الشيوعي.. و المنتظر من عودة المدعو المؤتمر

“المنتظر من عودة المدعو المطر”
عاطف خيري

“التربية الديمقراطية الحقة هي التي تضمن تحقيق إيجابيات الديمقراطية المركزية”
من الأدب الشيوعي

تقديم:

تنبع ضرورة المفهوم من الطبيعة الثورية للأحزاب الشيوعية و حوجة الحزب إلى التحرك إلى تحقيق أهدافه و مهامه و مخططاته، بالسرعة و الكفاءة المطلوبتين، و دون أي تقليل لضرورة اتباع أكثر الأشكال ديمقراطية في إتخاذ القرار.
و بطبيعة الحال، لابد لذلك أن يتم تحت مظلة الوحدة الفكرية لعضوية الحزب حول الخط السياسي و التنظيمي. إذاً لابد أن تأتي المركزية متماشية مع طبيعة الموقف و مصحوبة بالفهم العميق للقيادة لمفهوم الديمقراطية. و أن تكون، القيادة، و عبر الممارسة اليومية للعمل الحزبي قد أثبتت لقواعدها حرصها الأكيد على الأخذ بآرائهم في كافة القضايا الأساسية، و ذلك بالمحافظة على القنوات الحزبية مفتوحة للجميع، و بالإستقرار التنظيمي- و الذي هو من صميم مسؤولياتها- الذي يضمن إطلاع العضوية على ما يدور حولها بصورة تمكنها من بناء آراء متماسكة، مبنية على إستقراء مكتمل للوقائع، و متشجعة للمساهمة و رفد الحزب بتلك الآراء، داخل القنوات، طوعاً و إختياراً، إطمئناناً منها بأنه لن تقابل آرائهم و مقترحاتهم بالإستقزام أو الأقصاء، و إيمانا منها بأن القيادة الحقيقية للحزب الثوري هي قواعده الفاعلة.

الحزب الشيوعي السوداني، المفهوم و الممارسة :

الممارسة التنظيمية لمبدأ الديمقراطية المركزية في الحزب الشيوعي السوداني شابتها الشوائب، و تأثرت كثيراً بما مر به الحزب من قمع و تنكيل و محاولات هدم و تصفية سادت فترات الدكتاتوريات العسكرية، و للسخرية ؛ لم تخل منها حتى فترات الديمقراطية . وضعت تلك الظروف الحزب أمام مهددات أمنية جسام، ظلت تستهدف جسده و أمنه و سلامة منتسبيه، مما إضطره لمواجهتها بتغليب المركزية على الديمقراطية لفترات طويلة، و لكن دون إقصاء تام للديمقراطية من المفهوم و الممارسة. و أظن ذلك من المعلوم و المتفق عليه بالضرورة ولا حوجة فيه لكثير فزلكة تاريخية. و لكن، و مدعاة للإعجاب، لم تبرز إلى السطح طوال تلك الفترات، ما قبل الخامس، تداعيات تعلية قدر المركزية على الديمقراطية في الممارسة طوال تلك الفترات، واستطاع الحزب أن يخرج متماسكا، و بأقل الأضرار من أكثر من تجربة كان عصياً الخروج منها دونما إنشقاق عظيم أو إنهيار مدوي. و ذلك يحسب و إلى حد كبير إلى الإنضباط و الإلتزام التنظيمي العالي لكادر الحزب الشيوعي، و نجاح قيادته في المحافظة على القدر المستطاع من القنوات التنظيمية ” سالكة” إلي حد ما، مما يسمح بمرور الرأي و القرار صعوداً و هبوطاً، دونما إضرار بأمن الحزب، و بما يضمن خلق الوحدة الفكرية المطلوبة بين الرفاق لبناء حزبهم و صياغة و تنفيذ خطه السياسي.

و لكن، و كنتاج طبيعي لطول سنوات العمل السري و غلبة مفهوم المركزية كأساس للعلاقات التنظيمية بين القواعد و القيادة، تراكمت الكثير من العوالق لتسد مجرى القنوات التي تضمن قدرة الحزب على التنفس و أكسدة الآراء المتداولة داخله و بالتالي ضمان تغذية حقيقية لكل أطرافه و جهازه المركزي. و من هنا بدأ تراجع الحزب عن القيام بدوره الطليعي، السياسي و الإجتماعي.

كان للمؤتمر الخامس أن يعالج المرض في مراحله القابلة للعلاج، لو أنه خاطب القضايا في عصبها، و أعاد نقاط الثورية فوق حروف الحزب الشيوعي، بدلاً عن المعالجات التوفيقية و محاولات الخروج بأقل الأضرار. و بالتأكيد، كان له أن يفي بتطلعات العضوية لو أنه أتى بقيادة على قدر من المسؤولية و الكفاءة، تستطيع بهما إنجاز مقرراته و إعادة وضع الحزب في مساره الصحيح.

إن ما يعيشه الحزب الشيوعي الآن من أزمة عمل قيادي طاحنة، و ترهل تنظيمي، و إنعدام لوحدة الفكر، هو الذي وضع الحزب في هذا المنحنى الخطر الذي يمكن أن يودي بوحدته التي لطالما كانت عصية على أعدائه، على كثرتهم و إختلاف أساليبهم. و رغم تجارب الإنشقاقات السابقة، و التي على أهميتها في إستقراء وإستنتاج ما يمكن أن يحدثه التراكم، إلا أن الخشية على الحزب من أن تعصف به أزمة اليوم أكثر من أي تجربة سابقة، لإختلاف طبيعة الصراع هذه المره. فصراع السلطة، لا يؤمن بالأخلاق الثورية.

كان من الممكن تفادي ما يحدث اليوم لو أن اللجنة المركزية المنتخبة في المؤتمر الخامس إستوعبت مهامها الأساسية المنوطة بها في هذه المرحلة الدقيقة من تأريخ السودان و عمر الحزب الشيوعي السوداني. لو أنها عملت على إستقرار العمل التنظيمي و إستنهاض الكادر لإعادة ترتيب الداخل بناءا على مستجدات الواقع المحيط، و لإعادة ما تم فقده تدريجياً، خلال الفترات السابقة، من مفاهيم أساسية للتنظيم الطليعي. كان بالإمكان ذلك، لو أنها، اللجنة المركزية، كانت بالقدر الكافي من بعد النظر ما يقيها شر الإنحراف عن القضايا الأساسية إلى الصراعات الشخصية، و تحويل المواقع القيادية إلى إمتياز و تشريف، يتصارع عليها، بدلاً عن حقيقة كونها مسؤولية و تكليف.

عدم إستشعار القيادة لحجم المسؤولية، و خطأ تقديرها لما ورثته في هذه المرحلة من حياة الحزب، و فشلها في إستشراف آمال و تطلعات الرفاق في حزبهم، و إصابتها بالأمراض التنظيمية الكثيرة، هي أسباب رئيسية لما يشهده الحزب اليوم من زلازل. و هي ما أدت إلى فقدان كثير من عضوية الحزب ثقته في قدرة هذه اللجنة في قيادة الحزب إلى مؤتمر ناجح يضع الحزب في المسار الصحيح.

المنتظر من عودة المدعو “المؤتمر”:

المنتظر، من الحزب الشيوعي السوداني على مستوى الساحة السياسية السودانية في قيادة اليسار الكثير. و لكن، و ليتأتى هذا، لابد أولاً من إستعادته لدوره الطليعي وسط الجماهير، بالإقتراب منها و العمل وسطها. ولا يمكن لذلك أن يحدث إن لم يستعد نفسه أولا من قيادة تكاد أن ترمي به، و بعمره الذي يناهز السبعين، إلى غياهب الجب.

يقع ذلك الحمل اليوم على كاهل المؤتمرين في السادس. حمل هزيمة أي محاولات لإفراغ المؤتمر من مهامه، و ما ينبغي له. و محاولة الخروج بمؤتمر ناجح أولا على صعيد إعادة البناء التنظيمي، و النظر والتعديل في هيكل و تكتيكات الحزب بما يمكن أن يخدم الحزب و يعلي من كفاءة أدائه وسط الجماهير. والخروج بأكبر قدر ممكن من الوحدة الفكرية حول القضايا الأساسية، من قضايا البرنامج و الخط السياسي . و تبني المنهج و الطريق السليم الذي يوصل البلاد إلى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية . و أولا و أخيرا،النجاح في الخروج بقيادة تستطيع أن تستشعر دقة المرحلة و تستطيع إعادة ترتيب الصف الداخلي، و تستطيع إعادة ما ضاع من مفاهيم ثورية في عهد سابقتها، ولا ترى في نفسها “سلطة” على عضوية الحزب، بل تستشعر دورها “القيادي”.

د. عمر عبدالحميد مختار
27 يوليو 2016

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. طرح جيد و موضوعي يا دكتور و رؤيتك تمثل المدخل لحل الازمة غلي المؤتمرين التركيز علي الاوراق الرئيسية للمؤتمر و قتلها بحثا و تمحيصا وتحليلا و الخروج بافضل النتائج ثم مناقشة قرارات الفصل دون توتر و تكتل و النظر في الحيثيات و في دفاع المفصولين عن انفسهم و استصحاب كل نشر في الاعلام من مقابلات و معلومات متسربة او غيرها و اراء اعضاء كتبوا في هذا الخصوص بكل موضوعية بعيدا عن لغة التخوين و الاتهامات التي يطلقها البعص اعلاميا من الطرفين
    علي اعضاء الحزب المؤتمرين تقع مسئولية كبيرة في اخراج الحزب من هذه الازمة و عليهم مناقشة ازمة العمل القيادي في جوهرها و مفاصلها دون الهجوم علي الاشخاص او
    توزيع الاتهامات المجانية لاي طرف من الاطراف
    علي اعضاء المؤتمر من غير اعضاء اللجنة المركزية ان تشكل الكتلة الثالثة المحايدة المنوط بها التركيز علي مناقشة القضايا الرئسة المنوط بها كل مؤتمر وهي مناقشة التفرير التنظيمي والتركيز عليه وعلي مفاصل العمل التنظيمي و قنواته و الهيئات القيادية و الوسطية و القاعدية و مهامها بالتركيز علي تفعيل الديمقراطية داخل الحزب و ايجاد صيغة افضل لسرعة التواصل بين الهيئات العليا و الادني و تجويد قضية الصادر و الوارد
    ومن ضمن مناقشة التقرير التنظيمي تناقش ازمة العمل القيادي في جوهرها بمناقشة اداء الهيئات لجنة مركزية مكتب سياسي سكرتارية والمكاتب المركزية المكتب التنظيمي والمكتب المالي و مكتب العلاقات الخارجية بمناقشة الاداء سلبيات وايجابيات دون التطرق للاشخاص وتحت ضغط التوتر الانفعال نخرج عن الموضوعية ويلجأ البعض للسباب و الشتم و توزيع الاتهامات وحتي لو كان لابد من انتقاد اداء الاشخاص فيجب ان يتم ذلك بكل ادب واحترام و بروح رفاقية عالية فنحن جميعا في اتحاد طوعي و في حزب لايقدم لك سوي الوعي و التجرد ونكران الذات و حب الوطن و الشعب ولكنه يأخذ كثيرا من و قتك و جهدك و اسرتك و مالك غير ما قد تواجهه و واجهه رفاق من اعتقالات و تعذيب وتشريد و قتل وكل ذلك من اجل القضية التي امنوا بها و لم يجبرهم احد عليها
    و في هذا الجانب اقترح علي الزملاء المؤتمرين ان لايضوتوا لاي من اعضاء اللجنة المركزية السابقة اذا هم سبب الازمة و ان اعادة انتخابهم يمكن ان يعيد انتاج الازمة الحزب ليس عقيما وبه من الكوادر من هم قادرون علي تحمل مسئولية العمل القيادي و اكتسبوا خبرات في العمل القيادي في مديرية الخرطوم و الهيئات القائدة في الاقاليم
    هذا الاقتراح تجنبا للاستقطابات و تنفيس حالة الاحتقان الحالية والتي عبرت عن نفسها في مواقع التواصل الاجتماعي و في الحوارات الداخلية والثنائية بين
    الاعضاء والاصدقاء داخل الحزب
    هذا الحديث يجب ان يتم و بنفس الرؤية عند مناقشة التقرير السياسي و خط الحزب و منطلقاته الفكرية و برنامجه و كيفية ادارة اختلافات فكرية و اطلاق الحرية الكاملة في النشرات الداخلية للحزب وصحفه و مجلاته العلنية للاراء جميعها لتعبر عن نفسها من اجل حوار منتج و مثمر يصب في مصلحة تطور الحزب و العضوية و نشر الوعي بين افراد شعبنا واشراكهم في الحوارات حول حزبنا واهدافه و برامجه و حلوله للقضايا الشائكة التي تواجه شعبنا و وطننا
    اري و انطلاقا من ما طرحه د عمر ان تناقش كل التقارير ومن ضمنها المالي بكل شفافية و وضوح بعيدا عن حالة الاحتقان وا ضعين نصب اعينكم الحزب والحفاظ عليه
    وتطويره والخروج به موحدا شعبنا يعول كثيرا علي الحزب العتيد و الذي غرس جذوره عميقا في التربة السودانية خلال سبعين سنة من التضحيات الجسام خبر فيها الشعب السوداني الشيوعيين و شهد لهم بالنزاهة و التضحية و الايثار و نكران الذات و الوطنية سبعين عاما خبر فيها الحزب شعبنا و قدم له الوعي والتنوير و ساهم الشيوعيين في تنظيمه و خاضوا معه معارك كثيرة لانتزاع حقوقة قدموا للمرأة السودانية خيرة بنات شعبنا كقائدات لعبن مع نساء بلادي دورا عظيما في انتزاع المرأة السودانية لكل الحقوق التي تتمتع بها الان
    لذلك علي الاعضاء المؤتمرين وضع كل ذلك الارث نصب اعينهم وان لا تحرفهم او تجرفهم الصراعات الجانبية و الشخصية عن الهدف الاساسي و هو الخروج بالحزب متماسكا و موحدا فكريا و سياسيا و تنظيميا
    وفي هذا الصدد اقترح قبل الجلسة الختامية ان كان ذلك ممكنا ان تكون لجنة من المؤتمرين ليس لها علاقة باي من طرفي النزاع لمناقشة قرارات الفصل و ان تستمع للطرفين كل يدلي بحججه علي ان يكون باللجنة محامين من امثال الاخ كمال الجزولي
    و زملاء محامين اخرين + من يتم اختيارهم من المؤتمرين تنظر في حيثيات الفصل و دفوعات كل من الطرفين و تقرر علي ضوء الدستور و ماتتوصل اليه رأى وترفع توصيتها للمؤتمرين اما بالموافقة علي الفصل او برفضه

    كما اناشد الزملاء المفصولين و الزملاء في اللجنة المركزية الموافقون علي قرار الفصل و غير الموافقون والحادبون علي الحزب من الاصدقاء و من غادروا الحزب طائعين او مكرهين او حردانين بالابتغاد عن الاعلام و انتم علي اعتاب المؤتمر
    لمصلحة نجاح المؤتمر وان لايصبوا الزيت علي النار وان لايدفعوا الي مزيد من الاستقطاب
    علي الزملاء المفصولين ان يتمسكوا بخقهم و تأريخهم و بنيانهم و بيتهم و يستأنفوا قرار فصلهم للمؤتمر دافعين بحججهم مفندين لخيثيات فصلهم بكل موضوعية واستنادا الي دستور الجزب و تجاربه
    نتمني لمؤتمركم التوفيق وان يخرج الحزب معافي قائدا لجماهير شعبنا في معاركها لانتزاع حقوقها و اسقاط نطام البطش و القهر والذي جوع شعبنا و دمر الوطن وقسمه و اشعل الحروب في اركانه وشرد شعبنا في معسكرات النزوح وبلدان المهجر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..