وزارة للموت

تعاني إسبانيا ، مثل غيرها من الدول الاروبية ، أزمة اقتصادية خانقة، الأمر الذي دفع أعدادا كبيرة من العاطلين إلى السفر للخارج، للحصول على فرص وظيفية أفضل، واضطر البعض لزيادة ساعات العمل .. هذا الأمر شجع العائلات على تخفيض عدد مواليدها ولهذا شهدت إسبانيا العام الماضي زيادة في أعداد الوفيات مقارنة بأعداد المواليد الجدد، ولا شك أن انخفاض أعداد المواليد مقارنة بالوفيات له عدة دلالات اقتصادية واجتماعية سالبة على الدولة .. إسبانيا لم تقف مكتوفة الأيدى فقد قامت باستحداث وزارة جديدة فريدة من نوعها متخصصة في “الشؤون الأسرية” واختار لها رئيس الوزراء الاسباني سيدة اسمها إديلميرا باريرا، وهي خبيرة في شؤون السكان، وسيكون على رأس مهامها في الوزارة تشجيع الإسبان على الإنجاب، لمواجهة انخفاض أعداد المواليد في البلاد من خلال استراتيجية تضعها الدولة ، وما يجدر الاشارة اليه هو ان متوسط عمر الانسان في اسبانيا هو الاطول في أوربا ويتجاوز السبعين عاما ، وعدد سكانها 46 مليون نسمة .
نحن في السودان نتعرض لنفس المشاكل التى تتعرض لها إسبانيا مع فارق كبير هو أن إسبانيا مستقرة ساسيا ولا تعاني من المشاكل التى ينتجها عدم الاستقرار السياسي ، هذا غير أنها دولة متحضرة ولها نظام تعليمي وصحي جيد ، ورغم هذا فعدد الوفيات تجاوز عدد المواليد ولكن لأسباب منطقية ..إذا كان هذا حال اسبانيا فكيف يكون حالنا ونحن ما زلنا دولة متخلفة جدا ونعاني من الصراعات والأمراض والجوع والجهل والنزوح والتشرد وسوء السكن والطرق والمواصلات وتردي البيئة ؟ والموت عندنا تتعدد اسبابه كما تتعدد أسماء الناس ؟
في آخر تعداد بعد أن ذهب الجنوب كان عدد السكان 35 مليون فقط لا غير ، فكم بلغ عدد السكان اليوم بعد أن وفرت لنا الحكومة كل اسباب الموت وسهلتها إلى اقصى درجة ممكنة ، فالموت هو الشيء الوحيد الذي يمكن الحصول عليه مجانا ، ولا أظن أن حكومتنا تعلم ما إذا كان عدد الوفيات أعلى أم المواليد فمع انشغالها الدائم بقتال المعارضين و مفاوضات الراغبين وتشكيل حكومة وفاق مع المتفقين معها حال البلد في تراجع مستمر ، و حسب الواقع المعاش يبدو أن عدد الوفايات أعلى .
حكومة أسبانيا ليست هي الحكومة الوحيدة التى يقلقها موت السكان فهي حالة طبيعية تقلق كل حكومات العالم إلا حكومة السودان لم نسمعها يوما واحدا أبدت قلقها تجاه موت سكانها ، ولذلك ليس بغريب أن تبتدع إسبانيا وزارة فريدة لتهتم بزيادة السكان وتبتدع حكومتنا حكومة كاملة يشارك فيها أكثر من 130 حزب وحركة .
لم يبقَ لحكومة المؤتمر الوطني إلا أن تبتدع وزارة جديدة للموت ، خاصة وأنها في حاجة لعدد كبير من الوزارات لتشكيل حكومة الفراغ الوطني ، مهام وزير وزارة الموت لا شك أنها ستنحصر في استثمار حوادث الموت الكثيرة لدعم خزينة الدولة ولكن كيف ؟ فهذا متروك للسيد الوزير وأكيد ما حيقصر .
التيار