(ميري وجون حبابكم).. بالبلدة القديمة..

بلا انحناء
حظ الحياة السخيف أم حب القصور وقُطافها وضع إخوتنا في دولة الجنوب بين مطرقة الصراع السياسي وسندان الكيد القبلي؟ ولأجل من سحقت الحرب الجنوبيين كحبة قمح إلا من نجا بجسده ليصبح نازحاً أو لاجئاً في دول الجوار حيث الخيام والصقيع وجمود الظلام، والحزن المتدثر بغيوم الوجع، وانحدار الدمع المتساقط من مقل الأطفال والأمهات الجوعى والعطشى والمرضى من رهق المسير.. دمع يكاد يوشم الخدود.. نعم زهرات الجنوب النضرات روعهن قصف القنابل، ودوي المدافع، ولهب الحريق، فتوارت خلف المصائب بسمات الحياة.. كما تشتت أحلام الفتية الأبنوس وضاعت بين تفاصيل الصدمة معاني التحرر للوطنا لوليد فكان الوطن السودان.. الوطن الأب والبلدة القديمة مهبط الشكوى ملجأ الأسى لكل جنوبي لحظة عنفوان الحرب الأهلية السلطوية المستمرة حتى اللحظة، ولا أحد يدرك أين، ومتى تضع أوزارها.. (مرحبتين حبابكم ألف) إخواتنا من الجنوب من النيل والغابة.. نعم جئتم إلى وطنكم القديم رغم أزماته الموجعة قطعاً ستجدونه حضناً دافئاً لأن الرابطة بينكم وبين أهله رابطة أقوى من أن يقصم السياسيون ظهرها وهي رابطة الإخوة واختلاط الدم بالدم.. ولن تكون النظرة الإنسانية وحدها سيدة الموقف لتضمن بقائكم آمنين في البلدة القديمة بل حق الأخوة هو جوهرة التعاطي وأنتم لستم بضيوف بل أصحاب دار ومن ضمن المجموعات الأصلية التي كونت شعب هذا الوطن الذي قسمته المطامع السياسية والمشاريع الأيديولوجية.
حباااااااااب (ميري جون) بالبلدة القديمة أرض السودان الشمالي؛ وواهمٌ من ظن أن الحدود ستغلق أبوابها في وجوكم كما تتمنى سناء حمد وتحرض لذلك، وهي لا تعلم أنهم سيُستقبلون بمدينة الخرطوم.. يعني يا سناء كلامك عن تحديد إقامة أهلنا الجنوبيين (كلام شين وعيبة ساكت.. عيب الزاد ولا عيب سيدو) وأهل من الجنوب شئتي أم أبيتي سيجدون من يضمد الجراح ويرثي الضحايا لأننا جزءٌ من كل (السودان) وكم تقاسمنا همومه، وكم وحدتنا مواقف كالاستقلال وثورة أكتوبر.. صحيح فشل الساسة في السودان الواحد في أن يفكوا طلاسم إدارة التنوع الديني والعرقي والثقافي والجهوي فكانت النتيجة أن وقعتكم في مستنقع ارتفعت كثافة مياهه الآثنة حينما اختلطت المطامع السياسية والسلطوية لقادة الدولة الوليدة بالقبلية.
قطعاً جئتم إلى السودان بوجدانكم لأن بعضكم لم يمعن النظر بعد في الدولة الوليدة ولم يتوجه إليها إلا بأمر الانفصال السياسي الذي فرض عليكم مغادرة موطنكم الذي سمع صراخات ميلادكم وترعرتم بين يديه.. نعم البعض منكم غادره مُكراً كما عاد إليه أيضاً بأمر طوارئ الحروب.. ياللشقاء وما كل هذا البلاء والابتلاء لإخوة نحرتهم سيوف المعارك.. مرحباً بكم في وطنكم القديم الذي مازال يتقن التوهان في دوامة الحروب والفقر والمرض والجهل.. جمعياً نُقتل بأمر طوارئ الأزمات بل تتفاوت درجة قساواة الموت بين الموت بالجوع وفي سرير المرض بالقصف جوي.
فاطمة غزالي
[email][email protected][/email]
الجريدة
مقال جميل لا يشبه معظم الكتابات المتدنية المستوى التي نقرأها في هذه الراكوبه