ذكريات من جوبا

كانت جوبا حينذاك مدينة جميلة وساحرة تنعم بالأمن والاستقرار في ظل حكومة الرئيس الراحل نميري الذي أرسى دعائم السلام في ربوع السودان بعد أن ظل الجنوب ينزف موارد السودان الشحيحة أصلاً ردحاً من الزمن… هذا الجنوب الذي اقتطع بل اقتلع اقتلاعا من خاصرة الوطن في غفلة من الزمن بعد كل التضحيات والدماء التي سالت من أجلها… فكنا نشعر بأن الجنوب جزء من الوطن كما هو أهل الجنوب وما كنا نستشعر بالغربة والتوحش فكان الواحد منا يسير، ليس في جوبا وحدها ولكن في ادغال الجنوب برمتها حتى في ساعات متأخرة من الليل وهو يستشعر الأمان من حوله… وما كانت مدينة جوبا مضاءة في ذلك الوقت إلا من بعض المصالح الحكومية كالقيادة العامة وجامعة جوبا والمستشفيات والأسواق، كالسوق الكبير في جوبا وسوق الملكية ولكنها كانت انارة مؤقتة تنتهي في أنصاف الليالي ليخيم الظلام بعد ذلك ويلف المدينة بسواده البهيم إلا من نور اليراعات (حشرات مضيئة) التي كانت تبعث باشاراته الضوئية لاصطياد البعوض التي كانت تقع في حب ضوئها الساطع من اول نظرة وبذا كانت تقتات منها…
فمن بين الذين عرفناهم من الرجال هناك… أذكر الملازم أول وقتذاك الراحل (محمد صالحين)، الذي كان ضابطا في سلاح المدرعات وأعتقد أنه كان من أبناء منطقة عكاشة بحلفا القديمة… وقائد سلاح المدرعات حينذاك الرائد محمد علي كباشي وأظن أنه الذي استرجع مبنى الاذاعة في إنقلاب حسن حسين… وكنا على صلة وثيقة بالمرحوم محمد صالحين الذي كان يأتينا بعربته (الجيب العسكري) للجامعة أنا وزميلي وإبن منطقتي الدكتور حمد نصر في أيام الآحاد لكي نقضي وقتا معا في سلاح المدرعات أو في رحلات خارج مدينة جوبا وما أكثر رحلاتنا في تلك الفترة فكنا نصطحبه أيضا معنا…. نسأل الله له الرحمة فقد مات مقتولا في حي الأزهري، فكان الرجل يوم عرفناه في مقتبل العمر دمث الخلق وطيب المعشر…
وفي حي الملكية حيث تنتشر مساكن ومطاعم وبقالات الجلابة وخاصة أبناء المنطقة الشمالية… كان هنالك عبد المجيد كباجه (صاحب مطعم كباجه) وسعيد وأخوه سليمان ومن أبناء عكاشة أيضا محمد عبده صاحب مطعم أيضا كنا نتزاور ونذهب اليهم في بيوتهم ، ولا ننسى الأخ أمين وعمه أحمد أمين أيضا من أبناء حلفا القديمة وكانا من التجار الكبار في سوق جوبا الكبير…
[email][email protected][/email]
والترم ترم ما تنساه