إستغلال الحزب الحاكم لوقفة الشعب الوطنية ضد إحتلال هجليج

عمود : محور اللقيا

إستغلال الحزب الحاكم لوقفة الشعب الوطنية ضد إحتلال هجليج

د. عمر بادي
[email][email protected][/email]

ثمة خبر يحتاج إلى تفسير ورد إلينا من السودان من طبيب إمتياز يعمل في إحدى المستشفيات في الخرطوم , قال أنه قد ورد إليهم إخطار للذهاب إلى المستشفى العسكري للمساعدة في علاج جرحى الحرب من الجيش السوداني في هجليج , و هناك لاحظ أن أعدادا كبيرة من الجرحى قد أصيبوا بطلقات نارية في مؤخراتهم !
عند إحتلال دولة جنوب السودان لهجليج , تنادت أحزاب المعارضة في تحالف قوى الإجماع الوطني إلى التفريق بين الوطن و الحزب الحاكم , و أن الوقوف مع الوطن عند إحتلال جزء من اراضيه لا يعني بالضرورة مؤازرة و تأييد الحزب الحاكم في سياساته تجاه الوطن , و نوهت أحزاب المعارضة الى عدم الخلط بين الموقفين , فالشعور الوطني أسمى و أعظم من الولاء الحزبي , لأن الأول يمثل محور إلتقاء كل الشعب بينما الثاني لا يمثل سوى فئة حزبية واحدة من فئات الأحزاب المتعددة , و كما هو معروف فإن الإعتداء الخارجي يوحد الجبهة الداخلية . لذلك ظهر الزخم الشعبي من كل فئات المجتمع مؤيدا للقوات المسلحة في رد العدوان الخارجي , و رغم أن وقفة الشعب الوطنية كانت من أجل الوطن فقد إستغلها الحزب الحاكم و تسلق قياديوه المنابر و إعتبروا أن تهليل الشعب بالنصر هو تهليل لهم , و إعتبروا أن أسهمهم قد إرتفعت أمام الشعب , فدعوا إلى مواصلة الجهاد و تحرير الشعب الجنوبي من الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب , و دعوا إلى تسويق مشروع الجمهورية الثانية , بل و دعوا إلى وقف التجارة الحدودية مع الجنوب و التصدي لأي تهريب للسلع ربما يحدث بإطلاق النار على المهربين في مقتل ! هل هذا تناسٍ للشماليين الكثر الذين يقطنون على الشريط الحدودي و في شمال ولاية أعالي النيل , أم هو تخيير لهم بين القتل بالرصاص حين شراء بضائعهم من الشمال أو الموت جوعا في الجنوب ؟
إن إعلان الحرب يعد إعلانا لإقتصاد الحرب , حيث تكون الأولوية في الموازنة لمستلزمات الحرب حتى تظل رحى الحرب دائرة , و ربما يتم تحويل بعض المشاريع و الصناعات إلى الإنتاج الحربي كما حدث في النصف الأول من التسعينات . أذكر أنه حينذاك كان يوجد مصنع في منطقة الصناعات في الخرطوم بحري يقع شرق شارع الإنقاذ و كان ينتج الملابس الجاهزة و الأحذية خاصة للأطفال , و في صبيحة أحد الأيام إقتحمت قوات الدفاع الشعبي المصنع و إحتلته و حولته إلى إنتاج الأزياء و الأحذية العسكرية ! إعلان الحرب يعني إزدياد الضائقة المعيشية على المواطنين , خاصة في ظل الحصار الإقتصادي الغربي . لقد أشار الدكتور نافع علي نافع في الأيام الماضية إلى أن حال المواطنين في السودان صار كحال السيدة مريم العذراء مع زكريا , بمعنى الآية الكريمة من سورة آل عمران : ( فتقبلها ربها بقبول حسن و أنبتها نباتا حسنا و كفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) صدق الله العظيم . نفس هذا التشبيه قد أورده الدكتور نافع قبل أعوام مضت حينما سؤل من أين له القصور و المزارع و الأموال , فأجاب هي من عند الله , ثم أورد تلك الآية !
التأكيد على شمالية هجليج تسنده حدود جنوب السودان في عام 1956 و تسنده نتيجة تحكيم محكمة العدل الدولية بعد إتفاقية نيفاشا , و لذلك فإن الغزو الجنوب سوداني لهجليج كان إعتداءا سافرا و قد لقي الإدانات من الأمم المتحدة و من كثير من دول العالم و أدخل حكومة جنوب السودان في مغامرة غير محمودة النتائج . دعونا نطرح أسباب الغزو كما وردت من قياديي الحركة الشعبية في حكومة الجنوب , لقد إعتبروا أن الغزو بمثابة مخلب قط لتهديد مناطق جنوب كردفان و للمقايضة بأبيي , كما إعتبروه تأمينا لمناطق الجنوب الحدودية من ضربات المدفعية و الطيران الشماليين , و ثالثا إعتبروه إنهاكا لإقتصاد الشمال بحجب بترول هجليج عنه بعد أن تم حجب بترول الجنوب . لقد كان الغزو الجنوبي الأخير لهجليج هو الغزو الثاني في غضون أسابيع فقط , فما يمنع من معاودة الغزو مرات أخرى سواء في هجليج أم في المناطق الأخرى المتنازع عليها مثل أبيي أو كافي كانجي ( حفرة النحاس ) أو مقينص أو كاكا التجارية ؟ لذلك فقد إرتفعت بعض الأصوات لمساءلة السيد وزير الدفاع و التحقيق معه و إدانته في عدم تأمين هجليج بعد الغزو الجنوبي الأول لها .
إن إستراتيجية الحركة الشعبية الجنوبية تتجسد في فتح بؤر الحرب في مناطق عدة , و هي المتمرسة على حرب العصابات , حتى يتم إنهاك الجيش السوداني الذي يحارب في جبهات عدة في دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق . لذلك فاللجؤ إلى الحوار بين دولتي السودان كما دعت له الأمم المتحدة و الإتحاد الأفريقي و أمريكا و الصين هو الحل الأنجع للإرتقاء بإقتصاد الدولتين بعد معاودة ضخ البترول و تصديره عبر خطوط الأنابيب كما كان سابقا , و بعد معاودة التجارة الحدودية بينهما كما كانت .
إن ملاحظتي الأولى عن مجريات الحرب الأخيرة في هجليج , هي أن الدور الأكبر في إسترداد هجليج قد لعبه الطيران السوداني , فقد كانت الطائرات المقاتلة تقوم بعدة طلعات يوميا بين قواعدها و هجليج و إستمرت هكذا لعدة أيام قبل دخول القوات البرية و إستردادها , و كأن القيادة العامة في الخرطوم قد حذت حذو أمريكا و حلفائها في حرب العراق أو حذو طيران حلف الناتو في ليبيا . إن كثير من صور الآليات و الجنود المحترقة تشير إلى ضربها بالطيران , و لم ألاحظ أي أثر لطائرات جنوب السودان المروحية ذات الدور المحدود بجانب المقاتلات النفاثة السريعة . لقد كان إنفتاح الأجواء فوق الجيش الجنوبي ثغرة إستغلها الطيران الشمالي لإنزال الهزيمة به , بل و مطاردة الحركات الشمالية المسلحة و قصفها على خط الحدود مع الجنوب .
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !

تعليق واحد

  1. ليتهم يا دكتور يستمعوا لما كتبت ولكن تعودنا علي ان لا يسمعوا وبالتالي نخسر كل شيء في المستقبل

  2. عمر محمد صالح كيفك
    والله كويس كتاباتك اتصلحت
    واسمك اصبح دكتور عمر بادي
    وكمان دقن قافلة مع الشنب قيافة
    شكرا للراكوبةلمتنا مع الحبايب الزمان
    تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..