مقالات سياسية

رفقة غير مأمونة

بعد انطلاق شرارة التمرد في العام 2003 في دارفور أصبح السلاح متوفرا في يد كل شخص- تقريبا- ويمكن حمله علنا دون أي حرج، كما يمكن لأي شخص أن يطلق ما يشاء من الأعيرة في الفضاء؛ لأي غرض- زواج أو نجاح، حتى لو من باب التسلية والمزاج، بل في الأعراس يحمل كما تحمل العصي، ويمكنك أن تجد أكثر من 50 شابا بيدهم بندقية يبشرون بها، وقد أصبح السلاح رفيق الجميع، ولأن البلد لم تعد مستقرة سياسيا، وفقدت الأمان- تماما- ترك المواطن الدولة، وعاد إلى الاحتماء بقبيلته، فكان لا بد للقبائل أن تكون على قدر المسؤولية تجاه أفرادها فتسلحت، واليوم ليس هناك قبيلة مهما كانت صغيرة لا تملك من السلاح ما يمكنه أن يعد كتيبة متجهة إلى الحرب، أما القبائل الكبيرة فقد مضت بعيدا وأصبحت قوة لا يستهان بها (أصبعها في عين أي زول).
السلاح في دارفور له تأريخ طويل، بدأ ينهمر نحوها منذ عشرات السنوات، أثناء الحرب الليبية التشادية، والحرب التشادية التشادية، إضافة إلى مجاورة دارفور لجنوب السودان، الذي ظل- وما زال- منطقة حروب، وصراعات لا تتوقف؛ كل ذلك جعلها سوقا للسلاح، ورغم ذلك لم يكن يستخدم، ولا يتأجر به علنا مثلما حدث خلال السنوات الماضية؛ بسبب سلوك الحكومة السياسي؛ للحفاظ على السلطة، ولسنا في حاجة إلى أن نشرح، لكنها حصدت زرعها؛ فهي اليوم أحست بعظم الورطة التي وقعت فيها فأصبحت تبحث عن المخرج.
انتشار السلاح بهذه الصورة المرعبة في دارفور ما كان له أن يحدث لولا غياب وإهمال الحكومة المتعمد؛ فهي صاحبة القدح المعلى في انتشاره، وتتحمل كل المسؤولية؛ فقد غابت عن المواطن- تماما- في حله، وترحاله، في قراه، ومدنه، غابت عنه وهو ظالم، ومظلوم، قاتل ومقتول، غابت عنه في معيشته، وصحته، وتعليمه؛ فشعر أنه يعيش في غابة، ولا أحد يحميه، ولا بد من أن يحمي نفسه بالسلاح؛ حتى أنه أصبح لا يشعر بالأمان إلا حين يرافقه السلاح، وأصبح حاضرا في كل مشكلة حتى طغى صوته على صوت العقل، والقلب، والإنسانية، والدين، والقيم.
منذ زمن والحكومة تتحدث عن جمع السلاح في دارفور، وحصره في يد القوات النظامية، وأعتقد أنها قامت بالكثير من الإجراءات لكنها لم تثمر، وما زال منتشرا، ولن تثمر إجراءاتها ما لم تصبح القوات النظامية مُعرفة للمواطن بأنها جيش وشرطة- فقط- وأن يشعر أن الدولة ترافقه أينما كان، وأن الأمن (بجميع مسمياته) متوفر له، وأن حقوقه محفوظة، وإن ضاع له حق فالعدالة معه، هذا الوضع جدير أن يجعل المواطن ليس في حاجة إلى رفقة السلاح- وهي رفقة غير مأمونة- وسيتخلص منه وحده.. فماذا يريد به ما دامت الدولة ترافقه أينما وجد؟!.
نائب الرئيس حسبو سبق أن ناشد المجتمع في دارفور، وطلب منه أن يكون سنداً، وحاضناً لتنفيذ مشروع جمع السلاح، وقال: إن جمع السلاح لا يتحقق عبر القوات النظامية- فقط- بل يحتاج جهد المجتمع، وحمايته؛ لتنفيذه، السؤال الذي يُفرض.. كيف يجتهد المواطن؟، ماذا وفرت له الدولة حتى يجتهد؟، ولن يتخلى عن السلاح إن لم يرَ الدولة بكامل هيبتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية موجودة على أرض الواقع؛ فهيبة لدولة ليست قوة إنما رعاية، ورفقة.

التيار

تعليق واحد

  1. لك التحية أستاذة اسماء على هذا الموضوع الحيوي.
    انتشار السلاح كما تفضلت له تاريخ طويل في دارفور، فقد تأثرت دارفور بالحرب الليبية التشادية، حيث كانت قوات الشيخ ابن عمر تتخذ من درافور قاعدة تغير منها على تشاد.

    ولاننسى حادثة “المرتزقة” في 1976 حيث تم دفن كثير من السلاح في وادي هور، ليقع لاحقاً في يد الأهالي.

    كما إن الصادق المهدي قد استحدث قوات “المراحيل” في عام 1986 في مناطق التماس مع الحركة الشبية، حيث قام بتسليح القبائل العربية.

    تابعت الإنقاذ هذا المنحى فيما يعد فيما عرف بالدفاع الشعبي، ثم حرس الحدود وأبو طيرة. واكتملت الحقلة بتسليح الجنجويد للقضاء على الأخضر واليابس في دارفور.

    الموضوع شائك جداً في دارفور فقد تم تسليح قبائل بكاملها لتصبح هي مفوض الحكومة لحفظ الأمن في تلك الديار. ولكن نسبة لغياب الانضباط العسكري فإن هذه القوات تشارك في الحروب ضد جيرانها من القبائل، مثلما حدث بين الرزيقات والمعاليا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..