ومرة أخرى العنف السياسى وسط طلاب الجامعات عنف الدولة ( 1/3)

(أن الوطن يعيش جدليه تدمير الذات فهو مبرمج على على اباده نفسه والتنكيل بها عندما لايجد عدو ينوب عنه فى ذلك )
( لايبحث الانسان الحكيم عن اى نشاط يؤدى الى العنف )
ميلان كونديرا – البطء
أن المتتبع للتاريخ السياسى الحديث فى السوداني يجد ان هنالك عدة سمات تمتاز بها السياسه السودانيه دون غيرها مع أرضيه مشتركة لبعض دول العالم الثالث فعدم الاستقرار فى شكل الحكم والتخبط الاقتصادى وقصور النظرة البرامجيه واقتصارها على اللحظه أللآنيه واستحضار الاخر فى الخطاب السياسى أضف الى ذلك الجمود والدائريه حول عدد من القضايا منذ فجر الاستقلال مثل الهويه وعلاقة الدين بالدوله ..الخ كل هذا او اكثر ادى الى تدهور مُريع كان ناتجة الطبيعى فقدان معالم الدوله غيابها والمحصله الاساسيه كانت سقوط البلاد فى قبضه فئه محددة سيطرت على مقاليد الحكم لاكثر من 25 عاما زادت من تعقيدات الامور أضعاف مضاعفه وانعكس هذا بصورة او باخرى على شكل الحياه الاجتماعيه والثقافيه والاقتصاديه ، فى الوطن واصبحت سمه العنف والعدوانيه احدى شيم الحياة واضحت مفردات غريبه على القاموس الاجتماعى هى المحرك الفعلى للمجتمع مثل ( الحقد… والحسد… والبغض … ) ودخل قاموس السياسه السودانيه مرحله حرجه باطلاق الفاظ ( سوقيه ) وبذئيه واصبحت الرجاله والفتونه ( الهرش ) هى مقياس ومعيار نجاح اكيد لاى حزب سياسى قادر على ممارستها وكانت الطامه الكبرى أن خلاصة هذا (العك ) تشربته الاجيال الناشئه ودخل اكثر المواقع حيويه وحساسيه فى السودان الجامعات والمعاهد العليا .
العنف السياسى وسط الطلاب وليس العنف الطلابى :-
كان لابد من المقدمه السابقه كأطار موضوعى حتى نقف على مايسمى بظاهرة العنف الطلابى بالجامعات والتى شهدتها بعض الجامعات فى الايام الفائته بصوره داميه ادت بحياه طالب بكليه شرق النيل ، أن العنف السياسى وسط الطلاب ليس نبت شيطانى نبت من العدم وأنما هو افراز طبيعى لما هو طافح على المشهد العام خارج اسوار الجامعات ومن البديهى القول باننا نقف ضد العنف ونشجبه بغض النظر عن عن مبرراته وغاياته ، فالعنف مرفوض أن كان وسط الطلاب أو غيرهم فهو آفه ينبغى محاربتها من جذورها وقراءة تاريخها بحرص ومعرفه واسبابها ومن ثم يكون العلاج لها ، ولعل المتتبع لتاريخ العنف السياسى وسط الطلاب يستطيع لحدٍ ما أن يُحدد أماكن العطب ويشخص هذة الظاهرة .
تاريخ العنف فى الجامعات :-
لعل اشرس مراحل العنف السياسى وسط الطلاب بالجامعات السودانيه تتمرحل تدريجياً فى الحكومات العسكريه التى حكمت السودان مقارنه مع الحكومات المدنيه الثلاثه .
الحكومه العسكريه الاولى 17 نوفمبر 1957 الى 21 اكتوبر 1964 :-
أنتهت المواجهه بين طلاب جامعه الخرطوم ونظام عبود بثوره ظافرة أرجعت العسكر الى سكناتهم بعد مقتل طالب ظل محفور تاريخيا فى مسيره الحركه الطلابيه والثقافيه والسياسيه الى اليوم ( القرشى ) مع الاخذ فى الاعتبار بأن نظام الفريق عبود لم يتدخل بفكر ايدلوجى لتغيير الخارطه الاجتماعيه للوطن ولم يقهر الطلاب بصورة خاصه والعامه من الشعب فى كسب عيشهم وكان التعليم والصحه والاعاشه حق مفروض على الدوله برغم عسكريتها
( فى هذة الفترة جمد نشاط الاتحاد مرتان ..)
العسكريه الثانيه 25 مايو 1969 الى 16 ابريل 1985 :-
شهدت هذة الحقبه صراع متواصل مع النظام المايوى ذو الاهداف الايدولوجيه الاشتراكيه وهنا كانت نقطه التحول للاتجاهات اليمينيه وفيها حمل الطلاب السلاح فى الصحراء الليبيه بحجه ان نظام مايو شيوعى لينينى وبرغم دمويه نظام مايو المفرطه الا ان الجامعات كانت لها ميزة خاصه فى تلك الفتره حيث سيطر طلاب الاتجاه الاسلامى على دورات الاتحاد لفترات طويله مما يدلل على عدم تعطيل وعرقله المناشط الطلابيه بالاخص الثقافيه وانتهت هذة الحقبه ايضا بالحراك الطلابى من الجامعات وكانت ابريل الأغر من ( ادرمان الاسلاميه ) وجامعه السودان ، ألا ان العنف كظاهرة سياسيه بالجامعات تنامت بشكل بشع أبان حقبه نظام 30 يونيو 1989.
وقبل الخوض فى هذة الفترة لنقف على اكثر الوقائع عنفا فى تاريخ الجامعات السودانيه .
شهدت جامعه الخرطوم فى العام 1976 حادثه هى الاولى من نوعها فى تلك الفترة ففى قاعه الامتحانات ومن ضمن فعاليات الجبهه اليمقراطيه كانت رقصه سودانيه مشهورة لبعض القبائل السودانيه بغرب السودان ، الرقصه تسمى بالعجكو اصرت الجبهه الديقراطيه ممثل الحزب الشيوعى بالجامعات ان تؤدى كنوع من التراث الشعبى السودانى وأعترض طلاب الاتجاه الاسلامى ، انتهت بسقوط احد الطلاب ( سيد عبدالرحمن ) الشهير بكنه بعد ان هاجم طلاب الاتجاه الاسلامى الفعاليه بالسيخ والاسلحه البيضاء .
وفى العام 1981 تمت مصادامات داميه بين طلاب جامعه الخرطوم وفى نفس القاعه عند عرض فيلم عرس الزين .
كما شهد العام 1986 صدامات بين الطلاب اثر عرض مسرحيه سقوط الباستيل .
الملاحظ البعد الثقافى فى الصدامات اعلاه أى ان النشاط الثقافى داخل الجامعات هو المسيطر فى الاحداث والسؤال القائم .. لماذا فى كل الاعمال الثقافيه والتنويريه يلجاء طلاب الاتجاة اليمينى الى العنف ….؟
وفى العام 1986 فى 11 نوفمبر يسرد الاستاذ حاتم عبدالفضيل فى ورقة منشورة له احداث مقتل الطالب بلل حامد محمد وذلك عندما فصل الاتحاد احدى الطالبات من الداخليه وبدات عاصفه من الاحتجاجات انتهت باحداث داميه ويواصل فى نفس الورقة المنشورة ( العنف الطلابى فى الجامعات السودانيه الماضى والحاضر ) المصادمات التى حدثت بين الطلاب فى كليه الطب جامعه الخرطوم اثر بيان صادر من احد الطلاب يعلن فيه انشقاقه عن الاتجاه اليمينى اندلعت احداث عنف بين التنظيمات سقط خلالها 60 طالبا جريح ، وفى العام 1980 سقط الطالب الغالى عبدالحكم قتيلا بطعنه من طالب اخر بسبب الصراع على الدستور ، وسقط الطالب عبدالحميد عثمان فى العام 1986 فى مظاهرة طلابيه .
العنف السياسى وسط الطلاب فى عهد الانقاذ :-

عملت حكومه يونيو / حزيران 1989 بقيادة العميد عمر حسن احمد البشير والدكتور حسن عبدالله الترابى على خلق معايير جديدة لتاريخ السودان الحديث فكانت مغالطه الحراك الزمنى فى جعل السودان يبداء دورة حياته من لحظه سيطرة هذة العصبه على مقاليد الحكم وكانت محاولات عديدة تصب فى محو كل ماهو تاريخى ويشير الى حقبه خلاف هذة الحقبه ونتج عن هذا خلل كبير فى طبيعه النمط الاجتماعى والاقتصادى والثقافى …. الخ .
وتأرجحت مفاهيم كثيرة وتلاشت ونبتت الانانيه وحب الذات وتولدت الكراهيه والعنصريه فى المصالح الشخصيه ( حتى حمل ابناء الوطن الواحد السلاح ضد بعضهم ) اضف الى ذلك عسكرة المجتمع وتحجيم نشاطه الابداعى والثقافى ونمت وبشكل سافر النعرات القبيله بل وامتدت الى ادبيات التظيمات السياسيه ، وتربى على ذلك جيل كامل واجيال على امتداد 25 عاما رضعت من ثدى الانقاذ كل الاحقاد والبغض وكراهيه الاخر ومن ثم اصطفوا فى معسكرات الدفاع الشعبى قديما / و الخدمه الالزاميه حديثا يتلقون مزيداً من الترياق ضد الوطنيه وهتكاً للنسيج الاجتماعى الهش اساساً وكانت القاضيه لهذا الاجيال تشويش وعيهم بقصد بنمط تعليمى يتوافق مع ضروريات المنظومه الحاكمه .
مارس نظام 89 عنفاً غريب حتى اصبح الوطن قاب قوسين او ادنى من الهرج وقسم الوطن الى دولتان شمالى وجنوبى وانعكس كل هذا بصورة او باخرى على الجامعات السودانيه والامر الذى يدعو للحيرة ان ان التنظيم الحاكم وفى تطوراته قبل السلطه 89 لم يلقى افرادة مثل هذا الهوان الذى يذيقه للوطن وشعبه وهنا يقول دكتور حيدر ابراهيم على (( تميزت الحركه الاسلاميه ومنذ نشأ تها وسط الطلاب باستفادتها من أجواء التسامح والحريه السياسيه ورفض السودانيين للعنف فى العمل السياسى ولم تتعرض الحركه الاسلاميه السودانيه للقمع والاضطهاد مثل الذى حدث للحركات الاسلاميه فى المنطقة العربيه ، والحركه نجحت بسودانيتها وليس بسبب تجديداتها الدينيه وأصالتها الاسلاميه ) أ .هـ .
ألا ان الحركة نفت كل ذلك وتعاملت ببعد اخر كأنما هو جزء سمنار. و داخل الجامعات السودانيه نفذت سياسه محكمه بالاخص جامعه الخرطوم وفى ذلك يقول دكتور منصور خالد فى كتابه ( النخبه السودانيه وادمان الفشل ج2 ( وصرح الترابى على ان الحيه لاتلد الاحيات ) ويقصد بالحيه جامعه الخرطوم .
شهدت ساحات هذة الجامعه منذ خمسينات القرن الماضى صراع الاسلاميين واليسار التقليدى ( الحزب الشيوعى ) وجاء الاول فى العام 1989 بكل ضيقه وحنقه وأصبح ينظر الى كل من ليس معه فهو متخندق فى الصف الاخر وتلك نظرة ذات ابعاد قاصرة ، وتفتحت عبقريه النظام بأن حكم الوطن بنفس عقليه اركان النقاش والصراع حول المجالس التنفيذيه للاتحاد الطلاب.
وداخل الجامعات وعلى امتداد اكثر من 25 منع ممارسه أى نوع من انواع النشاط ألا باذن او تصريح واغلقت كل اشكال الابداع امام الطلاب ومارس تحجيم على الوعى وكبح العنفوان الثقافى ، وعملت سياسه التعليم من قبل النظام الحاكم على التوسع الافقى فى الجامعات بدون خطه مدروسه او ممنهجه فى ظل ما يسمى بثوره التعليم العالى تم فصل عدد كبير من اساتذة الجامعات المناهضين لسياسه النظام ، ولم تراعى ثورة التعليم العالى السؤال القائم ماهو المغزى من كل هذة الجامعات …..؟ وكيفيه استيعاب هذا الكم الهائل بعد التخرج…..؟
وكأنما الأمر هو خطه متكامله ومبرمجه لنحر الجامعات السودانيه وتتمثل ثورة التعاليم فى فتح عدد كبير من الجامعات غير المؤهله ، قبول عدد من الطلاب والطالبات فى سنوات مراهقة ، الغاء المناشط الطلابيه ،رفع الدوله يدها كلياً عن دعم التعليم .
هذة العوامل فقط كافيه لخلق خلل منطقى فى ساحات الجامعات السودانيه ، فى الماضى القديم قبل مجى الانقاذ كانت الجامعات اقل عددً الا أن وعى الطلاب فى التعايم قبل الجامعى كان عالياً ، والطالب الجامعى يعد من المثقفين والذى آطر ذلك هو ارضيه الخطاب السياسى والثقافى والاجتماعى وحتى الرياضى وكانت هذة المحاور هى محل اهتمام الطلاب واختل هذا الاهتمام نتيجة الغاء المناشط الثقافيه والسياسيه والرياضيه وايضاً لصغر سن الطلاب ولم تكن هنالك ارضيه خطاب موضوعى اضف الى ذلك وجود طلاب وطالبات حديثى السن داخل جغرافيا محددة لساعات طويله وبغياب المناشط الثقافيه والرياضيه أصبحت العلاقه بين هؤلا فى اطار اخر تخرج عن المضمون الاخلاقى وفى الغالب فطنت قيادات التنظيم الحاكم الى هذا النوع من التردى وذلك لكسر تاثير الطلاب على الشارع الخارجى وخلق فجوة وعدم ثقه بين حركه الطلاب المناهضه وما بين الشارع الذى ينظر الى اى عمل مناهض من قبل الطلاب بعدم رضى ، واصبحت السمه الغالبه مع غياب الطرح الموضوعى وحجب المناشط هى اللاوعى واذا اخذنا فى الاعتبار بيئه الجامعه ( نسبه وعى قليله ، عدم مناشط ، فقر الطالب ، تردى اخلاقى نسبي ) هذة هى العوامل التى تساعد على انتشار وتنامى الخطاب الدينى ، طبعا لايخفى علينا ان هنالك وسط كل هذا الزخم المقرف نقطه ضوء متمثله فى طلاب حملو على عاتقهم هموم الحركه الطلابيه وامال شعب السودان فكانت محاولاتهم المستمرة والمستميته لمناهضه النظام قوبلت هذة الحركات بقمع شديد وصل فى اكثر من مرحله الى التصفيه الجسديه وتحولت الجامعات فى فترة وجيزة الى آلة تفريخ لمشروع جديد يتناغم بعواطف الطلاب حديثى السن والحياة وكانت هذة هى اسُ سياسه التعليم العالى الجديدة فى عهد الانقاذ عملاً بمقوله راشد الغنوشى الشهيرة ( عليك بالمال … الجيش …. والتعليم …. والاعلام ) .فكان ان تمت عسكرة الطلاب بالجامعات لضرب الخصوم والمعارضين ، وكان الطلاب وقود حرب خاسرة انتهت بفصل من اختاروة لدخول جنات فى مخيلتهم فكانت ان قامت دوله جنوب السودان شاهد على اسوء مجزرة تمت للطلاب باسم الاستشهاد والدين من قبل النظام الحاكم .
وفى عهد الانقاذ ظهر تنامى العنف السياسي وسط الطلاب بصورة مخيفه ويرجح عدد من المحللين هذا العنف لعناصر وعوامل عدة الدكتور الطيب زين العابدين يقول فى تحليله بجريده الصحافه العدد (4910)
( أن العنف الطلابي المعاصر تاثر كثيراً بالمناخ غير الديمقراطى الذى عم البلاد بعد انقلاب 1989 فقد لعب الطلاب دوراً عسكرياً وأمنياً وسياسياً لمصلحه النظام الجديد بل تعسكر التنظيم الطلابى نفسه حتى ذابت الفواصل بينه وبين اجهزة الامن )

يتبع

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..