أخبار السودان

في ذم الاستقلال..!

فيصل محمد صالح

قد يعذر الإنسان البسطاء من الناس الذي يعجزون عن تمثل معاني الاستقلال في حياتهم، إذ أنهم يبحثون عنه مباشرة في حياتهم ومعايشهم و”قفة الملاح” والعلاج والتعليم، فلا يجدونه، فينعكس ذلك في تجاهلهم للاستقلال، وابتعادهم عن الاحتفاء به، وربما فقدان الإحساس بأهميته. وهؤلاء مظلومون مرتان، مرة بما ذكرناه عن عدم وجود نتائج ومصالح حياتية مباشرة لهم في الدولة الوطنية المستقلة، والمرة الثانية لأن النخب المثقفة والمتعلمة عجزت عن توصيل هذه المعاني لهم عبر التوعية والتثقيف.
لكن من لا يمكن عذرهم هم أفراد النخبة المتعلمة والمثقفة الذين ما انفكوا يعايروننا بالاستقلال وكأنه مسبة، أو على أقل تقدير يقللون من قيمته وأهميته، ويصل بهم الحال لإنكار جهد آبائنا وأجدادنا في صنعه، ويقولون انه جاءنا على طبق من ذهب ، “عطية مزين” من الاستعمار البريطاني، بعد ان مل بقاءه في بلادنا القاحلة والجافة، وفي هذا ظلم بين وتجني فاضح يحتاج لمن يردعه.

الأصل عند الشعوب أن تحكم نفسها بنفسها وتدير شؤون بلادها، نجحت في ذلك أو فشلت، وما غير ذلك استثناء وخروج عن القاعدة يجب تصحيحه ببذل كل جهد ممكن. والدول الاستعمارية لم تحتل اي من بلاد الدنيا عطفا وشفقة عليها، ولا كانت مبعوثا مخلصا من العناية الإلهية، ولا كان الغرض الأساسي تطويرها وعمارها وتنميتها، وإنما استغلالها وحلب مواردها لتكون في صالح شعوب الدول الاستعمارية. وما حدث من تطوير أو تعمير، ولو بشكل جزئي، كان لتسهيل عملية الحكم والإدارة والاتصالات وتوفير الموارد لإحكام السيطرة على البلاد، فشيدت المباني ومهدت الطرق وأقامت المشاريع وفتحت المدارس لتخريج الكوادر الإدارية المساعدة.

وليس صحيحا أننا من الشعوب التي استسلمت للإستعمار حتى قرر طوعا الخروج من بلادنا، هذه فكرة بائسة ومعلومة خاطئة ومغرضة تبتذل أرواح ودماء ونضالات السودانيين التي بذلت خلال أكثر من 130 عاما، منذ تصدت مجموعات سودانية عديدة لجيش اسماعيل باشا، مرورا بالثورة المهدية وثورات ود حبوبة والسلطان عجبنا والنوير، مرورا بثورة 1924، ثم النضال السلمي المدني للحركة الوطنية الحديثة والذي تم تتويجه بإعلان الاستقلال.

صحيح أن بلادنا استفادت من اجواء ومناخات ما بعد الحرب العالمية الثانية، من سيادة فكرة تقرير مصير الشعوب، ثم اضمحلال نفوذ الامبراطورية البريطانية وعجزها عن إدارة المستعمرات الكثيرة، واشتعال الثورات وحركات التحرر الوطني في معظم بلاد آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وليس في هذا ما يعيب.

قد يحتج البعض بفشل الدولة الوطنية الحديثة في مواجهة التحديات، وعجزها عن بناء مقومات دولة مدنية حديثة، وهو فشل مستمر ومتواصل. لكنه ليس فشل الشعوب ولا دليل على عدم جدوى نضالات الحركة الوطنية، بل هو فشل نفس النخب التي تدين الاستقلال وتبخس من معناه، فقد آلت إليها الامور وأمسكت بمقاليد الحكم، فلم تلتفت إلا لمصالحها الذاتية، وعجزت عن قراءة واقعنا واستخلاص رؤية بديلة وجديدة للمستقبل.

شعبنا يستحق الاستقلال، وقد دفع ثمنا غاليا من أجله، وناضل في سبيل تحقيقه، ثم خذلته النخب الحاكمة، ولا تزال، وليس الحل في الحنين للماضي الاستعماري، ولا في التقليل من قيمة الاستقلال، بل في استكمال المسيرة لبناء الدولة الحديثة برؤية وأفكار جديدة، ولا بديل عن ذلك أبدا.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كل عام والشعب السوداني الفضل بالف خير بمنأسبة عيد الاستقلال المجيد أعاده الله علينا والبلد تنعم بالعدل و الأمن والرخاء ،وتحية خاصة لك أخي فيصل وانت تسطر بقلمك أروع الكلمات التي نحن في أمس الحوجة لها وبلدنا يضيع من بين إيدينا ونحن واقفين نتفرج لا حول لنا ولا قوة

  2. الأستاذ فيصل
    تشكر على هذه الجرعة في الوطنية وهذه “الشربة” المقوية ضد الفشل وأعراض فقدان الهوية.
    لكن للأسف هذا المريض فطس ولحق أمات طه …”كم كان ذلك الذي أسماه رجل أفريقيا المريض حكيماً”
    ده خلاص نصلي عليهو وندفنو، يعني نوثق سيرتو الذاتية ونختها في متحف الأمم التي جاطت ثم بادت
    ورونا الطريقة النسوى بيها وطن جديد في ما تبقى من قطعة الأرض دي كيف؟

  3. للامانة نحن شعب يدمن الاستكانة للاستعمار والديكتاتوريات وهذا امر لايمكن انكاره ولكن يمكن تعديله
    والدليل علي الاستكانة ان اطول فترات الحكم هي للاستعمار والعسكر مايعني اننا لا نسعي للنضال والا لما قبلنا بهذه الطغمة ربع قرن والدنيا كلها تدرك سوءها ونحن ندعي اننا حررنا افريقيا
    علينا اعادة قراءة تاريخنا بصورة جديدة
    صحيح هناك نضالات وثورات المهدي وود حبوبة وعجبنا و24 ولكنها كلها قامت علي اكتاف رجال اوفياء لم يجدوا الدعم الكافي من بقية الشعب لاننا نحب الاستكانة وان ياتينا التغيير ونحن جلوس

  4. عيد الأستقلال=عيد الأستغلال “إستغلال خصال الشعب السوداني وتسخيرها لخدمة مكاسب الأنا السطحية”
    شخصيا أجد كل من يحتفل بعيد الأستقلال في يومنا هذا فرحا!،اما ان يكون ساذجا أو مقيدا بألامه التي لا تريد ادراك الواقع المرير..مع كامل احترامي للسذج

  5. لاننكر تضحيات أجدادنا وآبائنا في صراعهم ضد المستعمر، ولا نغمط حق الصفوة من قادة الحركة الوطنية الذين رفعوا علم الإستقلال، ولكن ماذا حصدنا من الاستقلال تراجع في كل المجالات حتي بلغ بنا الحال أن نصبح دولة يتهم قادتها بالإبادة الجماعية،حقاً أو ظلماً المهم (مافي دخان بدون نار )عايزين استقلال حقيقي وإلا لن نحتفل ولن نفرح بخيبتنا

  6. انا على يقين واكاد اجزم لو ان الحكم الانجليزى كان موجود حتى الان لكان الوضع الاقتصادى والبيئى والاجتماعى والامنى على احسن واجمل مما نحن فيه الان اتمنى عوده الحكم الانجليزى لبلادى لاننا وبكل صدق فشلنا ف حكم هذا البلد العملاق بمساحته والوان طيفه الاجتماعى القبلى المميز ف صفاته فهذه دعوه لعوده الانجليز لحكم السودان وناخذ استراليا مثالا بان رفض الشعب ف استفتاء تخليهم عن ملكه بريطانيا ورضوا ان تكون ملكتهم هى ملكه بريطانيا وها هى استراليه اصبحت امنيه كل سودانى العيش فيها احتمال توصفونى بانى جاهل بعد هذا الكلام ولكن مرات الحقيقه مره ولكم منى العتبى ان قلت كلام لا يريق لكم لكنى قلت مافى قلبى ,,,,,,,,,,,,, والسلام

  7. شكرا استاذ فيصل

    مما ينساه السودانيون الحاليون
    ان اجدادنا حاربوا في الحرب
    العالمية الثانية بوعود لنيل الاستقلال
    لذا فما بين 1939 و 1945 قتل
    الكثير من السودانيين في ايطاليا
    و في مصر ضد النازية حيث
    كانوا يشكلون قوة ضاربة في الجيش
    الانجليزي هؤلاء مهروا استقلال
    بلدنا بدمائهم الزكية و لكن
    نخبتنا لم تكرم اهلهم و ذويهم
    بتكوين الدولة الحديثة

    إن الكبرياء التي نسير بها وسط
    العالم نابعة من قوة اجدادنا الذين
    هزموا الانجليز رجالة و حمرة عين مع المهدي
    بل حتى صدوا استعمار الدولة الاموية عبر
    رماة الحدق من النوبيين، لذا فلهم الاعزاز
    لهذا الاحساس العميق بالقيمة الانسانية
    التي يتميز بها السودانيون اليوم

    لكننا فعلا فشلنا في ادارة بلدنا للدرجة
    التي نتباكى فيها على الاستعمار

    لكن يوم غد سيكون اكثر اخضرارا

    و كل عام و السودان و أهله بكل خير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..