مقالات وآراء سياسية

أنماط طرائق التفكير السوداني (١٠)

عوض الكريم فضل المولى

وحسن عبد الرضي

 

طرائق التفكير الإثني والقبلي في السياسة السودانية

 

يُعد السودان بلدًا متعدد الإثنيات والقبائل، حيث تلعب الهوية الإثنية والقبلية دورًا محوريًا في تشكيل المشهد السياسي، وبناء الأحزاب والمكونات النقابية والإدارات المحلية. وقد أثرت هذه المجموعات الإثنية والجهوية في صنع القرار السياسي، وشكلت الديناميات الاجتماعية والاقتصادية، وأثرت على مؤسسات الحكم والإدارة، مما انعكس على الاستقرار والتنمية ونظم الحكم والشأن الوطني.

 

منذ الاستقلال في عام ١٩٥٦، ظل السودان يعاني من صراعات سياسية متأثرة بالتركيبة القبلية والإثنية. فقد وجدت الحكومات المتعاقبة، سواء المدنية أو العسكرية، نفسها مضطرة للتعامل مع التعقيدات الناتجة عن هذا التنوع الاجتماعي، بدلاً من العمل على تغيير الوضع السائد نحو ثقافة قومية شاملة. وفي كثير من الأحيان، تم توظيف الانتماءات القبلية لكسب الدعم السياسي، مثل استقطاب زعماء القبائل والإدارات الأهلية المحلية. كما تفردت العديد من الأحزاب الطائفية والدينية والجهوية بممارسات عززت الانقسامات بدلاً من بناء هوية وطنية جامعة ولحمة مجتمعية تحتضن التنوع السوداني.

 

وقد أوضحت الحرب الدائرة حاليًا في السودان مدى الاستقطاب الحاد للقبائل والإثنيات من طرفي الصراع، مما أسهم في تأجيج العنصرية البغيضة بين أبناء الوطن الواحد، ومزّق وحدته، وبدد أحلامه، ودمّر بنيته التحتية ومكوناته العريقة. كما أدى ذلك إلى تقويض القيم والتقاليد السودانية الأصيلة التي لطالما كانت مثالًا يحتذى به في مختلف بقاع العالم.

 

اعتمدت العديد من الحكومات على توزيع المناصب وفق المحاصصة القبلية والجهوية لتحقيق التوازن في السلطة، مما خلق نظامًا قائمًا على الولاءات بدلاً من الكفاءة. ولم تسلم العملية الديمقراطية من تأثير هذا النمط المعقد، حيث غالبًا ما يتم التصويت في الانتخابات على أسس قبلية، حيث يكون الولاء للزعيم القبلي أهم من الفكر السياسي أو الأيديولوجي أو البرامج الانتخابية. وهذا بدوره جعل الانتماء القبلي محددًا رئيسيًا لاختيارات الناخبين، حيث يتم التصويت لصالح المرشحين من نفس القبيلة أو الإثنية بغض النظر عن الكفاءة، مما أدى إلى توسيع خطاب الكراهية والعنصرية بين المجموعات المتحالفة والمتنافسة في العملية السياسية.

 

كما أسهم الاستقطاب السياسي بين القبائل والجماعات الإثنية في اندلاع صراعات مسلحة في بعض المناطق، مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشرق السودان، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي. وقد تصاعد النفوذ القبلي بعد اندلاع الحرب الأخيرة، حيث انتشرت جماعات مسلحة مثل “درع الجزيرة” و”درع البطانة” و”كتيبة الشرق” وغيرها، تحت ذريعة حماية مناطقها ومجتمعاتها، في وقت كان ينبغي أن تكون هذه المسؤولية منوطة بالدولة والقوات المسلحة. وقد سمح هذا التشظي والانقسام المجتمعي بإضعاف المؤسسات السياسية، مما أعاق تنفيذ سياسات وطنية موحدة، حيث باتت النخب القبلية تسيطر على الموارد والقرارات، مما أضعف العدالة والحوكمة، وانعكس سلبًا على الاستقرار والتنمية.

 

ساهم التفكير الإثني والقبلي في تعطيل عملية بناء الدولة الحديثة في السودان، حيث أدى إلى تصاعد النزاعات المسلحة التي أعاقت الاستقرار والتنمية. كما لم تسلم مشروعات التنمية القومية من الصراعات الإثنية، سواء فيما يتعلق باستخراج النفط والمعادن، أو بناء السدود، أو غيرها، حيث شهد السودان نزاعات حول هذه الموارد حتى داخل المجموعات الإثنية الواحدة. ولم يكن شرق السودان استثناءً من هذه الصراعات التي غالبًا ما تتخذ طابعًا سياسيًا جهوياً وإثنيًا.

 

كما أدى هذا الواقع إلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة، وزيادة الفجوة بين الجماعات المختلفة، وإضعاف النظام الديمقراطي بسبب التركيز على الولاءات القبلية بدلاً من البرامج السياسية.

 

إن تجاوز تحديات التفكير الإثني والقبلي في السودان يتطلب جهدًا مشتركًا من الدولة والمجتمع، بدءًا بصياغة منهج تعليمي يعلو على الإثنية والطائفية والجهوية، ويعزز مفهوم القومية. كما يجب العمل على بناء مجتمع متماسك لضمان استقرار سياسي وتنمية مستدامة تحقق تطلعات جميع السودانيين.

 

يمتلك السودان فرصًا كبيرة لاستثمار تنوعه الإثني والقبلي بشكل إيجابي، من خلال تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، والتركيز على المشترك الثقافي بين جميع المكونات السودانية. ويمكن تحقيق ذلك عبر تفعيل دور الإعلام والفنون في إبراز الهوية الوطنية التي تتجاوز الانتماءات الضيقة، وإصلاح النظام التعليمي بحيث تشمل المناهج الدراسية محتوى يعزز قيم التسامح والتنوع، ويشجع التفكير النقدي والإبداعي.

 

كما تقتضي الضرورة تطوير الخطاب السياسي والإعلامي، والابتعاد عن الخطابات التي تكرس الانقسام وتعزز العصبيات، والانتقال إلى خطاب جامع يعكس حقيقة التنوع السوداني كقوة إيجابية. فالسودان لديه فرصة تاريخية لتحويل تنوعه الإثني والثقافي إلى مصدر قوة، بدلاً من أن يكون سببًا للصراعات والانقسامات.

 

ويكمن الحل في تغيير أنماط التفكير السائدة عبر التعليم، والإعلام، والإصلاحات السياسية والاقتصادية. فإذا نجح السودان في استثمار هذا التنوع بشكل إيجابي، يمكن أن يصبح نموذجًا فريدًا في التعايش السلمي والتنمية المستدامة، مما يمهد الطريق نحو سودان مختلف يسوده الاستقرار والتقدم.

 

للتواصل:

 

+2012 20878516

+2012 28634442

 

 

[email protected]

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..