إسقاط خيار الحرب

بات جلياً وعلى نحو لم يدع مجالاً للشك، أن خيار الحرب لحسم الصراع بين النظام وفرقائه لم يعد على قائمة الخيارات المتاحة.. والذي يقرأ بين سطور المشهد السياسي على أصعدته المحلية والإقليمية والدولية يجد أن هناك كثيراً من المُعطيات التي تعززها كثير من الشواهد وقرائن الأحوال، تشير بشكل أو بآخر إلى أن الحرب لم تعُد من بين الخيارات، وإذا كانت الحرب هي الآن ليست من بين خيارات المسلحين، فهي قطعاً لم تكُن من خيارات النظام، إذ لا توجد حكومة عاقلة تسعد بفتح جبهات القتال على مصاريعها والصرف على شراء السلاح وفاتورة القتال وتدمير منشآت الدولة التي تحكمها، غير أن الحكومات في بعض الأحيان هي التي تُرغم مواطنيها على حمل السلاح وأن تكون الحرب هي خيارهم في مواجهتها، لذلك المتمردون هم في الغالب من يختارون الحرب لحسم الخلاف إذا كانوا مرغمين على ذلك أو مدفوعين بأطماع سلطوية أو أجندة خارجية، وهم أيضاً من يسقطون خيار الحرب من حساباتهم…
بإسقاط هذه الحقائق الثابتة في قراءة اتجاهات الصراع على المشهد السوداني نستطيع القول وفقاً لتلك المعطيات أن “الدواس” لم يعد خياراً أمثل للمتمردين، ولعل هناك الكثير من الشواهد والأسباب التي تُعزِّز هذه الفرضية…
أما الشواهد فلم أجد أدل من بيان الفريق مالك عقار الذي أكد بشكل واضح أن الحرب لم تعد من خيارات فصائل التمرد، وأن دعوته للتحالف بين مكونات المعارضة لخوض انتخابات 2020 لهي خير شاهد على صحة ما ذهبنا إليه، وهي نقطة تحول كبرى في مواقف الفصائل المسلحة، وفي تقديري هي موضع اللبنة المفقودة في صرح التسوية السياسية المحتملة بين النظام وغرمائه، وهي دعوة تتسق مع موقف المعارضة السياسية بالداخل والتي يمثلها الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق الذي ظل يعارض خيار الحرب في كل مواقفه المُعلنة منذ العام 1999 بعد توقيعه على اتفاقية نداء الوطن بجيبوتي في نوفمبر من ذات العام، غير أن بقية فصائل المعارضة وخاصة اليسارية ظلت تتبنى موقفاً انتهازياً من قضية الحرب والسلام فهي تدعم خيار الحرب من خلال مواقفها السياسية المساندة للمتمردين من ناحية، ومن خلال تحالفاتها السابقة من الناحية الأخرى كورقة ضغط على السلطة تستخدمها في أي تسوية سياسية.
وأما الأسباب التي دفعت الفصائل المسلحة لإظهار الرغبة في الانتقال للعملية السلمية وخوض الانتخابات كما في بيان عقار يُمكن الإشارة إليها إجمالاً على النحو التالي:
أولاً: تدهور الأوضاع بدولة الجنوب وانعكاس ذلك على دعم متمردي السودان.
ثانياً: التطور الإيجابي في علاقات الخرطوم بجوبا خاصة بعد الاختراقات التي أحدثتها زيارة سلفا للخرطوم.
ثالثاً: تطور علاقات الغرب بالخرطوم بعد رفع العقوبات، رغم مؤشرات التوتر الذي عاد بين الخرطوم وواشنطون.
رابعاً: سيطرة الجيش السوداني على كثير من معاقل التمرد بدارفور، خاصة بعد مؤشرات نجاح جمع السلاح.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة



