احتلال الابيض

(الإحتلال هو أي إنتفاع أو أستيلاء أو سيطرة على موارد أو أرض أو فكر الشعوب الاخرى بالقوة أو غير القوة بشرط أن يستقر في شعور ووجدان تلك الشعوب المنهوبة بأن ما يحدث هذا هو إحتلال من غرباء و هذه الشروط يترتب عليها إقرار العالم بحق الشعوب المحتلة في مقاومة الأحتلال بأي شكل و في أي وقت و تحت أي ظروف و لا يجب أن توصف أعمال المقاومة في هذه الحالة بالإرهاب أبدا حتى يحصل الشعب المحتل على استقلاله( .
هذا التعريف هو افضل ما وجدته لمفهوم الاحتلال ، وليس بالضرورة ان يكون هذا الاحتلال من قبل دولة لدولة او من قبل شعب لشعب فهو يصلح في حالنا ، الذي صار الواقع فيه هو التكتلات الجهوية والقبلية الذي يتم فيه تغليب قوة السلطة وقوة السلاح على أي قانون سماوي وأي منطق بشري .
أضحت جماعات بأكملها تحت رحمة فئات ، كالعلاقة بين السادة والشغيلة في النظم الطبقية ، فالاخيرة رماد تذروه الرياح بوجه الاولى ، و في العلاقة يظهر التناقض بين من يملك كل شيء ومن لا يملك أي شيء ، بين مسلوب الارادة والحول وبين المتنفذ المغرور المزهو بانتصاره ، بين المثال للضعف والذلة والهوان وبين مثال التسلط والاستغلال والاستبداد .
مدينة الابيض كما يعرفها كل من عاش فيها أو زارها قبل أن يحل ما حل بها الان ، كانت خير نموذج للتعايش بين الناس ، لدرجة انه يمكننا وصفها بانها بيئة الوئام والاعتدال جمعت شتى الاطياف القبلية وحدث بها تصاهر نادر بين تلك المكونات قلما نجد له نظيرا في المدن الاخرى ، واخرجت اكثر الناس اعتدالا للوجود ، سواء كانوا ساسة او فنانين او مفكرين ، يأتي على رأسهم المشير سوار الذهب الذي فعل مالم يفعله سياسي او عسكري في كل الشرق الأوسط لدرجة انه صار سابقة تذكر في كونه سلم السلطة طوعا بعد ان صار رئيسا للبلاد ، الامر الذي يعكس عمق فكره وحسن تربيته ،وهو قد تربى في بيئة الابيض والانسان ابن بيئته . هو نموذج لأبناء الابيض وامثاله من الوطنيين المعتدلين فيها كثر ، لكن ملعونة هي الظروف التي جعلتهم تحت رحمة الدهماء المتخلفين الذين زحفوا عليها كالآفات فأحالوها الى صحراء من القبلية والتخلف بعد أن كانت منارة تهدي السالكين ..فيا للأسف .
عشرون عاما بدلت كل شيء في مدينة الابيض ، انتهى التعايش الجميل وحلت القبلية بصورة مريعة وصارت المؤسسات نهبا للفوضويين من الموالين الذين وفدوا اليها غرباء انتهازيون محمولين بالعصيبة والرجعية ، فخلقوا من المؤسسات حواكير قبيلة ، تجمع الطيور من نوعهم بلا تحري لمؤهلات أو مقدرات ، في المؤسسات الآن ترى ملامح العرق والقبيلة لصاحب الحل والعقد فيها، وبدلا من أن تكون هذه المؤسسات همها خدمة المواطنين صارت مثل دور الاحزاب ودور القبائل ملتقى لبحث شؤون القبائل والحزب الشمولي الخطير .
أما في مجال التجارة فحدث ولا حرج ، أصبح سوق الابيض الكبير لغير أهل الابيض ، جاء طفيليون لا ندري من اين اتوا وحلوا ،برؤوس اموال لا تشابههم والمؤمن فطن فبإمكانه أن يميز أن كان صاحب المال به حديث عهد أم لا ، مما يدل على ان هناك مؤامرة خطيرة تحاك للسيطرة على أهم حواضر ولايات كرفان بل كل وسط و غرب السودان .
في الشارع العام أن وجدت اشعثا اغبر ، او سائق عربة تاكسي (اتوز) فأعلم أنه من أبناء الابيض على طول ، وأن ابصرت ممتطي لسيارة فارهة يبدو عليه الاستجداد في النعمة فاعلم انه احد الغزاة ،ما يشير الى امر مريب يحدث في الخفاء.
معظم ابناء كردفان الاصلاء الان مشتتين بعيدا عن مراكز صنع القرار ،إما موظفين في الاصقاع البعيدة او باحثين عن سراب الذهب . واكذوبة الذهب ما هي الا حيلة جهنمية لبعث الامل في نفوس اليائسين ، ومن خلال الواقع يمكن أن نقول أن ذهب السودان بأيدي مردة من الجن تجود به على قبائل معينة تصادف أن تكون من المؤيدين لطغمة الظلام ! فلم نر اطلاقا أحد من أبناء المدينة الذين ذهبوا في رحلة البحث عن الذهب عاد وهو محمل بقناطير المال . مما يبعث الشك في النفوس الذي وصل في نفسي الى حد اليقين عن كون الامر برمته محض مكيدة لإلهاء الشباب وابعادهم حتى لا يكونون مهددا للنظام اذا ما بقوا في مجتمعاتهم ، فمع الظروف الضاغطة يمكن تخيل ردات فعلهم . في الوقت الذي نسمع فيه شائعات تقول بحصول فلان وفلان على الذهب وجنيهم المليارات ، ومعظمهم من قبائل مساندة للنظام ، فلم نسمع بمعارض ذهب للذهب وعثر على شيء حتى ولو جرام ! انما هم في الخلاء يجود عليهم اناس بالطعام والشراب لضمان بقائهم هنالك لمواصلة اللهث خلف السراب! .
مسألة الاحلال والابدال صارت مشاهدة بوضوح ولا تحتاج لاجتهاد فالمناصب القيادية الان بالولاية اصبحت من حظ قبائل معينة أو تمنح لمتعاونين باعوا اهليهم يبتغون المال وعرض الزائلة يأتون بهم كممثلين ترضية لقبائلهم ، يخوضون ويلفون في فلكهم مقابل الفتات ، وصار ابناء القبائل صاحبة الارض الفعلية مهمشين يكابدون في الحصول على لقمة العيش ، وصاحب الحظ منهم وجد طريقا (للمخارجة) من جحيم الاحتلال الداخلي الذي ترزح فيه كردفان عامة والابيض حاضرة الحواضر خاصة.
من سخريات الاقدار أن يصير أبناء الوافدين من أقاصي افريقيا الان سادة في ارض كردفان ، وتكون لهم كيانات تدبر وتقرر في شأن الولاية فحكومة ما يعرف بالإنقاذ بحاجة للموالين غض النظر عن ماهية هؤلاء الموالين فالولاء يأتي في مقدمة الأولويات لديهم ، حتى إن كان هذا الولاء من قبل من لا يهمه شأن المجتمع أساسا بل همه هو مصلحته الضيقة والاصطياد في الماء العكر وشغله الشاغل ان لا يجتمع أبناء البلد اطلاقا لانهم أذا ما سووا خلافاتهم وعادت المياه لمجاريها سيكون هو الخاسر ، صار الوافدون الان بقدرة قادر هم المسئولون عن مصلحة البلاد ولهم التفويض في تخوين وتجريم ابناء البلاد ولا نجد تعبيرا افضل من الضحك على ما نشاهد ونسمع في الحال المقلوب رأسا على عقب ، ونحن نكتب ونقول وننبه لكن القوم صم بخلافاتهم لايسمعون ولا يعون . ادرسوا المصائب وابحثوها ستجدوا أن كل مصيبة من خلفها شيئا من هؤلاء .
على ابناء كردفان أن يفيقوا من سباتهم ويكفوا عن الدوران مثل جمال العصّارات ، وينتبهوا لما يحاك ضدهم من الدخلاء الذين يهدفون للسيطرة على ارضهم واحتلالها ، يجب ان ننادي بنزاهة الاختيار للوظائف وان تكون عبر اعلانات تصل للكل بدلا عن ما يحدث الان من محسوبية وقبلية ، ويجب عليكم أن لا تجعلوا التعيينات تمر مرور الكرام فيكم وكأن على رؤوسكم الطير ، إن كان المؤتمر يريد الاصلاح ففي المؤتمر بعض ممن يمكن الاعتماد عليهم من ابناء الولاية المتعلمين المؤهلين الاخيار المقبولين اجتماعيا حسنو السيرة والتربية ، وهم برغم ذلك مقصيين مبعدين لمصلحة الفئات العائثة فسادا الان بارض الولاية ! ، ويتم اختيار السطحيين الجهلاء المنبهرين بالمال والسلطة عوضا عنهم لتمرير الاجندة القميئة عبرهم مما يؤكد سوء النية في التعامل مع مجتمع الولاية.
فإن كان الجاهل عدوا لنفسه كيف يكون صديقا لأهله؟
[email][email protected][/email]
ماكملت المقال ماعارف السبب .. المهم الابيض بلد جميل وكذلك انسانها وعشت فيها غرابة الشهرين
فى 1982 تعرفت على الكثير الجميل وعلى سوق ابوجهل وعلى صيدليات دقق وعروس الرمال السينما
واستديو مواهب وحين مررت به كان القامه عبد الرحمن عبد الله يغنى الابيض غرد حبابا ومااجمل ان تسمع
عبد الرحمن وانت فى الابيض الاحساس بكون شبيه بالعجوه المعطونه فى العسل . جات حكومة التنابله
وخلطت الحابل بالنابل . افقرت انسانها الجميل وخلفت الجهويه والعنصريه ولم تضع الرجل المناسب
فى المحل المناسب كلهم من الجهلاء السطحييين والبلد اصبحت شاحبه وكانما دمرت بمنهجيه . اسال الله
النهوض للبلد الاخضر الجميل . واقول ليها كما قال شبونه .
إنت البدور ضررك انشا الله انضرا .. ولكن اخى حاتم مع احترامى الشديد لسوار الذهب الرجل الذهب
ألا توافقنى هو من سلم الحكم للاخوان الشياطين حتى ولو بدون قصد ؟؟
تحية وتقدير لكاتب المقال. انا اتفق معك ان كثير من مدن السودان تبدل حالها وليس الابيض لوحدها واتفق معك ان الفساد الاداري والمالي موجود في كل السودان وان هناك مدنيين نفعيين وعسكريين استغلاليين اغتنوا في عهد الانقاذ ولكن لا اتفق معك في كلمة غرباء هذه التي استخدمها في مقالك فلا ادري من تقصد بهم هل هم اجانب اتوا بحثا عن رزق في الابيض؟ ام انهم سودانييون من مناطق اخرى جاءت بهم الاقدار بحثا عن حياة كريمة في ادنى درجاتها يعني اقصد مواطنون عاديون؟ ام هم من المسئوليين والموظفيين المواليين للحزب الحاكم؟ اما حديثك عن سوق الابيض وانه اصبح سوقا للغرباء فاذا كاونا سودانيين من اقاليم اخرى فحديثك ينم عن عنصرية بغيضة يناقض حديثك عن التعايش الذي تحدثت عنه في بداية مقالك فالاضطراب واضح فيما كتبت ومعلومة اقولها لك ان اسواق عطبرة والدامر وشندي وبربر يملك معظمها ابناء الزغاوة والفور والبطاحين ولم نسمع يوما واحدا اي تذمر من اهل المنطقة ولم يكتب احد يوما ان اسواقنا صارت ملكا للغرباء ولو فعلنا لنعتونا بالعنصرية وغيرها فحدد ماهي الرسالة التي تريد ان توصلها للقراء هل تريد ان تطرد هؤلاء الغرباء من الابيض ان كانوا حقا هم غرباء ولك تحياتي وتقديري
*** شئ غريب وعجيب *** زرت الابيض عام 88 ودخلتها ال1 صباحا اول تعليق لي قلت يفترض تكون عاصمة السودان بالنظافة والرمال الحمراء في السوق شاهدتة جبلا من الفول كانت زيارة عابره24 ساعة خرجت بانطباع جيد وغد مشرق لها ووعدته نفسي بزياره طويلة **اجازتي** السنوية للاسف خذلني انعدام الاهل بتلك النواحي وكنت مصمم باعداد ميزانية جامده بعد حمل كاميراتي للتوثيق وها انت تكسر مركبي ومقدافي بعد سماعي للخبر اللعين ** المهم اامل ان لا يتغير سلوك المواطن ان يكون هو هو البسيط الحلو المعشر
الابيض تحتضر