السيلفي.. هوس لتسجيل كل شيء وتوثيقه لدوافع غير منطقية

بدعة “السيلفي”، كما يسميها متخصصون في علم النفس، أصبحت مساقا عاما وعُرفا اجتماعيا سائدا لا يتخلف عن ركابه سوى قلة قليلة من الناس. والسيلفي الذي صار ممارسة يومية لا يستغني عنها أحد مثل كوب القهوة الصباحي، تصدت له مختلف الفئات العُمرية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية، فيكاد لا يمر يوم إلا ونجد صورة سيلفي بطلة لقصة إخبارية أو فضيحة اجتماعية أو مزحة للتسلية بين صفوف المراهقين والشباب وحتى كبار السن.

العرب نهى الصراف

يصنّف أهل الاختصاص ظاهرة السيلفي باعتبارها وجها آخر من وجوه النرجسية، وهي عرض من أعراض الاضطراب في الشخصية، فيمكن أن يتطور إلى مرض نفسي إذا لم يتم التصدي له، شأنه شأن الأمراض النفسية الأخرى.

والنرجسي شخص يتميز بالغرور والتعالي والشعور بالأهمية والتفوق على الآخرين، واصطلاحا “النرجسية” هي نسبة إلى الأسطورة اليونانية التي ورد فيها أن شخصا يدعى نارسيس، وكان جميلا جدا، وبسبب جماله عشق نفسه عندما رأى انعكاس وجهه الجميل في الماء، فأراد يوما ما أن يلمس جماله وقفز في البحيرة التي اعتاد أن يجلس على ضفافها مطوّلا متأملا جمال وجهه، فغرق ومات، وظهرت مكان جلوسه وردة، وكانت هذه الوردة هي ?النرجس.

والنرجسي يهتم كثيرا بمظهره وأناقته ويدقق كثيرا في اختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الآخرين وكيف يثير إعجابهم، ويستفزه التجاهل من قبلهم، ويحنقه النقد ولا يريد أن يسمع إلا المديح وكلمات الإعجاب.

وتورد الدكتورة سوزان كراوس وايتبورن، أستاذة العلوم النفسية في جامعة ماساتشوستس ? أمرست الأميركية، أمثلة غريبة عن استخدام السيلفي ليس كصور معروضة على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، بل مقاطع فيديو سيلفي لأحداث وكوارث يومية يمكن أن تحصل لأفراد عاديين، فتتحول وفق أهميتها إلى خبر مثير. وتشير في هذا المستوى إلى “فيديو السيلفي” الذي بثته إحدى السيدات في موقع للإنترنت على خلفية إخلائها وأفراد أسرتها للمنزل أثناء التهام النيران له.

وتتسائل وايتبون عن الأسباب التي تجعل شخصا ما يهتم بتصوير كارثة تحل به أو بأفراد أسرته لتحميله مقطعا مثيرا على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما حياته في تلك اللحظة تقع تحت التهديد في حين أن الثواني قد تكون فاصلا بين الحياة والموت، ومن الأجدر استثمارها لتلافي خسائر فادحة كان يمكن أن تكون أقل لو لا هذا الهوس بتسجيل كل شيء وتوثيقه لدوافع غير منطقية.

ومع ذلك، يرى باحثون أن توثيق الأحداث وتسجيلها في شكل صورة أو فيديو سيلفي قد يكون لها مبررا أو فائدة، فتصوير بعض المقاطع من داخل طائرة حدث فيها خلل ما يعد قرينة يمكنها أن تقدم خدمة للمحققين في الحادث المفترض (في حال بقي الشخص على قيد الحياة هو وهاتفه)، ومع ذلك، فأين المنطق في مثل هذه المحاولة من قبل شخص قد تكون هذه هي لحظاته الأخيرة في الحياة؟

عموما، فإن الأبحاث النفسية في مجال السيلفي تكاد تكون نادرة وربما بعضها لم يأخذ فرصته في النشر في الدوريات العلمية المتخصصة. وضمن هذا العدد البسيط مثلا، توصل باحثون بولنديون في جامعة فروتسواف إلى أن الرجال الذين يحرصون على التقاط صور السيلفي وعرضها على الإنترنت، هم أكثر نرجسية من النساء اللاتي يفعلن ذلك، حيث قام الباحث النفسي بيوتر سوروكوويسكي وزملاؤه باختيار عينة مكونة من 1300 رجل وامرأة تراوحت أعمارهم بين 17 و47 عاما، الذين أوردوا تبريراتهم في استخدام صور السيلفي على مقياس اعتمد أربعة أسباب كالحاجة إلى القيادة، الاكتفاء الذاتي، طلب إعجاب الآخرين والغرور.

وعلى الرغم من أن السيدات أبدين استعدادا أكثر لاستخدام هذه التقنية إلا أن الأسباب التي أوردها الرجال عززت من مفاهيم محددة، أظهرت عنصر النرجسية بصورة واضحة.

وفي النطاق ذاته، أوضحت دراسة قام بها باحثون من جامعة جنوب المسيسيبي الأميركية أن بعضا من الأشخاص النرجسيين لا يحبذون تحميل صور السيلفي الخاصة بهم والتي تحمل مواصفات معينة. كما أشار كريستوفر باري، الباحث في جامعة المسيسيبي، إلى أن طلاب الجامعات هم الأكثر استخداما لهذه الخدمة التقنية وخاصة النساء، على الرغم من أن بعض النساء يتجنبن نشر صورهن باستخدام

هذه الوسيلة، خاصة إذا كانت مقاييس تقدير الذات لديهن في مستويات منخفضة، حيث تبتعد المرأة التي تظن نفسها غير جذابة بما يكفي عن التقاط صور السيلفي.

أما البحث الطريف الذي أشرف عليه الدكتور الإيطالي نيكولا برونو، اختصاصي الطب النفسي والعصبي، فكشف أن الأشخاص يميلون أكثر إلى نشر صورالسيلفي التي تظهر الجانب الأيسر من الوجه، حيث يعتقد البعض أن الجانب الأيسر للوجه يكون

أكثر تعبيرا عن العواطف، لذلك يؤكد برونو على أن صور السيلفي التي تظهر الجانب الأيسر من وجوه الأشخاص، إنما تكشف عن رغبتهم في إظهار حالتهم النفسية ومشاعرهم.

يذكر أن أغلب الدراسات المهتمة بظاهرة السيلفي ركزت على الصور أكثر من الفيديو، وفي كلا الحالتين فإن الجوانب متعددة والمتغيرات كثيرة في هذه الظاهرة، مما يستدعي إجراء مزيد من البحوث سواء في مجال الكشف عن مناطق جديدة في الحياة النفسية أو أبعاد أخرى للحياة الاجتماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..