يمتد الحوار ويخسر السودان

في يناير 2014 بدأت استعدادات رحلة قطار الحوار الوطني التي لم تنتهِ حتى الآن، الجلسة الرسمية لانطلاقته كانت في أكتوبر 2014، أي بعد عشرة اشهر من التحضيرات، وكانت تحت شعار السودان وطن يسع الجميع، والسودان أصلاً لم يضيق بأحد، ولكن صدر المؤتمر هو من ضاق بالآخرين ولا يريد أن يتسع لهم بدليل أنّ الحوار يمضي نحو عامه الثالث دون أن يصل إلى نتيجة، ليس لآن الآخرين لا يريدون، ولكن لأن المؤتمر الوطني يريد للحوار أن يكون ساقية جحا.
منذ البداية واجه الحوار تعثراً بسبب رفض حزب الأمة القومي وقوى اليسار وبعض الحركات المسلحة، ثم انسحاب حركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل لاحقاً، وقتها تأكد أن قطاره لن يتسع لكل الأحزاب والقوى السياسية ورغم ذلك ظل البعض باقياً.
أكثر من مرة حُددت للحوار نهاية ولكنه لم ينتهِ، بل في مارس الماضي سمعنا أن لجان مؤتمر الحوار أكملت مُداولاتها وستسلم توصياتها في غضون أيام قليلة وهي تعمل على إعادة الصياغة والتدقيق فقط، ثم دار جدلٌ كثيفٌ بأنّ التوصيات تعرّضت للتزوير ولكن آلية (7+7) نفت ذلك، وقالت إنّ العام الحالي سيشهد ميلاد المشروع الوطني المُوحّد من خلال الحوار لخدمة قضايا البلاد وحتى الآن لم يولد المشروع.
الآن ليس هناك ما يُشير إلى أن الحوار سينتهي قريباً ليحقق شعار السودان وطن يسع الجميع، فهي كلمة حق أُريد بها باطل، كما أنّ مَشاكل السودان تزداد تعقيداً كل يوم، وأصبح الحوار في حد ذاته مُشكلة يخسر منها السودان ويكسب المؤتمر الوطني.
الآن أكثر الأحزاب تأييداً للحوار، هو المؤتمر الشعبي الذي كان لا يرى مخرجاً لمشاكل السودان إلاّ عبر هذا الحوار بدأ يَتململ، وكمال عمر المُتحدث باسم الحزب والذي استمات في الدفاع عنه منذ البداية، قال لن نبقى هكذا إلى ما لا نهاية، مُتهماً جهَات لم يُسمِّها بأنّها لا ترغب في تسوية سياسية تعين السودان على النهوض، وهو يَعلم تماماً أنّ الجهة الوحيدة التي لا تريد ذلك هي المؤتمر الوطني.
قبل أيام قال الأستاذ علي عثمان محمد طه إنّ أمد انتظار مخرجات توصيات الحوار الوطني قد طال وشبّه انتظار الناس لمخرجاته بانتظار “شنطة الحاوي”، الذي ربما يخرج منديلاً أو حمامة، مع أنه لن يخرج منديلاً ولا حمامة لأن الذي ينتظرونه ليس حاوياً وإنّما محتال يطيل الزمن حتى يضمن بقاء الناس إلى أن يجد حيلة أخرى يشغلهم بها.
إن كان المؤتمر الوطني يريد حلاً لقضايا الوطن وعازماً على تحقيق شعار السودان وطن يسع الجميع فعلاً.. فيومٌ واحدٌ يكفيه ليفعل، لأنّ كل ما يحتاجه هو الاعتراف بأنّه قد فشل في إدارة البلد طيلة 27 سنة والآن يقودها الى مصير مجهول ويجب أن يسلم المسؤولية الى غيره بنفسٍ راضيةٍ ويرحل دون خسائر، ولكن ليس لديه الضمير ليفعل فيحتمي بالحوار ويطيل أمده، وكلما امتد الحوار يخسر السودان.
التيار
حفظك الله