وحدة المعارضة بين قوى الاجماع ونداء السودان

قرأت فى العدد الماضى من الراكوبة مخاطبة الاستاذ فاروق ابوعيسى ? قوى الاجماع ? الى الاستاذ عرمان حول الاخطاء التى تعتقد قوى الاجماع ان نداء السودان قد وقع فيها . وايضا قرأت ملخص مااتفقت عليه قوى نداء السودان ، وايضا حديث الاستاذ عرمان عن دراسة الحركة الشعبية لقضية تجميد المفاوضات .
والحقيقة انا مندهش . قوى الاجماع كانت ولازالت تؤمن بان المفاوضات والحوار شيئان ضروريان لحل القضايا ، خصوصا ان مكونات قوى الاجماع لاتحمل السلاح . ولكن لمعرفتهم بطبيعة النظام ، التى ظل يبرهن عليها لكل ذى عينين ولمن ليس له ، طوال السبع وعشرين سنة الماضية ، فانهم طلبوا ان تتحقق اشياء معينة لضمان سير الحوار وامكانية توصله لمايحل المشاكل بشكل نهائى وقاطع . غير ان النظام اختار الاسلوب الذى يضمن له مزيدا من الوقت ، ليقضى على الحركات المسلحة حربا ،و ليحاول تسوية اموره مع المجتمع الدولى بكل الاساليب ، بما فيها التحولات الخارجية المذهلة وآخرها التدخل الاسرائيلى لدى الغرب لمصلحة النظام .
لقد عقد النظام العديد من الاتفاقيات فى مراحل مختلفة ومع مختلف الجهات السياسية السودانية ابتداء من الحركات المسلحة ، الى الصادق المهدى فى مراحل مختلفة ، الى الدوحة .. الى اتفاقية القاهرة مع التجمع .. سؤالى لمن لايزالون يأملون فى الوصول الى نتائج حقيقية من خلال الحوار : مالذى تحقق من هذه الاتفاقيات ؟ فى الحقيقة ان الاتفاقية الوحيدة التى نفذت فى نهاية الامر، وبالصورة التى حققت ما سعى اليه مهندسوها ، نتيجة للضغوط التى مارسها هؤلاء المهندسون ، وهى الاسلوب الوحيد الذى يفهمه النظام ، هى اتفاقية نيفاشا . وهذه اختزلت فى العلاقة بين الحركة الشعبية والنظام ، ولم تتحقق شروطها الداعية الى التحول الديموقراطى .
فاذا عدنا الى تجارب مكونات نداء السودان فاننا نجد التالى :
السيد الصادق المهدى الذى كان مؤمنا بحوار الوثبة بدليل المشاركة فى بداياته ، ثم حدث ماحدث له نتيجة لحديث قال به الكثيرون حتى من داخل النظام عن مسيرة الحرب فى دارفور ، فكانت النتيجة اعتقاله ! الايدل ذلك على ان الحوار دون توفر الحريات بشكل قانونى قاطع واجراءات عملية تتخذ غير ممكن ؟ وهل ما يحدث الآن من ايقاف الصحف اليومية فى اشياء تعتبر الحد الادنى من الحريات المطلوبة ، ومن اعتقال بل ومحاكمة لنشطاء حقوق الانسان بتهم تصل عقوبتها للاعدام ، ومنع الصحف من الكتابة عن مفاوضات اديس بل وعن اضرابات الاطباء ، هل كل هذا لايدل على عدم توفر الحريات المطلوبة لحوار مجد ؟! ثم هناك مايدور بين النظام والمعارضة المختارة للتفاوض حول مخرجات الحوار : يقول ممثل المعارضة الرئيس انهم اتفقوا على منصب رئيس الوزراء ،فيخرج المسئول السياسى بالحزب الحاكم لينفى ، فقط كمثال لاشياء أخري لايعلم عنها الشعب ،المعنى الاول بنتائج الحوار ،شيئا .
ثم اليس من اساسيات ما توصلت اليه قوى نداء السودان ، ان الحوار غير ممكن مالم يدفع النظام استحقاقاته : الحريات ، اجندة متفق عليها وليست مفروضة من قبل النظام منفردا ، الاتفاق على اسلوب ادارة الحوار ورئاسته ، ثم الاتفاق على اسلوب تنفيذ مخرجات ذلك الحوار . وايضا انه لابد من اجتماع تحضيرى للاتفاق على هذه الاجراءات . ولكن النظام يكرر يوما بعد يوم انه لا يقبل اجتماعا تحضيريا ، بل وله رأى فى من يحضر ومن لا يحضر . السؤال هنا : ماذا يختلف هذا التصور عن تصور قوى الاجماع ؟
أصر الاستاذ عبدالواحد على موقفه من النظام : هذا نظام لايعرف غير اسلوب القوة ، وليس من سبيل لتغييره الا بالقوة ، والآن كادت الحركة الشعبية ان تصل الى نفس النتيجة . وضح ان النظام قد استخدم اسلحة ممنوعة دوليا ، وحتى لو استخدم اسلحة غير ممنوعة فضد من استخدمت ؟ ولماذا ؟ وانه يشترى اسلحد حديثة وكثيرة ، فهل هذا استعدادا للسلام؟
وهناك ايضا قضايا الفساد الداخلى ، الذى اصبحت ادلته مكشوفة للكل وبالوثائق ، والتى يقوم بها من هم لصيقين برئيس البلاد ولكن لاحياة لمن تنادى ، فهل يعتقد المفاوضون ان مثل هذه الحكومة يمكن ان تسلم نفسها للتغيير وبالتالى للمحاسبة ؟!
التجربة مع النظام التى تؤكد عدم جديته ، بل واستحالة جديته فى حوار يؤدى الى نهايته ، مر بها ايضا باقى مكونات نداء السودان ، فبالاضافة الى تجربة السيد الصادق المهدى مرة ومرتين وثلاثة ، وتجربة السادة رئيس وامين عام الحركة الشعبية والسادة مناوى وجبريل، هناك طبيعة النظام التى لن تسمح له بحوار يؤدى الى ماتريده المعارضة ، حتى تلك المختارة للمشاركة فى حوار الوثبة ، وسوف نرى بعد العاشر من اكتوبر ، اذا لم يتم تأجيله!
يبدو ايضا ان قوى نداء السودان لم تلاحظ بعد ان حركة المقاومة فى الداخل فى طريقها العاجل للانتقال من الدفاع الى الهجوم ، وان النظام نفسه قد أصبح فى اضعف حالاته ، والدليل الذين يقفزون من المركب يوميا وشيخ الامين ! ان توازن القوى يميل فى غير اتجاه النظام ولم يعد هناك وقت للاختلافات الصغيرة .