كلام كرتي وحكاية الكباية

حيدر المكاشفي

لا أعرف ما الذي دهى السيد علي كرتي وزير الخارجية في الأيام الأخيرة، فما يكاد الرجل ينهض من حفرة إلا ليقع في «دحديرة» كما يقول المثل المصري، فبعد تصريحاته بخصوص المبعوث الأميركي الجديد، إذا به يطلق تصريحاً لا يكتفي فيه بقوله الفصل في عدم مفاوضة قطاع الشمال، بل يقطع أنفاسه ويواريه الثرى فيصبح عنده في حكم العدم، ولا أدري من يفاوض كرتي إذا افترضنا جدلاً أنه من المخولين رسمياً بإدارة الحوار والتفاوض في شأن المنطقتين ــ جنوب كردفان والنيل الازرق، والإدلاء بما يحلو له من تصريحات عن هذا المسار، وإذا اعتبرنا قرار مجلس الأمن «2046» مجرد نكتة سمجة، وجهود أمبيكي ووساطته ما هي إلا «سواطة» لا يعتد بها، وأن اتفاق «نافع ــ عقار» كان خطيئة تستوجب الاستعاذة والحوقلة والاستغفار متى ما جاء ذكرها أو مرت ذكراها، وأن البروف غندور ليس رئيساً لوفد التفاوض من الجانب الحكومي بل مرؤوساً لديه في وزارة الخارجية،

فمن تراه يفاوض السيد علي كرتي بعد أن نصبناه صاحب حق أصيل في هذا الملف الشائك، ومنحته الحكومة تفويضاً كاملاً بأن يفعل فيه ما يشاء مع ضمانات كافية وموثقة بأن لا أحد من الحكومة في أعلى مراجعها ومن قمة رأسها وإلى أخمص قدميها سيراجعه في شيء أو يتراجع عن شيء يقره ويوقع عليه كرتي، بل سيعتمدونه ويبصمون عليه بالعشرة مع توشيحه بنوط ابن السودان البار، فهل تُراه سيفاوض الدكتورة تابيتا بطرس شوكاي الوزيرة بالحكومة مع احترامنا لها ومجموعة مختارة من رهطها إنابة عن منطقة جنوب كردفان، والدكتور فرح العقار عضو المؤتمر الوطني المغاضب أو ربما المغضوب عليه مع احترامنا له ومن يختارهم من أبناء النيل الازرق ممثلين للمنطقة، أم تراه «سيأخدها من قصيرها»، فيدعو ما تيسر له من أبناء المنطقتين من منسوبي الحزب الحاكم على دعوة عشاء في حوش السمك، وهاك يا مناجاة وأحاديث النفس للنفس التي يسميها علماء النفس «المونولوج»، أم أنه سيجتهد قليلاً فيصنع بتخطيطه وتدبيره آخرين ينصبهم ممثلين للمنطقتين، أو على السيد علي كرتي وزير الخارجية أن يأخذنا على قدر عقولنا ويكشف لنا بوضوح لا دبلوماسية ولا دغمسة فيه، عمن هم أبناء المنطقتين هؤلاء الذين سيفاوضهم، فمبلغ علمنا المتواضع بوصفنا رعايا مساكين ومواطنين «ساكت» أنه ليس هناك كيان أو قطاع أو مليشيا أو حركة تعادي الحكومة وتقارع بالسلاح تحت مسمى أبناء المنطقتين الذين قال كرتي إنه سيفاوضهم.

كلام كرتي هذا وعدم اعترافه بمن جادلتهم وفاوضتهم الحكومة وجلست إليهم كثيراً وتوصلت معهم من قبل إلى اتفاق مشهود مع أشرس قيادات الحكومة والحزب والحركة، يذكرني بحكاية المسحلب والكباية، قيل أن مُسحلباً دخل السوق لشراء طقم كبابي، ووقف أمام أحد الباعة ونظر إلى «كبابيه» المعروضة فوجد أنها موضوعة «بالقلبة» عاليها أسفلها، فهاج وماج في البائع قائلاً له: «الله عاوز تبيع لينا كباية مقفولة بي فوق»، وبفطرته وخبرته أدرك البائع «سحلبة» هذا الزبون، وبكل بساطة وبرود ودون أن يرد عليه بكلمة استعدل وضع الكبابي، ولكن هذا الوضع أيضاً لم يعجب المسحلب، فصاح فيه «وكمان مقدودة بي تحت»، وبالطبع لم يدخل الشاري في أية مفاوضات حول السعر ولم يشتر شيئاً .. والسؤال الآن، إما هناك قطاع معروف وموصوف يتم التفاوض معه أو لا قطاع.. والسلام على من اتبع الهدى.

الصحافة

تعليق واحد

  1. إما أن يكون كاتب المقال عبقرياً يمتلك نواصي البلاغة والسحر والبيان أو يفترض أننا عباقرة لربط الأشياء مع بعضها وأشك في الاحتمال الثاني.
    والفاهم حاجة يفهمنا لأن “نفسنا انقطع” في القفز من فكرة الى فكرة.

  2. التفاوض مع النفس هو المسلك المتبع منذ زمن هم الذين يوهمون انفسهم قبل الغير بأن اﻷمن والسﻻم صار مستتبا في ربوع السودان وهم من ينفون وجود حركات مسلحة تحارب في النيل اﻷزرق وجنوب كردفان وددارفور وهم الذين يكتفلون باﻹنتصارات الواهمة وهم الذين يصنعون اﻷزمات وبعد ذلك يبحثون عن اﻷجاويد لحلها هم أم الكوارث والبﻻوي

  3. من مصائب الزمان أن وزراء الإنقاذ يعتقدون أنهم ادري الناس بكل الأمور وغيرهم سذج لا يفهمون يأتون بمصطلحات وطلاسم لا يستطيعون فكها وحلها إلا هم ومما ادخلوا علينا مصطلح الحزم التقنية في مشاريعنا الزراعية نهوا المشاريع وكان الصديق عبد الرحيم في القواد ومنفو زمبيري في زمانهم لا يعرفون إلا الطورية والواسوق والكدنكةة والخير كان وافر مكفينا ومكفيى الجيران

  4. يا ود كرف بكتب لى نا س القعاد وعبدالله الطيب تقول الناس كلها خريجين الاداب ولغة عربية والكتابة بقت للصفوة وليس للعامة ما تزعل يااخوى حاول اقرا بتمهل ولمن تفهم فهمنا معاك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..