مقالات وآراء

السودان وقطار ثورته الى أين يتجهان؟

عوض كفي

يبدو من أول وهلة لأي متابع للشأن السوداني ناهيك عن الثوار ،  يشعر بأن قطار الثورة السودانية الذي إنطلق بقوة منذ بداية رحلة ثورته في ديسمبر 2018م، مروراً بمحطة أبريل 2019م الذي أُنْزِل فيها البشير ونظامه (ليستريحا قليلاً ربما إستراحة محارب )، منذ ذلك الحين للأسف لم يبطئ القطار سرعته فحسب، بل إنحرف عن جادة طريقه ،وحديد قضبانه، وفقد تماماً بوصلة اتجاهاته ،وبدأ يتخبط يميناً ويساراً ولا سيّما منذ السابع عشر من أغسطس 2019م ، اليوم الذي سُمِّي مجازاً ب (يوم فرح السودان )، يوم أن تم التوقيع على الاعلان أو الاستسلام الدستوري بين قحت والمكِّون العسكري في إحتفال مهيب، أو إن جاز القول يوم أن تم تسليم البلاد ومقاليد الحكم والسلطة الفعلية للجنة البشير الأمنية.

نعم منذئذٍ بدأت تتكشّف عياناً بياناً عورات ذلك الاعلان الدستوري شيئاً فشيئاً ،حتى وصلنا لدرجة إتهام (قحت) بانه جزء أصيل ومشارك فعلي للعسكر في المصطلح الذي سُمِّي بالهبوط النّاعم ،وما يعزِّز تلك الفرضية هو ضعفهم وأعمالهم، وإهمالهم وتركهم الحبل لغارب الكيزان عامة ،ولأعضاء المؤتمر الوطني خاصة دون محاسبتهم محاسبة جادة ،وتركهم يتحكَّمون في اقتصاد وسياسة البلاد على عينك يا تاجر ،هذا بجانب تسليمهم أمر البلاد للمكِّون العسكري ،والذي يعتبر خير دليل على انهم يمثلون فعلاً لا قولاً الهبوط الناعم ، وكذلك جريهم وراء المناصب والكراسي ، ضاربين عرض الحائط  بالشهداء الذين بذلوا مهجهم وأرواحههم رخيصة ، وذلك من أجل تحرير وتخليص البلاد والعباد من عهود الصلف والجبروت ،والقمع ،والكبت الذي مورس ضدهم طيلة ثلاثة عقود ، وذلك بإسم الإسلام البرئ منهم ومن أفعالهم براءة الذئب من دم إبن يعقوب عليه السلام.

هذا هو إتجاه سير قطار الثورة المتخبِّط ،فاقد الدليل والبوصلة!!  فالى أين يسير الوطن بأكمله ؟؟

الاجابة على هذا السؤال مُأُرِّق جداً لأنه مأزقٌ جد خطير ، فالبلاد على صفيحٍ ساخن ، لأن غول الغلاء بدأ يحصد أرواح البسطاء ، بجانب الأزمات المتلاحقة في الوقود ،وغاز الطبخ،والخبز، والدواء أصبحت أسوأ مما كانت عليه في عهود الظلاميين المتأسلمين . فالمواطن الذي ثار على نظام البشير بسبب تلك الأزمات صبر وصبر، ولكن معروف أن للصبر حدود ،وخاصة اذا كان يتعلَّق بالجوع ، فكيف لأمٍ أن تصبر وهي لا تجد لطفلها الذي يئن بجانبها في الفراش حليباً لتسقيه وتسكته ؟ وكيف لأب أن يصبر وهو غير قادر ان يوفِّر قيمة الدّواء أو العلاج لفلذة من فلذات كبده المريض ؟

عصابات المؤتمر الوطني الذين أفسدوا وطغُوا في البلاد لم يُصَبُ عليهم سوط حكم رادع ، بالعكس لقد نقلت إلينا الأسافير بانه تم الافراج عن بعضهم ،وجاري الافراج عن البعض الآخر ، وحتى المحاكم الجارية حالياً لبعضهم ،كما يراها الكثير من الناس ما هي الا عبارة عن مسرحيات محزنة بممثلين (كومبارس) وبإخراج هزيل باهت .

وأما لجان التحقيق التي شُكِّلت للتقصِّي في كثير من القضايا، وأولها وأهمها فض إعتصام القيادة العامة فهي في وادٍ، وذوي الضحايا الذين يسألون كل يوم عمّن أمر وقتل أبنائهم في وادٍ آخر، بل ولا يعرفون الى أين وصل التحقيق؟ وإن كان هناك أصلاً تحقيق؟

وتجمّع المهنيين الذين كانوا على قلب رجلٍ واحد وقادوا الثورة بنجاح، فبعد أن دانت البلاد لهم ولثوارهم، اختلفوا فيما بينهم ،فريق منهم تحالف وإنضم مع قائد الكفاح المسلَّح عبد العزيز الحلو ،وفريق آخر تلاشى نهائياً ولم نسمع له حس ولا خبر في الساحة السودانية .

أما جيل الثورة ،الجيل الراكب رأسه ،جيل الغضب فهو يقف وحيداً في حراسة ثورته متمسكاً بها بكل كلكله، فأي محاولة لوأد ثورته من قبل الفلول أو العساكر ،معناه جر البِّلاد والعباد الى ما لا يحمد عقباه ،من تشظٍ وتفكُّك وتناحر وتشرزم ومزيد من سيلان الدماء ،وتمزيق البلاد وتقطيع أوصاله إرباً إرباً، وأخيراً سنفقد الوطن والمواطن لا سمح الله.

نعم هكذا أرى السودان بأنه متّجه نحو دولة فاشلة الى صومال آخر، أو سيحِل بها ما حلَّ بإخوتنا في ليبيا واليمن وسوريا (وهذه هي أمنية الكيزان) اذا لم يدرك العقلاء من قحت الوضع قبل فوات الأوان ويخرجوا من شرنقة هبوطهم الناعم. وعلى عاتق رئيس وزراء الثورة والحكومة الانتقالية الدكتور عبد الله حمدوك ،تقع مسؤولية الكشف لعامة الناس بكل أريحية وشفافية ما تواجه حكمه المهترئ  من مشاكل وعقبات حقيقية في إنزال متطلبات الثورة الى أرض الواقع .

باختصار شديد حسب تحليلي المتواضع ،اذا لم يتم بقدر الإمكان سحب البساط سريعاً من تحت أرجل لجنة البشير الأمنية ،ومن قحت بسرعة وبسرعة جداً ، فتوقَّعوا الأسوأ في مقبل الأيام . (والله يكضب الشينة)

اللهم إني قد بلَّغت قومي فاشهد.

 

عوض كفي

<[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..