بيان الرباعية: قراءة متفائلة للتعافي الوطني وبناء سودان جديد – للانتقال الآمن.. لا بد أن تتوحد قوى الثورة

مع الاحترام للرأي القائل إن تأييد ترتيبات “الرباعية” يشكّل تبعية لدولها، وخدمةً للمشروع الأمريكي، وانتقاصًا من السيادة، إلا أن هذا الفهم مردود عليه لجملة أسباب:
أولًا: هذه الترتيبات ليست صفقة بين قوى الثورة والرباعية، فكما أكد البيان، أن الحرب في السودان بلغت مرحلةً تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وأن استقرار السودان وأمنه ينعكسان مباشرةً على أمن المنطقة، ومن ثم جاءت الترتيبات لإنهاء الحرب ووجدت تأييدًا على المستويين الإقليمي والدولي، فأخذت الطابع الدولي. فلا منطق لرفضها مبدئيًا.
ثانيًا: ولا مسوّغ لرفضها بحجة التبعية، فالسودان المعافى قادر على بناء علاقاته على أساس الندية والمصالح المشتركة. أما القول بأن تأييدها يخدم المشروع الأمريكي، فالعكس هو الصحيح، لأن إستمرار الحرب يؤدي للضعف والتبعية وتقسيم البلد واستباحته. لذلك، فإن الرفض يشكّل تماهياً مع مشروع “الآخر” الذي يطيل أمد الحرب، باستخدام الفيتو وتسليح الأطراف، ليستمر في نهب ثروات البلاد.
ثالثًا: الترتيبات الزمنية لإنهاء الحرب والانتقال المدني لا تُعتبر تدخّلًا، فالحرب أصبحت في قلب الصراع الدولي، وقد فشل مجلس الأمن في إنهائها بسبب الفيتو، ما استدعى تدخل الرباعية لحماية أمن المنطقة. وهذا يحقق ما نريد، فكيف نرفض؟ وإذا كان هناك من يصرّون على الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي، لمصالحهم الخاصة، فهذا شأنهم.
رابعًا: قوى الثورة لا تعاني من متلازمة موالاة الغرب كما هو حال الإسلاميين، فتاريخيًا، الأمريكان ساهموا في تمويل الحركة الإسلامية العالمية، وتسليحها، وتوسيع تأثيرها خلال الحرب الباردة، بما جعل البعض يعتقد أنها صنيعة أمريكية. لذلك، علينا التمييز بين الدعم الذي يخدم الثورة فنقبله بثقة، وبين الدعم الذي يشكّل تدخلاً فنرفضه بحزم.
خامسًا: السيادة التي تستحق الحماية تتطلب دولةً مستقلةً وحكومةً شرعيةً تحمي الوطن وتخدم مواطنيها عبر مؤسسات وطنية. فأين الدولة، وحدودها منتهكة وثرواتها منهوبة؟ وأين الشرعية، والسلطة مغتصبة؟ وأين السلطة الحامية وهي تنادي بالحرب على جماجم مواطنيها؟ وأين المؤسسات التي تخدم المواطن في أمنه وصحته وتعليمه؟
سادسًا: مادام دول الرباعية تريد إنهاء الحرب ودعم الانتقال المدني بعيدًا عن هيمنة الأطراف المتحاربة أو الجماعات المتطرّفة، ووجد ذلك تأييدًا عالميًا، فإن كل المطلوب منا أن نؤكد صدقنا في التمسك بالديمقراطية، بأن نتعافى من خلافاتنا ونوحد صفوفنا، تطلّعًا لمرحلة انتقالية تقود إلى تحوّل ديمقراطي حقيقي.
نؤكد احترام كل الآراء، لكن التمسك بملاحظات شكلية قد تنتج عنها خلافات تؤدي إلى شقّ الصف وإضعاف قوى الثورة، وبالتالي حكومةً مدنيةً “مستأنسة”، وهذا ما نخشاه جميعًا.
أخيرًا: ما دامت ترتيبات إنهاء الحرب تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في كل المنطقة، كان من المنتظر أن تكون المفاوضات العسكرية بين القوات المسلحة ومجموعة “تأسيس”، بما في ذلك الدعم السريع، ثم مجموعة عبد الواحد، لأن ذلك يُؤدّي إلى إنهاء جميع النزاعات المسلحة.
لا يمكن الجزم بمصير ترتيبات الرباعية، لكن أياً كان، علينا التفاعل معها في اتجاه أهدافها المعلنة، بعيدًا عن الشماتة والاندفاع العاطفي.
إن أسوأ ما فعله الإسلاميون هو تغبيش الوعي ونشر ثقافة العنف والتطرّف، والاستقطاب الحاد الذي قسّم الناس إلى “إسلامي” و”كافر”، و”وطني” و”خائن”. فحدث تشظٍّ مجتمعي مؤلم، وسادت روح الحقد والكراهية بين الأفراد والقبائل والجيران والأسر. علينا العمل على اجتثاث هذه المفاهيم وإعادة رتق النسيج الاجتماعي بكل مكوّناته، فنحن في حاجةٍ ماسةٍ إلى التعافي المجتمعي.



