انفجار روائي مدو ومُعجِز

منى حبراس السليمية
الإقامة في منطقة مفخخة تعيش على انفجارات مدوية لهذا الجنس الأدبي الذي لا حدود لممكناته الكتابية؛ ذلك أن النظر للرواية اليوم بات مقرونا باللهاث خلف السراب النقدي العاجز عن مواكبة تحولاتها وإدراك هذا الطوفان الروائي الجارف، الذي بات يكتسح كل ما عداه من فنون الكتابة الأخرى، وما كل محاولة للوقوف على الجديد منها إلا محاولة بائسة لا تستوعبها طاقة الكائن البشري فيك.
تواجهك هذه الحقيقة المتعبة في قطرك الذي تنتمي إليه، وتواجهك على نحو أشد وأنكى كلما وسّعت الدائرة ? وتوسيعها ليست عملية اختيارية بعد كل شيء مادمت محسوبا على هذا البحر البحثي المتلاطم ? يعيدني هذا الموضوع إلى الندوة الرئيسة لمهرجان القرين الثقافي في دورته (21) في الكويت، وقد حملت عنوان «المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر» خلال الفترة من 18 وحتى 20 يناير/كانون الثاني 2015، العنوان حمل في محاوره جمعا بين روايات العرب وروايات الآخر، وهنا ? كما في أي محفل آخر ولحظة أخرى ? يوجِع العجز عن ملاحقة الروايات محليا وخليجيا وعربيا وعالميا.
إنه العمل المستحيل، وإذا ما أردت التصدي لنماذج معينة فإن نماذجك تعجز عن الإجابة عن آلية اختيارها غالبا، لأن الاختيار يتطلب أن تطّلع أولا على كل الموجود ? وهو ما ليس ممكنا ? ليتسنى لك أن تختار مطمئنا إلى أن ما وقعت عليه ليس ممكنا أن تختار سواه، ومثله ما عبرت عنه الناقدة البحرينية ضياء الكعبي، وهي ترسم مهادا لورقتها عن الرواية النسوية في الخليج.
المشقة الأخرى، أنك مجبر على قراءة الجيد والرديء ? معا ? في هذه الطفرة الروائية الكاسحة، وأن تصبر وتصابر وتحتسب الأجر عند الله، فلست قارئا لمجرد المتعة القرائية حتى يمكنك أن تلقي بالرواية الرديئة جانبا قبل أن تستكملها، بل تغالب نفسك وتكمل ما بدأت به لتمنحها حقها من الحكم النقدي المنصف، فضلا عن حاجتك إلى قراءة الجيد منها مرة ومرات، لتغوص في لب العملية الإبداعية التي أنتجت النص الذي يستحقه مشروعك النقدي. تفعل كل هذا وأكثر لأنك تخلص للجنون الذي يسكنك بشغفه، وتتعب وراءه وإن كنت عاجزا عن الإحاطة بأطرافه وتلاطمه.
تقول الكاتبة الكويتية هديل الحساوي: «أحمد الله أنني كاتبة لا ناقدة؛ لأنني لست مضطرة إلى قراءة كل الروايات». ونحن أيضا نعجز يا هديل، ولكن الفرق أن الناقد مُلزَم، والكاتب لا تلزمه إلا نفسه، مكتفيا بما يشار إليه بالبنان، أو ما رشحته قوائم الجوائز طويلها وقصيرها، أو روايات من أحب من كبار الكتّاب والروائيين، وهو ما لا نستطيعه.
باحثة وقاصة من سلطنة عمان
منى حبراس السليمية
القدس العربي