الإنتفاضة القادمة ? قيادها و وقودها المهمشون

محور اللقيا

الإنتفاضة القادمة ? قيادها و وقودها المهمشون

د. عمر بادي
[email protected]

عمود : هذه مقالة ثالثة في سلسلة مقالات ثلاث عن الوضع السياسي في السودان . المقالة الأولى كانت قبل أسبوعين بعنوان ( الإنقاذيون و مأزق المرور من عنق الزجاجة ) , و المقالة الثانية كانت قبل أسبوع و بعنوان ( أمثلة لرؤساء للإحتذاء بهم ) . بإختصار شديد و لمصلحة القاريء الذي ربما لم يطلع على المقالتين السابقتين سوف أورد أهم ما جاء فيهما . في المقالة الأولى أبنت أن نظام الإنقاذ لا يختلف في شيء عن الأنظمة العربية التي تهالكت أو التي على وشك التهالك بفعل الإنتفاضات الشعبية , فهي كلها أنظمة عسكرية ديكتاتورية قمعت شعوبها و حكمتهم عن طريق أجهزة الأمن و التسلط و مصادرة الحريات و قهر المعارضين و التلاعب بالقوانين و العوث فسادا في ممتلكات الدولة مع غياب الرقيب المحاسب ووجود حزب يلم شمل المتسلطين و يتيح لهم الشرعية القانونية بتحولات ديموقراطية صورية ديدنها التزوير . هذا حالهم جميعا .
لقد أبنت للإنقاذيين أنهم إن أرادوا تجنب مصير الأحزاب المتساقطة فعليهم بتغيير مسارهم , و ضربت لهم أمثلة بالتغييرات التي حدثت على فكر الإسلاميين في تونس و في مصر , فبعد عودة الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية من منفاه في بريطانيا بعد رحيل زين العابدين بن علي و في مؤتمر صحفي أبان أن حزبهم هو حزب إسلامي و ديموقراطي يشبه كثيرا حزب العدالة و التنمية في تركيا . أيضا في مصر أوضحت جماعة الإخوان المسلمين عند تكوينهم لحزب سياسي بإسم حزب الحرية و العدالة أنه حزب مدني يضم في عضويته المسلمين و غير المسلمين و يمكن لغير المسلمين أن يحتلوا المناصب القيادية فيه و هو حزب ملتزم بالتحولات الديموقراطية في حرية الراي و التعبير و في التعددية الحزبية عن طريق الإنتخابات و تساوي الناس أمام القانون و أن الأمة هي التي تجيز الدستور . لقد نصحت الإنقاذيين و أنا ناصح أمين أن خيارهم الوحيد للنجاة هو إتباع خارطة طريق التحول الديموقراطي الحق و القبول بتكوين الحكومة القومية الإنتقالية التي تقود إلى إجراء إنتخابات حرة و نزيهة تجنب البلاد إراقة الدماء و الإحتراب , و لا ضير في تساويهم في الفترة الإنتقالية مع بقية الإحزاب ما داموا هم مقتنعون و يرددون بمناسبة و بدون مناسبة أنهم منتخبون من الشعب في الإنتخابات الأخيرة بنسب عالية , فلماذا لا يقبلون بذلك ؟
في مقالتي الثانية و تعزيزا لمقترحي بخارطة الطريق الديموقراطي ضربت للإنقاذيين أمثلة لرؤساء قد قفذوا إلى السلطة أو حاولوا ذلك بقوة الإنقلابات العسكرية و الحركات الثورية و لكنهم إرتضوا التوجه الديموقراطي الذي أعادهم إلى الحكم بعد ذلك على أسنة الأصوات الإنتخابية . هؤلاء الرؤساء الثلاثة هم أولوسيجون أوباسانجو الذي كان رئيسا لنيجريا بعد إنقلاب عسكري من 1976 إلى 1979 ثم إرتضى التحول الديموقراطي و أجرى إنتخابات لم يترشح فيها و غادر كرسي الرئاسة و لكنه عاد و ترشح في إنتخابات 1999 و فاز فيها و صار رئيسا منتخبا لنيجريا و لدورتين رئاسيتين حتى عام 2007 . الرئيس الثاني هو هوغو شافيز رئيس فنزويلا الحالي , فقد قام بإنقلاب عسكري للإستيلاء على السلطة في عام 1992 و لكنه فشل فزج به في السجن ثم خرج منه ليكون حزبا سياسيا يدخل به إنتخابات 1998 و يفوز فيها ليصبح رئيسا منتخبا لفنزويلا و لا زال يجلس على كرسي الرئاسة . الرئيس الثالث هو دانيل أورتيقا رئيس نيكاراغوا الحالي , فقد أتى إلى السلطة عن طريق الجبهة الساندينية للتحرر الوطني ليصير رئيسا لنيكاراغوا في عام 1985 , و لكنه بناء للدعوات الداعية للتحول الديموقراطي خاصة من حركة الكونترا أجرى إنتخابات حرة و نزيهة و لكن فازت فيها مرشحة المعارضة , و صار هو يحاول و يعدل من سياساته حتى فاز في إنتخابات 2006 ليصير رئيسا منتخبا لنيكاراغوا و لا زال يجلس على كرسي الرئاسة
للحقيقة و للتاريخ إنني أرى أن ثلاثة فقط من الرؤساء الأفارقة? العرب الذين أتوا إلى السلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية قد إرتضوا التحول الديموقراطي و أقاموا إنتخابات حرة و نزيهة دون أن يرشحوا أنفسهم ثم تركوا السلطة و ذهبوا إلى سبلهم . أولهم ألوسيجون أوباسانجو 1976 ? 1979 كما أوردت أعلاه , و ثانيهم إبراهيم بابانجيدا 1985 ? 1993 في نيجريا أيضا , و ثالثهم أعلى ولد محمد فال 2005 ? 2007 في موريتانيا الذي أعلن عن إصلاحات دستورية و برنامج إنتقالي لمدة سنة و نصف لتسليم نظام الحكم لنظام ديموقراطي منتخب و أوفى بما وعد . إنني لم أضم المشير عبد الرحمن سوار الذهب 1985 ? 1986 لهؤلاء الثلاثة نسبة لأن الجيش في إنتفاضة أبريل الشعبية قد إنحاز إلى الشعب بعد أن أوشك نظام جعفر نميري على السقوط حقنا للدماء و صونا لأمن البلاد , كما أوردت في مقالة لي سابقة قارنت فيها بين المشير سوار الذهب و المشير محمد طنطاوي في مصر , و لكن الإعلام العربي هو الذي جعل من إلتزام سوار الذهب بإجراء إنتخابات حرة بعد عام عملا غير مسبوق , رغم أن المتنفذين الحقيقيين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانا اللواءان تاج الدين عبد الله و عثمان عبد الله !
ربما لا يعرف الكثيرون خارج السودان أن شباب السودان قد تحركوا منذ 30 يناير 2011 و خرجوا في مظاهرات سلمية و معلنة و لكن تصدت لهم أجهزة الأمن بكل عنف و ضراوة و إعتقلت الكثيرين منهم , و حاولوا مرة أخرى في 03 فبراير 2011 و لكن إستبقتهم أجهزة الأمن و قامت بإعتقال الداعين للمظاهرات و المنظمين لها , و لم يكن تجاوب الشارع كبيرا . لقد حاولت أن أفسر سبب ذلك في مقالات سابقة رددت فيها الأمر إلى غياب النقابات الحرة الممثلة للشعب , و إلى إرهاب الشعب طيلة العشرين عاما الماضية و تضييق الحياة عليهم , و إلى ضعف أحزاب المعارضة التي هرم قادتها , و إلى تجميد القادرين منهم للتحرك إلى حين الإنتهاء من إتفاقية سلام نيفاشا بإنهاء القضايا العالقة و إعلان إنفصال جنوب السودان حتى لا يؤدي اي تغيير ربما يحدث إلى زعزعة تلك العملية برمتها .
بقاء الشعب داخل حاجز الخوف هو ما تسعى لتعزيزه السلطة الإنقاذية بشتى الطرق , بتصريحات قادتها النارية و المهددة بالويل و الثبور و عواقب الأمور لكل من تسول له نفسه بالخروج للإنتفاض , و بإنتشار قوى الأمن المختلفة لبث الرعب , و بتغلغل الطابور الخامس من منتفعي النظام الذين يقنعون العامة بغياب البديل , و برفع سيف تطبيق الشريعة في منحى تخويفي , و بإعمال قطع الأرزاق على من يجاهرون بإعلان تأييدهم لإسقاط النظام ! هل شاهدتم الحلقة الأخيرة من ( مسرح في الهواء ) في قناة الشروق التي يقوم بتمثيلها أسبوعيا المبدع الفادني و آخرون أمام جمهور الشوارع و الميادين ؟ لقد كان من ضمن مواضيعها موضوع ( القفز بالزانة ) في الخدمة المدنية و هو موضوع حيوي تناولته قناة الشروق مشكورة رغم حساسيته , حيث تتم ترقية الموظف الجديد ليرأس من هم في نفس مؤهله و يسبقونه في الخبرة و العمل لإعتبارات أخرى قطعا , و كان الفادني هو الموظف المتظلم من ذلك , و عندما سأل المشاهدين عن آرائهم كان الخوف باديا عليهم و أتت الإجابات التبريرية بأن دراسة الخريج الجديد فيها معرفة أكثر باللغة الإنجليزية و فيها مواد أحدث و ربما يكون الموظف الجديد قد أخضع لدورات تأهيلية ! , و يسألهم الفادني لماذا لا يخضعونه هو لدورات تأهيلية كتلك ؟ فيجيبونه بأنه لا يستطيع إستيعاب كل شيء بعد بلوغه تلك السن , فيقول لهم انه لم يصل إلى سن التقاعد و ذاكرته جيدة , فيقولون أنه يمكنه أن يساعد مديره ذاك و يقوم بتدريبه و لا يتدخل في السياسة العليا لوزارته ! لقد ضحكت كثيرا على الحال التي وصل إليها المواطن السوداني مفجر ثورتي أكتوبر 1964 و أبريل 1985 .
لقد تم مؤخرا إجراء الإنتخابات التكميلية لولاية جنوب كردفان , و قبل إنتهاء العملية الإنتخابية إنسحبت الحركة الشعبية من مراقبة الإنتخابات إستنكارا للتزوير الذي حدث من حزب المؤتمر الوطني و ذكر السيد عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية في الولاية و المرشح لمنصب الوالي أنهم لن يعترفوا بنتيجة الإنتخابات و أنهم سوف يقاومون ذلك بالطرق السلمية المتاحة . أما السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي فقد ذكر في مؤتمره الصحفي الأخير أن حكومة جنوب كردفان الولائية لا بد أن تكون حكومة قومية و أن الإنتخابات كانت عملية تنافسية بين دولتين ! و كما هو معلوم فإن حزب الأمة القومي كما قال رئيسه قبلا لم يرشح أحدا منه لمنصب والي جنوب كردفان رغم كثرة جماهير حزب الأمة في تلك الولاية , هل يا ترى كان ذلك في مصلحة من ؟ أفي مصلحة أحمد هارون أم في مصلحة عبد العزيز الحلو ؟ أظن الإجابة لا تحتاج إلى ذكاء إياس ! في نفس ذلك المؤتمر الصحفي ذكر السيد الصادق المهدي أن حزبه ماضٍ في الحوار مع المؤتمر الوطني بخصوص الحكومة القومية الإنتقالية . ترى , ألا يوجد سقف زمني لهذا الحوار ؟
لقد إستمعت قبل أن أكمل هذه المقالة إلى قرار السيد رئيس الجمهورية عمر البشير أن يكمل فترته الرئاسية حتى نهايتها بعد أربعة أعوام ثم يكتفي بذلك لصعوبة الحكم في السودان و لن يترشح بعد ذلك . هذا يعني إمكانية إستمرار نظام الإنقاذ بعد هذه الأعوام الأربع بدون الرئيس البشير , هل سمعتم الشعوب العربية في إنتفاضاتها تقول : ( الشعب يريد إسقاط الرئيس ) ؟ إنها تقول دائما حتى هنا في السودان : ( الشعب يريد إسقاط النظام ) ! لقد سعيت أن أبين كيف يكون المرور من عنق الزجاجة لنظام الإنقاذ و ضربت الأمثلة الحية لذلك , فإذا لم يتم التحول الديموقراطي المنشود , فسوف يكون مصيرنا كالذي تتناقله المحطات الفضائية عن أخبار الإنتفاضات و تعنت الحكام المتسلطين .
هذه المرة الخروج إلى التظاهر سوف يبدأه المهمشون الشباب من الطلاب و أصحاب المهن الهامشية و العاطلين عن العمل الذين لن تمنعهم وظائف أو ممتلكات يخافون عليها … هؤلاء المهمشون هم المقصون و الذين يحيون حياة خير منها الموت و المظلومون شرقا و غربا و شمالا و جنوبا و وسطا .

تعليق واحد

  1. الثورات أصبح ( وقودها الناس والحجارة ) بحكم أن الجماهير لا تحمل السلاح وأن الحكومات المتجبرة هي التي ترفع السلاح في وجه الثوار والمتظاهرين ولا ايه يا أستاذ؟

  2. المهمشين ديل جننتونا بيهم فتره … واحد لو ادوهو رغيفه بيعمل بغم . فان لم تكن القياده من المثقفين المدنيين دنيا عليك السلام … ليهم عشرين سنه كلهم مهمشين واصبحوا اليوم قاده ……. توبه من المهمشين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..