مقالات سياسية

أزمة الإسلاميين مع التلفزيون

بشرى أحمد علي

هم يعتقدون بشكل مفرط أن التلفزيون هو وسيلة للتغيير تعد رخيصة الثمن ، ويررون أن من يملك التلفاز وبرامجه يملك الحقيقة ويستطيع توجيه الناس بالشكل الذي يريده ، لذلك كان تبرير العميد أبو وهاجة بإقالة الأستاذ لقمان أحمد ، منسجماً مع هذه الرؤية . فهو يرى أن الفريق برهان بسبب لقمان قد تذيل الأخبار ، وبأن التلفزيون لا يغطى جبهة الفشقة ، وفي النقطة الثانية نجد أن التلفزيون السوداني حذف محافظة حلايب حتى من نشرة الأخبار الجوية والطقس.

 

وربما تكون هذه الرؤية صحيحة قبل 70 عاماً عندما إكتشف العالم فكرة البث المرئي ، وكانت الدولة هي المصدر الوحيد للمعلومات ، ولم يكن أمام الجمهور خيار سوى الإعتماد على تلفزيون الدولة الرسمي لتلقي المعلومات ، و أعتقد أن حقبة البرهان ضبطت عقارب الساعة للوراء لنعود لحقبة أوروبا الشرقية ، وتجاهل الإنقلابيون أن الإعلام التفاعلي كما يحدث في وسائل التواصل هو الأقوى تأثيراً وأصبح مصدراً مهما للتقارير الخبرية بسبب إرتباطه المباشر بالأحدث ولعفويته بحكم أنه لا يخضع للرقابة ، فحتي القنوات الإخبارية الكبرى أصبحت لها صفحات في مواقع التواصل الإجتماعي ، وهناك صحف إستغنت عن عددها الورقي وأصبحت تبيع مادتها في موقعها الإلكتروني ، فلم يعد الإعلام الرسمي فعالاً كما يتصور أبو وهاجة ، ونقل نشاط قائد الإنقلاب أو تحريك قضية الفشقة عند الطلب لا تزيد من التفاعل أو الإهتمام كما يتوقع أبو وهاجة ، وما حدث في الفشقة أقل مما حدث في الميل الأربعين ، ورغم التغطية الإعلامية لذلك الحدث في ذلك الزمن إلا أن الناس قد نسته ومعظم الجيل الجديد لا يعلم شيئاً عن معركة الميل الأربعين لكنه يعلم بكل تفاصيل مجزرة القيادة العامة.

مثلاً تجاهل الإعلام الرسمي الجرائم التي ترتكبها عصابات 9 طويلة ، وربما يكون السبب هو إحترامه لإتفاق جوبا لأن هناك علاقة بين هذه الحركات الموقعة على ذلك الإتفاق البغيض وبين عصابات 9 طويلة ، لكن (الترند ) الذي تشهده مواقع التواصل الإجتماعي عكس تلك الجرائم المخفية رغم التستر الرسمي ، وكثيراً ما لجأت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها المجلس الإنقلابي إلى نفي تهم وردت ضدهم في مواقع التواصل الإجتماعي مثل قضايا الفساد والتعذيب وكيفية إدارة موارد البلاد في بنك السودان ، وذلك يعني أن المصداقية هي التي تجذب الجمهور وليس الكذب والتضليل . وعندما سقط البشير كان يملك أكثر من عشرة فضائيات تدافع عن نظامه ، وكان هناك العشرات من المحللين والإعلاميين يدافعون عن النظام ويهاجمون المتظاهرين ويتهمونهم بالعمالة والإرتماء في أحضان الخارج ، لكن هذه التغطيات لم تصمد أمام كاميرات الناشطين والتي وثقت كل الجرائم.

البرهان أستولى على كل موارد البلاد وباعها في مزاد المحاور الإقليمية ، وكونه يستولى على التلفزيون السوداني ويحوله كمنبر إعلامي خاص به لا يغير ذلك من الوقائع شيئاً ، فنحن نعيش في فضاء حر كبير لن تصل إليه شباك البرهان ، ولا أحد يشاهد التلفزيون الحكومي الآن ، ولا أحد يهتم بمن يجلس على كرسيه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..