مقالات وآراء
في صراع العسكر والساسة .. أزمة شرق السودان مدخل لإجهاض مشروع الثورة السودانية!!

منذ سقوط حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير وانتصار الإرادة الحر للشارع السودان في ابريل من العام 2019 ، تطلعت آمال عريضة لانسان شرق السودان خاصة بين فئة الشباب والشابات في بناء وطن يسع الجميع مع مختلف مكونات الشعب السوداني يرتكز على قيم الإخاء والمحبة والمواطنة كأساس لإحقاق الحقوق وأداء الواجب ، تماشيا مع الشعارات التي رفعتها قوى الثورة الحية ، والتي كانت حلم وتطلعات جيل الشباب الذي مثًل الوقود الذي اشعلة الثورة في كل مدن وأرياف السودان دون استثناء.
لكن هذه الآمال والتطلعات بدأت تتلاش يوما تلو الأخرى لدى الغالب الأعم من شباب وشابات الثورة السودانية على امتداد القطر ، وخاصة شابات وشباب شرق السودان ، فحالة التأطير لأزمة الشرق التي تجلت منذ الوهلة الأولى من عمر عملية التحول الديمقراطي ، وبدأت تتشكل ملامحها من الحراك داخل أحزاب الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة لاحقا ، وما يجرى من عمليات التفاوض حول سيناريوهات المرحلة وشكل الحكومة ومستويات التمثيل والمشاركة على مستوى المؤسسات المركزية والولائية ومعايير هذا التمثيل … في ظل تعتيم اعلامي كامل لكل ما يدور في كواليس هذه الغرف المغلقة… فكانت المخرجات رؤية قاصرة لواقع التحديات والاشكاليات التي يعاني منها الشرق ، وجهل حقيقي ومتعمد في كثير من الأحيان في معرفة التركيبة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تشكل نبض الحياة الحقيقي في أكثر مناطق السودان حيوية (الشرق) ، وربما عنصر المفاجأة في النهاية الدراماتيكية الساحقة لعهد الإنقاذ على يد هذا الحراك الشبابي قد أدى لشل قدرة بعض النخب في تصور المشهد الجديد ، وبالتالي كانت عاجزة عن صناعة أدوات جديدة لإدارة المرحلة تتناسب وروح القيم التي بثتها الثورة ، فعمدت الى ذات المنهج الموروث من الإستعمار والحقب الشمولية التي ادارة شؤون البلاد طوال السنوات الماضية والمتمثل في سياسية فرق تسد وإصدار الأحكام العامة علىى تجمعات ثقافية واجتماعية من أجل اقصائها والسيطرة عليها لدعم جماعات أخرى ، مع ممارسة سياسية ذر الرماد من خلال التمثيل السياسي الهزيل ، وهي ثقافة انقاذية بإمتياز تماهت معها الحرية والتغيير في نسختها الأولى دون خجل أو استحياء!! هذه الرؤية القاصرة والمتعجرفة في بعض محطاتها من قبل القوى السياسية التي آلت على نفسها تسيد المشهد وصناعت أدوات الفرز على مقاساتها المعرفية والثقافية التي لا تتجاوز حدود العاصمة الجغرافية الخرطوم كانت معبر أساسي لفاعلين آخرين من الفلول والعسكر وأصحاب الإجندات والمصالح الذاتية ، والذين استطاعوا بكل تأكيد في ظل الحالة الماثلة للبلاد من هشاشة أمنية واقتصادية وغياب رؤية سياسية تسع الجميع أن يفعلوا فعل السحر في تحريك الراكض في النفوس من صفحات التاريخ الأسود في حياة كل مكون اجتماعي ، وحدث ما حدث بعد ذلك كما يقال … من اقتتال دموي في العديد من مدن الشرق لترتيب الأجندة مرة أخرى ، وبكل معطيات الواقع اليوم وبعد أربعة سنوات من عمرالفترة الانتقالية نستطيع أن نقول قد افلح الماكرون في دس السم في الأواني الفارغة ! الغريب والمدهش أن مقصلة الفرز لم تقتصر على الرؤية الجمعية التي صيغة تجاه المكونات الثقافية والاجتماعية في الشرق فقط بل امتدت أيضا الى فرم كثير من الشخصيات التي جزورها من الشرق لكنها ظلت ملتزمة ومؤمن بخط النضال الثوري داخل مؤسساتها التنظيمية ، ويمكن وصف بعض الممارسات في هذا الاتجاه كانت ابشع من الذي مارسه النظام المخلوع في حق مناوئية ، فاللامبالاة والميكافيلية العمياء للذات الضيقة هي التي قادت لهكذا مواقف ، وهي أيضا كانت بداية الفراغ الكبير الذي ترزح فيه القوى السياسية التي تسيدت المشهد تجاه ما تقدمه من حلول لأزمة الشرق حتى اليوم. وأيضا من المواقف التي تبرهن قصر النظر وحالة الصدمة التي كانت تعيشها الحرية والتغيير النسخ الأولى والتي ما تزال تدفع ثمنها بشكل أو بآخرهو الموقف من سلام جوبا في مرحلتة الأولى ورؤيتها الضبابية حياله ، والذي انعكس على شكل العلاقة المشلولة بينها والقوى الموقعه على سلام جوبا ، وحالة التشاكس المستمرة قبل وبعد وقوع حالة الطلاق المرجوع على ما يبدوا لهذه العلاقة عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر. كما أن الصراع في تجييرقطاعات تجمع المهنيين لصالح تنظيماتها السياسية كان أمر بائن في كثير من القرارات التي تتعلق بالتعين أو حل الجمعيات التسييرية للنقابات وربما هذا التكالب المستميت كان وراء حالة التشظي التي وقعت بين روافد تجمع المهنيين الذي قاد الثورة السودانية في احلك واصعب محطاتها .
كل ما ذكر وغيره الكثير بطبيعة الحال نابع من الرؤية الضيقة لهذه التنظيمات وعدم قدرتها في استيعاب التحول الذي حدث ، وحينما أدركت هذا تكالبت على مصالحها الضيقة على مستوى الفرد والتنظيم ، مما أدى الى بروز نفاج ولجت منها القوى العسكرية المتسيدة بفعل القوة أن ترتب الأجندة مرة أخرى ، والمؤسف أن شرق السودان كان هذا النفاج وحتى نكن منصفين أكثر هو كان الأهم بين آخرين ، وكانت البروبغندا الأضخم في هذا الصراع هي اغلاق الشرق (الطريق – الموانئ – المطار …) !! وقد عززت التحالفات والكتل السياسية والجهوية التي برزت عقب انقلاب 25 من أكتوبر من تضخيم هذه البروبغندا التي تشكلت بفعل ترتيب الأجندة ، والتي ترمي لإجهاض مشروع الثورة الذي تبنته قوى الحرية والتغيير التي وجدت مشروعيه دولية قوية حياله ، ولكن المشروعية الداخلية وهي الأهم بطبيعة الحال ما تزال محل سجال ، في ظل حالة الفعل ورد الفعل وغياب الرؤية النابعه من منطلقات جذور الأزمة الحقيقية في الشرق .