النارُ بدارك شبت

فجأة وبدون سابق إنذار أصبحت ملفات الفساد تنتظر قدوم الليل فتنهض وتتزيا امام المرآة وتضع الطرحه فوق رأسها وتخرج .. تنقش تنقش الى مكاتب رؤساء التحرير وهناك تجلس وتخلف رجلها وترتشف القهوة ثم تضع نفسها امامهم وتقول فى غنج ( هيت لك ) .. وقبل أيام كان مسؤول حكومى بدرجة (غافل كبير ) يمد لسانه للمعارضه ويقول .. الفساد فساد ناسنا وصحفنا هى التى تقوم بكشفه ..ثم يحرك لسانه بين فكيه يمينا ويسارا للمعارضه .. المسؤول المذكور لم يثبت أنه أتبع حركة اللسان هذه بتحريك يده اليمنى مقبوضة فوق أختها اليسرى المبسوطه كما يفعل العيال فى أعلى درجات المغايظه
السؤال الذى يطرح نفسه ويزحف بهدوء بعيدا عن دراما الفساد هذه هو .. من الذى يخرج هذه الملفات؟ ولماذا الآن ؟ حاضنات الاجابه على هذا السؤال تتناثر فى أكثر من زاويه ..وأكثر من خيط يمد رأسه ومن الممكن تتبعه ختى النهاية .. وكثير من النهايات فى هذه الحالة ستبدو منطقيه ومقبوله
الخيط الأول هو أن الادارة السياسيه للمؤتمر الوطنى والدوله هى التى تتغافل عن عمد حتى تصل هذه الملفات الى الاعلام . وصول هذه الملفات الى الفضاء الخارجى فيه أكثر من ضربه لأكثر من عصفور .فإثارة الغبار الكثيف عن الفساد قد يحجب الحديث ويلفت الأنظار مؤقتا عن الاوضاع الاقتصاديه المذريه ويحجب الآذان عن متابعة أخبار فشل تمويل الموسم الزراعى وجنون الدولاروغيرها ..العصفور الثانى أن هذا الحراك قد يسحب من المعارضه أكثر من كرت فى ندواتها المفتوحه ويجعل حديثها عن الفساد حديثا مكررا ومرددا لماتقوله الصحف ومن ثم تفقد هذه الندوات الاثارة والشغف ويقلل من الرغبة لحضورها لأنها ستكرر كلام الجرايد كما ان اثارة ملفات الفساد الآن سيضيف الى (حلة الحوار والوثبه) المزيد من التوابل والبهارات فيبدو للمتذوقين طعم التحول الكبير الذى حدث فيخصم الكثير من الاستعداد والاستجابه لأى خطاب تحريضى آخر وتحدث الانفس الغافله ذاتها ( أن التحول قد حدث )
أما الخيط الثانى فهو أن هنالك صراعا حقيقيا قد أندلع بين مراكز القوة فى المؤتمر الوطنى وأن الصراع يدار الآن على طريقة ( رد اللكمات) ثم تغطية الوجه سريعا .. هذا الخيط يسنده ملف وكيل وزارة العدل الحالى والذى يبدو لأى محلل مدقق أنه مواصلة للاقتتال فى ذات معركة موظفى مكتب والى ولاية الخرطوم .. وان بروز ملف الوكيل عصام الدين هو عبارة عن هجمة مرتدة سريعه وفرقعه داوية الصوت لتقسيم الانظار ولفتها عن ملامح وجه عبد الرحمن الخضر الشاحبه والمرهقه منذ أسابيع بسبب قضية موظفيه .. السيناريو يقول ان الشبكة الممتدة بين مكتب الوالى ومصلحة الأراضى هى وراء خروج ملفات وعقودات الوكيل الى الاعلام .. الأمر لايحتاج لأكثر من خمس دقائق يجلس فيها أحدهم الى أى جهاز حاسوب بمكاتب الاراضى وكتابة (معاملات عصام عبد القادر ) حتى تمد لك المعلومات يدهاطائعة مختارة
الخطير فى خروج هذه الملفات الناتج عن صراع المراكز هذى أولا أنه غير قابل للتسويه السريعه بين المتصارعين وقد يقود الى عملية اصطفاف وفرز جديد ثانى داخل المؤتمر الوطنى وثانبا أنه أظهر الى أى مدى ان الانقاذ خلال سنوات حكمها قد أفسدت فى صياغة القوانين واللوائح الحاكمة والمنظمة للخدمة المدنيه .. فالفساد الذى يبدو الآن هو ليس فساد مجموعات أو أفراد بقدر ماهو فساد فى الصيغ التشريعيه الحاكمة والمنظمة لكل المعاملات فى الدولة لدرجة انها تحلل عمليات الافساد هذه تلقائيا وتمنحها الشرعيه القانونيه وهذه هى الطامة
حرب المراكز الذى جعل كل جماعه تحمل مشعلها لتوقد به النار فى رأس الجماعه الأخرى هو الذى كشف حجم المجزرة التى تعرضت لها الخدمة المدنيه من اولها لآخرها فى عهد بناة الشريعة.
حسن إسماعيل
هاردلك يامولانا عصام الجماعة قطعوا ليك اجازتك فى سويسرا ؟