مقالات وآراء

لا تفاوضوهم..

 

 

علي مالك عثمان

الاستجداءات المتكررة التي يُطلِـقها قادة انقلاب ال ٢٥ من أكتوبر للمدنيين، والراءات المتتابعة لهم، من أجل الجلوس والتفاوض معهم في مائدة واحدة، من أجل إنتاج صيغة شراكة جديدة، تحفظ لهم مواقعهم وامتيازاتهم في الخارطة السياسية القادمة، في تقديري تأتي نتيجة لعدة أسباب، على رأسها تيقُّـنَهم من أن كلَّ ما توقعوا حدوثه، وبنوْا عليه قرار انقلابهم لم ولن يتحقق. فهم توقعوا استمرار البرنامج الاقتصادي الذي بدأه د. حمدوك، واستمرار تدفق المساعدات الخارجية دون وجود الرجل، هذا إذا فشلوا في إقناعه بالمشاركة في انقلابهم. كما توقعوا أيضاً دعما إقليميا غير محدود من دُوَلٍ زيَّـنت لهم خطوة الانقلاب، وشجَّعتهم عليه، لكنها ما لبثت أن تنكَّرت لهم، وتركتهم لمصيرهم، بعد أن رأت الرفض الخارجي القوي للانقلاب. أيضاً الانقلابيون راهنوا على عامل الزمن، وأنهم توقَّعوا أنَّ العالم سيرضخ للتعامل معهم، أسوةً بانقلابات حدثت في بلدان مجاورة، على اعتبار أنهم سلطة أمر واقع. أما مسألة رفض الشعب لانقلابهم فلم تكن تُمثِّـل لهم قلقاً كبيراً، لأنهم كانوا على يقين أن العنف المُفرِط في مواجهة حراك الشارع، وتفاقم الأزمات المعيشية، سيدفع الناس للانزواء في منازلهم، والرِّضىٰ بهم، إيثاراً للسلامة، ويأساً من تغيير لن يتحقق. كل تلك التوقعات أعلاه وضعها العسكر في حسبانهم وهم يتوكلون على الحي الدائم وينفذون انقلابهم، ولكن خاب فألهم جداً وهم يرون عدم تحققها على أرض الواقع، مما أدخلهم في ورطة كبيرة جداً، جعلتهم يريقون ماء وجوههم وهم يستجدون المدنيين للحوار معهم مجدداً، ونسيان الكارثة التي أدخلوا أنفسهم والوطن معهم فيها.

على أن أكثر ما أَحبطَ العسكر، وأَدخَلَ الندم في نفوسهم، هو حدوث تغيرات لم تكن في حسبانهم، زادت عليهم الحسرة والندم، وجعلتهم متخوفين جداً مما هو آتٍ عليهم في مُقبل الأيام. أكثر تلك المتغيرات إزعاجاً للعسكر، والتي حدثت خارج دائرة توقعاتهم، هو التَّـصدُّعات الكبيرة التي بدأت في الظهور على جدار مكونات الانقلاب المختلفة، والآخذة في التصاعد يوماً بعد يوم، حيث بدأنا نرىٰ ونسمع تصريحات متضاربة لقادته، تغمِز وتلمِز في بعضهم البعض. وأن كل طرف من أطرافه أصبح يغني على ليلاه، وينفرد بالدعوة لأجندته الخاصة. كما أن حوادث الفلتان الأمني، والاقتتال القبلي في دارفور، حتماً زادت – ومتوقع لها أن تزيد – من هوة الشقاق بينهم، خصوصاً بين حركات دارفور المسلحة والدعم السريع.

يضاف أيضاً لتلك التحديات التي لم يتوقَّعها العسكر وبقية أطراف الانقلاب، وأصابتهم بخيبة أمل كبيرة، تيقُّـنهم من استحالة قيام انتخابات سريعة ومفاجئة للجميع، يتحكمون هم في نتائجها، في ظل هذه الظروف والأوضاع، وتحذير الخارج لهم من مغبة إجراء هكذا انتخابات، لأنهم لن يعترفوا بنتائجها، وستُعقِّـد عليهم المشهد أكثر، الشيء الذي جعل مفردة الانتخابات هذه تختفي تماماً من ألسنتهم. وهذا ما تمت ملاحظته بسهولة في تصريحاتهم الأخيرة، خصوصاً من جانب حميدتي، والذي كان يقطع بحصرية تسليمه للسلطة بعد إجراء الانتخابات فقط، بعكس البرهان، الذي ما انفك يُـصَرِّح بإمكانية تسليم السلطة بموجب إحدى طريقتين، الانتخابات أو التوافق السياسي العريض. وذلك لأن الانتخابات بالنسبة للعسكر كانت بمثابة الخطة “باء”. فقد كانوا يظنون أن بإمكانهم تقصير الفترة الانتقالية، والذهاب مباشرة لانتخابات “مُكَـلْـفَـتة”، تُجرىٰ على طريقتهم، في حال فشلهم في تسيير ما بقيَ من الفترة الانتقالية، ولكن كل ذلك أُسْقِـطَ في أيديهم.

نخلص مما سبق إلى دعوة أطراف العملية السياسية من المدنيين، ولجان المقاومة، وكل ممثلي قوىٰ الثورة، إلى الأخذ في الحسبان أن هذا الانقلاب يحمل كل أسباب تفككه وتشظيه من الداخل، وأن ليس من المستبعد في الفترة القادمة أن نشهد انسحاب أطراف وازنة فيه، تشرع بدورها في البحث عن حلول لورطتها من خارج أسوار الانقلاب. وهذا إِنْ حصل سيُرغِم هؤلاء العسكر على دفع الثمن الذي تهربوا من دفعه طوال السنوات الماضية. لذا على الجميع الصبر، وعدم الانخراط في جولات تفاوض مع هؤلاء الانقلابيين بأي ثمن، تحت دعاوىٰ إنقاذ البلد وتجنيبها ويلات التفكك والتمزق، وذلك لأن المطلوب هو جولات تفاوض حقيقي، تضع الحلول الحقيقية لمشاكل البلد وإصلاح مؤسساته، وليس مسكنات تُعيد إنتاج الأزمة من جديد بعد فترة تساكن قصيرة.. وليحفظ الله السودان.

مداميك

‫5 تعليقات

  1. تحليل سليم وكلام ذي الدهب. اتفق معك مائة بالمائة
    واضم صوتي إليك في عدم الاستعجال ومنح الانقلابيين طوق النجاة وكما قلت هذا الانقلاب سيتفكك من داخله

  2. من أوضح وأجمل ما كتب في تحليل أزمة الإنقلاب الغبيان الذي قادته غربان جوبا بقيادة الجظربان الجربان وشريكه البعران ووظفا لها من ينادون بالمحاورة والتفاوض أمثال عنار عوض الهبلان قال ايه لابد لطرفي النزاع من التفاوض لايجاد أي حل ونسي المغفل الوهمان أن الإنقلابيين في مواجهة الشعب ليسوا طرفين في نزاع وانما علاقتهما هي علاقة المجرم وسلطات العدالة ولابد من القبض على المجرم وعقابه وليس التفاوض معه!

  3. ليس بالأماني تمارس السياسة.. كل يوم يمر يذدادوا تمكينا وانت تظن انهم يستجدونكم للحوار.. خليكم منتظرين الي ان يتم استبدالهم بعساكر طيبين وحنينين من كوكب آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..