تنحي البرهان.. مناورة أم محاولة لتهيئة الرأي العام

تقرير : سعاد الخضر

احتدم الجدل عقب تصريحات مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ياسر العطا في حواره مع التلفزيون القومي التي أعلن فيها رغبة القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عقب نجاته من حادثة الاغتيال السبت الماضي في جبيت تسليم السلطة الى نائبه الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي بعد أن طلب من العطا أن يتوافقا على ذلك.

وأثارت تلك التصريحات جدلا كثيفا خاصة أن رد الأخير جاء حاسما حينما رهن تنحي البرهان بإنهاء الحرب بينما استهجن عدد من السياسيين اعتزام البرهان تسليم نائبه من الجيش وتجاهله في ذات الوقت للفريق مالك عقار الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة خلفا لقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الذي تمت اقالته عقب تمرده فهل كان البرهان يقصد التنازل عن قيادة الجيش والسيادي معا للكباشي أم المنصب الأول فقط.

وقلل بعض المراقبين من ذلك ووصفوها بالمناورة حيث أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها ذلك حيث تعهد قبل عامين بتسليم السلطة الى شخص وطني وترك مفتاح القصر تحت الباب وتقديم استقالته على أن يتفرغ للعمل في مزرعته بولاية نهر النيل، وفتحت تلك التصريحات تساؤلات مشروعة حول من الذي سيخلف البرهان حال تنحيه أوفي حال تعرضه للاغتيال.

وكان العطا قد ذكر في الحوار أن البرهان أبلغه بوصوله للحد وقال “البرهان بعد نجاته من الاغتيال إن الجيش السوداني لن يتفاوض مع قوات الدعم السريع، ولا يخشى الطائرات المسيّرة، ولا الموت، وسيستمر في القتال”.

وأضاف خلال مخاطبته الضباط المتخرجين “لن نضع البندقية حتى يتم تنظيف البلاد من أي متمرد ومرتزق، وماضون في سحق المليشيا والقضاء عليها”، مضيفا “معركتنا مستمرة مع العدو، ولن نتراجع أو نستسلم، ولن نتفاوض مع أي جهة مهما كانت”.

وكشف العطا في تصريحات امس أن البرهان طالب بتجهيز مقر له في منطقة أمدرمان العسكرية لقيادة المعارك بنفسه.

وقال العطا إن البرهان كان ملتزما بالتنحي لولا الحرب التي أجبرته على الاستمرار حتى دحر “الميليشيا”، مؤكدا أن الجيش مؤسسة قومية وليس لقادته أي أطماع في الحكم.

ليست المرة الأولى

من جهته قال المحلل السياسي عثمان العطا في تصريحات لـ”الراكوبة” إن هذه ليست المرة الأولى التي يدفع فيها البرهان بورقة التنحي، فقد سبقتها عدة مرات لكن أشهرها على الإطلاق تلك التي كانت في الاسبوع الأول من الحرب عندما قال انه اقترح على حميدتي أن يتنحيا عن قيادة الجيش والدعم السريع إذا كان وجودهما يتسبب في استمرار أزمة البلاد لكن حميدتي رفض.

واستدرك قائلا: “لكن هذه المرة فإن تصريحاته المنقولة على لسان الفريق العطا تحمل في مضمونها عدة رسائل داخلية وخارجية”، وأوضح أن الرسائل الداخلية عاطفية ترادف الشعور بالتضامن مع قائد الجيش عقب نجاته من حادثة إغتيال بواسطة مسيرة جزم بأن قوات الدعم السريع التي وصفها بمليشيات دقلو المرتزقة هي من أطلقها.

وأضاف “لكن تظل الرسائل الموجهة للخارج هي الأهم وتحمل في طياتها دلالات تتعلق بمستقبل العملية الأمنية المعقدة في سودان ما بعد أبريل 2019 م عقب الاطاحة بالرئيس البشير، ونظام الإسلاميين الخانق الذي استعصى على العالم لثلاثة عقود ولفت الى أن أولى الرسائل للخارج أن قيادة الجيش في حال تنحيها عن السلطة طواعية فإن البديل هو عودة النظام السابق بكامل رموزه وقادته من الإسلاميين”.

وأردف “هذه المخاوف ليس الجيش وحده من يحذر منها لكن الفاعل الأهم هي القوى السياسية في تقدم عندما تخاطب العالم ان قرار قيادة الجيش مختطف بواسطة الإسلاميين داخل القوات المسلحة وخارجها ورأى أن هذه المخاوف باتت هاجس العالم مما يرغمها على التمسك أكثر بوجود البرهان ومساعدته في القضاء على خصمه المتمرد حميدتي”.

وأشار الى أن الفريق العطا خلال تصريحاته الأخيرة وعند اعلانه رغبة البرهان في التنحي من قيادة الجيش عمل على استعراض معنوي لاحداث ثورة الشباب التي انحاز لها الجيش في أبريل 2019 م واستعرض جهود قادة الجيش في احاله الكثير من القيادات العسكرية والمدنية ممن أسماهم عناصر النظام السابق او الفلول او الإسلاميين.

فرقعات إعلامية

وتابع “لكن يبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو هل ينوي الفريق البرهان فعلا التنحي من قمة السلطة العسكرية والسيادية في السودان أم انها مجرد مناورات وفرقعات إعلامية ربما تصلح كورقة ضغط للقوى الإقليمية والدولية التي رأى أنها تبقي على دعم استمرار الحرب كنوع من الضغوط من الجانب الآخر على البرهان لمزيد من التنازلات السياسية لمصلحة ممن أسماهم الفريق العطا محور الشر”.

وسار المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرللو في برنامج «تنوير» على منصة إكس في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه المحلل السياسي عثمان العطا فيما يتعلق بمخاوف المجتمع الدولي من عودة نظام البشير وزاد عليه انهم لايرغبون في عودة السلطة للعسكر. واكد حرصهم على انهاء الحروب وتوصيل المساعدات الإنسانية واستعادة المسار الديمقراطي.

ورأى المحلل العطا أن تصريحات بيرللو جاءت للرد على تصريحات البرهان في جبيت واعرب المبعوث الامريكي عن تفاؤله بمشاركة الجيش في محادثات سويسرا ورجح أن محاولة اغتيال البرهان قد تكون تسببت في تأخير ردهم.

وأعلن عن أن محادثات سويسرا ستبنى على اتفاق جدة باعتباره الاساس لمنبر سويسرا، ورغم الترحيب الكبير الذي قوبلت به التصريحات الأمريكية إلا أن مطالبة مندوبتها بمجلس الامن بفتح الحدود السودانية لادخال مواد الاغاثة دون موافقة الحكومة دل على أن الموقف الأمريكي تجاه حكومة السودان لم يتغير واستخدمت روسيا حقها في الفيتو ورفضت الطلب الامريكي.

وقطع المحلل السياسي العطا بعدم امكانية تنحي البرهان ورجح أن الهدف من الحديث عن رغبته تهيئة الرأي العام لخليفته في حال نجح التمرد في اغتياله باعتبار أن الخطر على حياة القائد العام للجيش لايزال كبير جدا.

وكان مستشار الدعم السريع الباشا طبيق قد نفى في تصريحات صحفية تورط الدعم السريع في محاولة الاغتيال واتهم كتائب البراء.

دعاية سياسية

وفي السياق قال القيادي بالمؤتمر الشعبي تاج الدين بانقا في تصريحات لـ”الراكوبة” “إذا كانت هنالك اسباب تدعو البرهان للتخلي عن السلطة فبلاشك هذه الاسباب تمنع الكباشي والعطا من استلام السلطة وجزم بأن مصير عساكر السيادي السياسي مشترك اما ان يبقوا جميعا او يذهبوا جميعا ويسلموا السلطة للمدنيين”.

ونفى بانقا وجود علاقة بين الاسلاميين ومحاولة اغتيال البرهان وفي رده على سؤال حول الاتهامات التي تلاحق الاسلاميين بأنهم سيقومون باغتيال البرهان حال موافقته على الذهاب الى المفاوضات في سويسرا.

وقال بانقا “فكرة الاغتيال بعيدة جدا والاسلاميين ليس لديهم مصلحة في استمرار الحرب وهذه دعاية سياسية”، وفي تعليقه على الانقلاب المفاجئ في تصريحات المبعوث الأمريكي التي قطع فيها بأن الدعم السريع ليس لديه مستقبل سياسي والتسريبات التي نشرتها قناة الشرق بأن أمريكا عدلت دعوتها للبرهان بصفته رئيس لمجلس السيادة بعد أن قدمتها له كقائد للجيش.

قال بانقا “الأمريكان حريصين على انجاح فكرتهم ويدركون أن أي حديث قبل الجلوس للتفاوض ليس له أثر كبير ودائما يتم فرض الشروط في طاولة المفاوضات حسب قوة مركزهم التفاوضي”.