مقالات وآراء سياسية

هوان العرب وانكسارهم أمام أنفسهم قبل عدوهم

حسن عبد الرضي الشيخ

 

لطالما رفع العرب شعارات الوحدة والقوة، وهددوا بإلقاء إسرائيل في البحر، لكن الواقع يكشف عكس ذلك تمامًا. إسرائيل، التي توعدوها بالإبادة، تفرض شروطها السياسية والعسكرية بلا تردد، بينما تغرق الدول العربية في التشتت والضعف والارتهان للخارج.

 

في عصر تُحكم فيه الأمم بالأفكار والبرامج، لا بالشعارات، تبدو العروبة كهوية منهكة، تآكلت تحت وطأة الصراعات الداخلية والعجز عن بناء مشروع حضاري متماسك. بينما يتصارع العرب فيما بينهم، تستثمر إسرائيل في نقاط ضعف خصومها، فارضة واقعها بالقوة والدهاء. رئيس وزرائها يهدد باستئناف الحرب متى شاء، والغرب يمنحها الغطاء الكامل، مصرًّا على منع حماس من الحكم، وكأن العرب لا دور لهم في تقرير مصيرهم.

 

أما جامعة الدول العربية، التي يُفترض أن تكون المظلة الحامية للعرب، فقد أثبتت عجزها المتكرر. أمينها العام، أحمد أبو الغيط، يُحمّل حماس مسؤولية دمار غزة، متجاهلًا أن الاحتلال هو أصل المشكلة. ولو أن حماس انتصرت – وهو احتمال لم تتوافر له مقومات النجاح – لربما تغنّى العرب بنصر رمزي، لكن الواقع يُظهر أنهم بلا رؤية واضحة لما بعد الحرب، رغم عقدهم قمة طارئة لم تخرج بأي خطوات عملية.

 

إسرائيل تتعامل مع العرب على أنهم مجرد بيادق ضعيفة، حتى حماس نفسها تُجبر على التفاوض عبر قنوات واشنطن وبموافقة إسرائيل، بينما البيت الأبيض يُسفّه الطرح العربي، معتبرًا أنه لا يعالج جذور الأزمة. أما أوروبا، فلا تمانع استبعاد حماس من المشهد السياسي، وتتظاهر بالحرص على الفلسطينيين فقط خوفًا من موجات لجوء جديدة، لا حبًا في حقوقهم.

 

الضربة الأقسى أن واشنطن تفاوض حماس مباشرة، متجاهلة العرب تمامًا، بينما إسرائيل لا تكتفي برفض المبادرات العربية، بل تسعى لإعادة تشكيل المنطقة سياسيًا وعسكريًا، واضعة مصير الشرق الأوسط بيدها وحدها.

 

قبل أكثر من ستين عامًا، قدّم المفكر السوداني الأستاذ محمود محمد طه نصيحته للأمة العربية : مشكلتكم ليست في عدوكم، بل في أنفسكم. دعاهم إلى مواجهة أزماتهم الداخلية بصدق، والعودة إلى الإسلام كمنهج عدل ومساواة، لا كأداة قمع واستبداد. الفكرة الجمهورية التي طرحها أكّدت أن العدل لا يقوم إلا على دعامتين : الديمقراطية والاشتراكية، فهما جناحا الطائر، ولا نهضة بدونهما. لكن العرب، كعادتهم، تجاهلوا صوت العقل، وها هم اليوم يدفعون ثمن فرقتهم وضعفهم، بينما خصمهم المتوهم يواصل تقدمه بثقة، غير مكترث بصراخهم أو احتجاجاتهم العقيمة.

 

كانت نصيحة الأستاذ محمود لهم أن يعودوا إلى الإسلام الحقيقي، فهو الذي جمعهم يومًا كأمة واحدة، وتفرقوا حينما تخلوا عن جوهره. وكما قال: “بتقليد محمد تتوحد الأمة، ويتجدد دينها”.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. طز فيك وطز في الفكرة الجمهورية وطز في محمود محمد طه وطز في العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..