?انحراف وعدم كفاءة المركزي? في الولاية على المال العام .. ماهي التوقعات إصلاحات ومحاسبة أم تكرار السيناريو العام المقبل ..؟

الخرطوم ? الزين عثمان
يخلص تقرير المراجع العام الذي تلاه (الأربعاء) أمام البرلمان، إلى نتيجة مفادها عدم كفاءة (البنك المركزي) في الرقابة على الجهاز المصرفي، ووضع الطاهر عبد القيوم مدير ديوان المراجع العام ملاحظة جديرة بالانتباه، وهي عجز البنك المركزي في القيام بفحص الأنظمة والميزانيات وتقارير الجهاز المصرفي بفاعلية.
ويكشف التقرير عن أن بعض المصارف تقوم بإرسال تقارير غير دقيقة، وهو ما يعبر عن حالة من العجز في عمليات الأداء لرقابة الجهاز المصرفي والتي تتجاوز النظر إلى حساسية المخاطر من غياب تحليل نشاط السوق كإحدى أدوات التصنيف المتبعة.
ويؤكد التقرير على عدم الكفاءة من خلال غياب التزام الجهاز المصرفي باتباع النظم والمنشورات التي يصدرها البنك المركزي، وهو ما تسبب في زيادة نسبة التعثر في بعض المصارف لعدم التزامها بقواعد التمويل المحكومة بالقانون. ويمضي المراجع في رسم صورة قاتمة للأوضاع في ما يتعلق بأنشطة البنك المركزي العاجز عن القيام بحملات الرقابة والتفتيش، وفقاً لما تتطلب الكفاءة وعن الضبط المؤسسي في أداء المصارف، وثالثة الأثافي هي اكتشاف التقرير الجديد لتكرار الأخطاء السابقة، وبالطبع قصور في أداء رؤساء مجالس الإدارات بعدد من المصارف، وهو القصور الذي يمثل السبب الحقيقي لقصور عمليات الرقابة. مؤكد أن المركزي العاجز عن ضبط الأداء في تقرير المراجع العام، أكثر عجزاً عن تطبيق الجزاءات التي يجب أن تترتب على المخالفات آنفة الذكر. وهو الأمر الذي دفع بالمصارف للتمادي في الأخطاء وكأنها تتبع المثل (المال السائب يعلم السرقة).
في جانب آخر من التقرير، يشير المراجع العام لما أسماه بالاختلالات في تنفيذ بعض مشاريع التنمية عبر القروض، وسمى عدداً من المشاريع تم تحويل أموالها لاتجاهات أخرى، وهو الأمر الذي يتحمله بشكل كبير بنك السودان الذي لم يقم بضبط عمليات السحب في هذا الجانب، ولا يتوقف الأمر هنا وإنما تتم إضافة قضية أخرى للتأكيد على العجز في عمليات الضبط المالي باعتباره إحدى مسؤوليات البنك المركزي، حيث قام الأخير بسداد بعض المديونيات عبر طرف ثالث هو الشركات الوسيطة.
في مطلع تقريره السنوي أمام نواب البرلمان، كان المراجع العام يؤكد على الأهداف التي يسعى لتحقيقها من خلال التقرير، فهو يسعى لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتحسين مستوى المعيشة، وهي أمور لا يمكن تحقيقها إلا عبر تعزيز مستويات الكفاءة بالنسبة للإدارة العامة وفعاليتها وشفافيتها وخضوعها للمسألة، وهو أمر لا يتأتى إلا بضبط المالية العامة، وهي إحدى مسؤوليات البنك المركزي. وهو ذات الأمر الذي يزيد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد برمته في حال ارتبطت التجاوزات بالبنك المركزي.
المفارقة هي أن التقرير الخاص بالمراجع يأتي في أعقاب إعلان البنك المركزي لسياسات جديدة في البلاد عقب قرارات رفع العقوبات الأمريكية، وهو الأمر الذي يجعله مرتبطاً بشدة بعمليات إنجاز الإصلاح الاقتصادي في البلاد دون أن يغيب السؤال الثابت: هل سينجح المركزي هذه المرة أم أن الأمر لا يعدو سوى كونه حالة انتقال من فشل نحو فشل آخر؟
بالنسبة لعدد من المراقبين الاقتصاديين فإن التراجع في قيمة الجنيه السوداني تعبر عن حالة تراجع الثقة في المؤسسات المصرفية السودانية، باعتبارها هي لب الأزمة الاقتصادية التي تمسك بتلابيب البلاد، وأن معالجتها تنطلق أساساً من معالجة المشكلات المرتبطة بواقع المؤسسات المصرفية، وبالنسبة للكثيرين فإن التقرير الأخير يبدو وكأنه استعادة لصور التراجع العام في المؤسسات المصرفية وواقع بنك السودان الذي يعتبره البعض السبب الإساسي في حدوث مثل هذا النوع من المشكلات، وأن معالجتها تتم من معالجة الأزمات في المبنى الواقع قريباً من مقرن النيلين.
كان المركزي قبل فترة يعلن سياساته في حقبة ما بعد رفع العقوبات من أجل السعي الجاد لضبط سعر الصرف، ومنشورات بنك السودان قرأها البعض بأنها (حل ومعضلة) في الوقت ذاته.. في حين يرتكز سؤال الشعب حول كيفية الخروج من كماشة (التضخم)؟ الممسكة بتلابيب الاقتصاد السوداني، ورغم هذه السياسات فقط وصل سعر الصرف إلى أقصى حد من التدني للعملة المحلية، وهي الأمور التي ربما أكدت على القول بعدم كفاءة المركزي في القيام بأدواره في ما يتعلق بالولاية على النشاط المصرفي في البلاد.
ويمضي المشهد أكثر من ذلك حين يتوقف التقرير هذه المرة في آخر القرارات الممهورة بختم البنك والتي تتعلق بسحب تراخيص بعض الشركات العاملة في مجال الذهب، وذلك لتورطها في عمليات المضاربة في سعر الصرف، لكن المفارقة أن الطريق إلى المضاربة نفسه عبر من أحد الثقوب في القوانين التي وضعها البنك في وقت سابق، بعيداً عن كل ذلك فإن ثمة سؤالاً يظل ملحاً وبشدة يتعلق بقيمة الاحتياطي النقدي الموجود في خزائنه الآن؟
قائمة المخالفات التي نشرها على الملأ المراجع العام في تقريره لا تشمل مخالفات النظام المصرفي، حيث أشار التقرير إلى أن الإدارة العامة للرقابة المصرفية ببنك السودان المركزي رفضت تقديم مستنداتها للمراجعة، بحجة أن الأمر يتعارض مع قانون العمل المصرفي للعام 2014، لكن الأمر لم يدفع بالمراجع لسحب عباراته القائلة بأن البنك المركزي غير كفء في الرقابة على المصارف، منبهاً لما سماه بتمادي المصارف في المخالفات وزيادة تعثرها لعدم التزامها بضوابط التمويل، وهي إحدى المشكلات الحاضرة بشدة حين يتعلق الأمر بمشكلات المصارف السودانية.
كما العادة لا ينسى المراجع العام أن يختم تقريره بالعبارة (نحن نقدمه من أجل تحقيق إصلاح وتحولات إيجابية)، ونهدف بالضرورة لإنجاز تغيير في المشهد لصالح ضبط الإدارة العامة وضبط الأموال العامة، وضرورة أن يمضي كل شيء في الاتجاه الصحيح.
أمنيات (المراجع العام) المنثورة على الملأ، هل تجد لها أذاناً صاغية لكي يتم تجاوز الإخفاقات في مؤسسات مثل الزكاة والحج والعمرة ومشاريع النظافة؟
وإلى حين أن تحدث معالجات جذرية في ما يتعلق بالبنك المركزي، فإن الطريق لإصلاحه سيعبد الطرق نحو إصلاحات في مجالات متعددة، فهل يحدث هذا الأمر؟ أم علينا انتظار تقرير 2017 ليعيد على مسامعنا ذات الإخفاقات ولا حلول؟.
اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..