عليها أو التكهن بمآلاتها كما أنه يضعف روح الإنتماء للوطن.
ولئن كان قد تجاهل النظام لمطالبنا فيما مضي ويخرج علينا اليوم بهذه الحيلة الشكلية ليحافظ علي بقاءه في السلطة فإننا نقول له كفاية كزب علي الدقون كفاية لف ودوران كفاية إستنزاف لمواردنا كفاية قتل لضمائرنا كفاية تشرد لابناءنا وهجرة وغربة في الوطن كفاية معسكرات نزوح كفاية فساد كفاية ضيق وكبت وإرهاب كفاية حرب ودمار قرفنا منكم وقرفنا من سلوككم وقرفنا من تفكيركم وقرفنا من تدبيركم وقرفنا من مكركم وقرفنا من إزدراءكم . أيها الأشقياء حكمتم فظلمتم إستأثرتم بالثروة وأفسدتم. لم تظللوا بيت مسكين بعريشة ولم تمسحوا دمع يتيم ولم تشفوا كليم .السائل نهرتوه واليتيم قهرتوه ونعمة ربكم علي أهل بلدكم لجحيم حولتوها و هيبتنا ضيعتوها وكرامتنا في سوق النخاسة بعتوها. فالرحيل الرحيل ولا بديل لإسقاطكم من بديل.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..